احكام قراءة القران
أحكام قراءة القرآن
أحكام قراءة القرآن في الصلاة
القراءة في الصلاة ركنٌ من أركانها ، فلا تصحّ الصلاة إلّا بها، على أنّ العلماء اختلفوا فيما يُقرأ في الصلاة؛ فذهب الجمهور من المالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة إلى اشتراط قراءة سورة الفاتحة في كلّ ركعةٍ، سواءً كانت الصلاة فَرْضاً أم نَفْلاً، سريّةً أم جهريّةً، استدلالاً بما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه، عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (لَا صَلَاةَ لِمَن لَمْ يَقْرَأْ بفَاتِحَةِ الكِتَابِ)، أمّا الإمام أبي حنفية؛ فقالوا بقراءة آيةٍ من القرآن، استدلالاً بقَوْله -تعالى-: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ)، بخلاف صاحبَيه؛ أبو يوسف ومحمّد، إذ قالا بأنّ أقلّ القراءة في الصلاة بقراءة ثلاث آياتٍ قِصارٍ، أو آيةٍ طويلةٍ، ويُستحبّ للمصلّي أن يقرأ بعد الفاتحة ممّا تيسّر من كتاب الله، في أوّل ركعَتين من كلّ صلاةٍ، مع الإشارة إلى أنّ قراءة سورةً كاملةً أفضل من قراءة جزءٍ من سورةٍ؛ لِما في ذلك من تمام المعنى، وكماله.
والخطأ في قراءة الفاتحة، خطأً يُغيّر المُعنى؛ يُبطل الصلاة، بخلاف الخطأ في غير الفاتحة؛ فلا تبطل بسببه، ولا يجوز تنكيس الآيات؛ بتقديم الآيات بعضها على بعضٍ؛ إذ إنّ الترتيب من الأمور التوقيفيّة، ويُسنّ للمُصلّي الجهر بالقراءة في صلاة الفجر، وفي الركعتين الأوليين من صلاتي المغرب والعشاء، وفي صلاة الجمعة، وصلاة العيد، وصلاة الكسوف، وصلاة الاستسقاء، ويُسنّ الإسرار بالقراءة في صلاتي الظُّهر والعصر، والركعة الثالثة من المغرب، والركعتين الأُخريين من العشاء، وكذلك في جميع النَّوافل التي تؤدّى نهاراً، أمّا النوافل التي تؤدّى ليلاً؛ فعلى التخيير بين الجهر والإسرار، والأفضل الاعتدال والتوسّط بين الجهر والإسرار.
آداب قراءة القرآن
يُستحسن بقارئ القرآن التحلّي بالآداب والسُنَن المتعلّقة بتلاوة القرآن، يُذكر من تلك الآداب:
- إخلاص النيّة لله -تعالى- في قراءة القرآن، بألّا يقصد القارئ ثناء الناس، أو غرضاً دُنيويّاً، من جاهٍ، أو مالٍ، أو غيرهما، فقراءة القران عبادةٌ لا بدّ من الإخلاص فيها كبقيّة العبادات، فقد ورد عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه-: (خَرجَ علَينا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ونحنُ نقرأُ القرآنَ وفينا الأعرابيُّ والأعجَميُّ، فقالَ: اقرَءوا فَكُلٌّ حسَنٌ وسيَجيءُ أقوامٌ يقيمونَهُ كما يقامُ القِدْحُ يتعجَّلونَهُ ولا يتأجَّلونَهُ).
- اختيار أفضل الأوقات لقراءة القرآن، والحرص على قراءته في أوقات النّشاط، واجتناب وقت انشغال القلب، أو الجوع، أو العطش، أو النُعاس.
- التدبّر في قراءة القرآن، والحرص على حضور القلب، مع الخشوع والخضوع لله -عزّ وجلّ-، إذ إنّ ذلك يعدّ المقصد الأسمى من القراءة، وبذلك تتحقّق الهداية المُرادة للعباد.
- البكاء والتباكي؛ خشيةً من الله -سُبحانه-، فتلك صفة العارفين بالله، وقد أخبر عنهم بقَوْله: (وَيَخِرّونَ لِلأَذقانِ يَبكونَ وَيَزيدُهُم خُشوعًا).
- التسوّك وتطهير الفم قبل قراءة القرآن؛ لِما ورد عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (السِّواكُ مطهرةٌ للفمِ مرضاةٌ للرَّبِّ).
- الطهارة من الحدثَين؛ الأصغر والأكبر.
- القراءة في مكانٍ طاهرٍ نظيفٍ، وتُفضّل القراءة في المسجد؛ لفَضْله.
- الجلوس أثناء القراءة، لِما فيه من حضورٍ وخشوعٍ وتذلّلٍ للقلب، وتجوز القراءة في غيره من الأحوال، قال -تعالى-: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وقعودا وعلى جُنُوبِهِمْ).
- الاستعاذة بالله -عزّ وجلّ- من الشيطان الرجيم قبل البدء بالقراءة؛ لِقَوْله -تعالى-: (فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن فاستعذ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).
- البسملة في بداية كلّ سورةٍ، ما عدا سورة التوبة.
- قراءة القرآن مرتّلاً ؛ استجابةً لقَوْله -تعالى-: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا).
- تحسين قراءة القرآن، وتجميل الصوت به؛ لِما ثبت في الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (ليسَ مِنَّا مَن لَمْ يَتَغَنَّ بالقُرْآنِ).
- قراءة القرآن بتمهّلٍ، وعدم الإسراع إسراعاً يخلّ بالمعنى، ويمنع من التدبّر والتفكّر في الآية.
- الدعاء أثناء القراءة، فإن مرّ القارئ بآية رحمةٍ؛ سأل الله من فَضْله، وإن مرَّ بآية عذابٍ؛ استجار بالله منه، كما كان من فَعْل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.
- قراءة القرآن مرتّباً بحسب ترتيب المصحف.
- اجتناب اللغط، والضحك، ولغو الكلام أثناء قراءة القرآن.
حكم الوضوء قبل قراءة القرآن
يستحب لقارئ القرآن أن يكون متطهّراً من الحدث قبل البدء بالقراءة، إلّا أنّ الطهارة لا تلزمه؛ لِما ثبت أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كان يذكر الله -سُبحانه- في كلّ أحواله، كما ثبت في صحيح الإمام مُسلم عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه)، ونُقل عن الإمام النوّوي أنّه قال في ذلك: "أجمع المسلمون على جواز قراءة القرآن للمُحدث، والأفضل أن يتطهّر لها".
فَضْل قراءة القرآن
تترتّب العديد من الفضائل على قراءة القرآن الكريم، يُذكر منها:
- نَيْل شفاعة القرآن يوم القيامة، فقد ثبت في الصحيح عن أبي أمامة الباهليّ -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَيْنِ البَقَرَةَ، وسُورَةَ آلِ عِمْرانَ، فإنَّهُما تَأْتِيانِ يَومَ القِيامَةِ كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ كَأنَّهُما غَيايَتانِ، أوْ كَأنَّهُما فِرْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصْحابِهِما، اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فإنَّ أخْذَها بَرَكَةٌ، وتَرْكَها حَسْرَةٌ، ولا تَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ).
- تحصيل الأجر العظيم المترتّب على قراءة القرآن، فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن قرأَ حرفًا من كتابِ اللَّهِ فلَهُ بِهِ حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقولُ آلم حرفٌ، ولَكِن ألِفٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ).
- نَيْل الخيريّة والمكانة الشريفة، فعن عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ).
- نزول السّكينة والرّحمة، وحضور الملائكة، وذِكْر الله لقارئ القرآن في الملأ الأعلى، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (وَما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ).
- الحَشْر يوم القيامة في زُمرة الملائكة الذين لا حساب عليهم، ومُضاعفة الأجر لِمن يتعلّمه ويشقّ عليه، فقد ثبت عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (الْماهِرُ بالقُرْآنِ مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، والذي يَقْرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وهو عليه شاقٌّ، له أجْرانِ).
- الهداية في الدُّنيا، والفَوْز في الآخرة.
- تحصيل أعلى المنازل والدّرجات في الجنّة؛ لِما ثبت عن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (يقالُ لصاحبِ القرآنِ: اقرأْ وارقَ ورتِّلْ كما كنتَ ترتلُ في الدنيا، فإنَّ منزلتَك عندَ آخرِ آيةٍ تقرأُ بها).
غاية إنزال القرآن
تكمُن الغاية من إنزال القرآن العظيم؛ الهداية والإرشاد إلى الطريق المستقيم، الذي يحقّق لعبده القُرب من الله -سُبحانه-، ولذلك فإنّ الله -تعالى- أمر باتّباع الكتاب المُبين؛ باعتباره الهدى والنُور للعبد، والعصمة من الزيغ والضلال، وقد قال -تعالى- واصفاً القرآن العظيم بالنُور، والهُدى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً)، وأمر باتّباعه، فقال: (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ*اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ)، وتوعّد من ترك اتّباعه قائلاً: (وَقَد آتَيناكَ مِن لَدُنّا ذِكرًا*مَن أَعرَضَ عَنهُ فَإِنَّهُ يَحمِلُ يَومَ القِيامَةِ وِزرًا*خالِدينَ فيهِ وَساءَ لَهُم يَومَ القِيامَةِ حِملًا).