صفات الرسول قبل الإسلام
صفات الرسول قبل الإسلام
اتّصف النبي -عليه الصلاة والسلام- مُنذ نشأته بالصفات الحميدة، وكان أبعد الناس عن الصفات الذميمة، وعُرِف بالصدق، والأمانة، والعفّة، والحياء، وكان حريصاً على بذل النّصح والخير للناس، كما أن صفاته كانت موجودةً في الكُتُب السماويّة السابقة، وينبغي على المُسلم معرفة أخلاقه؛ لأنها تدلّ على صدقه -عليه الصلاة والسلام-، وبها يقتدي المسلم ويتأسّى بنبيّه الكريم، لقوله -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)، ومن أهم الصفات التي اتّصف بها النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل بعثته ما يأتي:
وفور ورجاحة عقل الرسول
كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يتمتّعُ بِعقلٍ راجحٍ، وكان ذلك كافيّاً لأن يُقيم مُجتمعاً ودولةً من غير وحيّ، ولكن من تمام نعمة الله -تعالى- عليه أنْ جعله نبيّاً، فجمع بين عالم الشهادة بعقله وعالم الغيب بالوحي من ربّه، فُجُمع له الكمال البشريّ، وقد ظهر ذلك جليّاً منذ صغره، وعند اهتمام جَدِّهِ به، وتعويده على الجُلوس بين الرِجال، واهتمام عمّه أبو طالب به بعد وفاة جدّه، وكان يتميّز برجاحة عقله عن بقيه الأبناء والأقران، وقد أخَذه عمّه معه في تجارته وترحاله وهو في الثانيّة عشرة من عُمُره، فاجتمعت فيه الخبرة منذ الصِّغر، والتقى بالراهب وأخبره بكراهية اللّات والعُزّى، لأنّه قائمٌ في عقله أنّها لا تملك الضرّ والنفع، ومما يؤكد صفة رجاحة العقل عند النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ رُجوع قُريشِ إليه عند النِزاع؛ لما يرون فيه الحِكمة، مما ساعد على محبة الناس له، وكان جدّه عبد المُطلب يُجلسه إلى جانبه على الفراش، ويقول لأعمامه عندما يُحاولون انتزاعه عن فراشه: "دعوا ابني، فوالله إن له لشأناً".
ولمّا بلغ النبي من العُمر الخامسة والثلاثين؛ أصابت امرأةٌ الكعبة بحريقٍ، وتصدّع جُدرانها، فبدأت قُريشٌ بهدمها لإعادة بنائها من المال الحلال، وقسّمت بنائها على قبائل العرب ، فجعلت الباب لبني عبد مناف وزُهرة، وما بين الرُكنين الأسود واليمانيّ لبني مخزوم، وهكذا، ولمّا انتهت من بنائها ووصلوا إلى وضع الحجر الأسود؛ اختلفوا فيمن ينال شرف وضعه حتى كادت الحرب تقعُ بينهم، فأشار عليهم أبو أُميّة بن المغيرة المخزوميّ بأخذ مشورةِ أوّلُ رَجُلٍ يدخلُ من باب المسجد، فكان النبي -عليه الصلاة والسلام-، ورضوا به حَكَماً، فبسط النبيّ رداءه، ووضع الحجر عليه، وجعل كُل قبيلةٍ تأخُذُ بِطَرَفه؛ فكان ذلك سبباً في إيقاف الحرب والفتنةِ بينهم، بِالإضافةِ إلى حفظ الله -تعالى- لنبيّه في جميع حياته، ووصوله إلى حل المُشكلات بأسهل الطُرِقِ وأكملها.
بلاغة الرسول
ساعدت نشأة النبي -عليه الصلاة والسلام- في قُريش التي تعدّ لغتها من أفصح لهجات العرب، في الجمع بين العقل والبلاغة والمنطق في الكلام، وكذلك تعلُّمه الفُصحى في قبيلة بني سعد بهوازن، وكانت هوازن من أفصح القبائل، وأيضاً حُضوره الأسواق في موسم الحج، وسماعهِ للشعر، فامتلك -عليه الصلاة والسلام- جوامع الكلام، فكان كلامه موجزاً وبليغاً في آنٍ واحدٍ، وعباراته مع ذلك سهلة وواضحة.
حسن خلُق الرسول
مدح الله -تعالى- نبيّه فقال -سبحانه-: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وقال النبيّ الكريم عن نفسه: (إنَّما بُعِثْتُ لأُتممَ صالحَ الأخلاقِ)، وكلمة الأخلاق تشمل البُعد عن الأعمال السيّئة، وتتضمّن جميع الأعمال والصفات الفاضلة؛ كَحُسن العِشرة، وترك المُجادلة، والتيسير وعدم التعسير، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- محلّ ثِقَةٍ بين الناس، فكانوا يُؤمّنونه على أماناتهم، سواءً كانت أموالاً أم كلاماً، كما اشتهر -عليه الصلاة والسلام- في شبابه بالصادِقِ الأمين، وحُسن التعامُل، وعدم نقض الوعد، والسُّمعة الطيبة؛ مما جعل خديجة تأمنه على أموالها وتجارتها ، وتُعطيه ضِعف ما تُعطي غيره، وأبدت -رضي الله عنها- رغبتها بالزواج منه بعدما رأت من حسن أخلاقه، وقالت له عندما نزل عليه الوحيّ: "والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ (الضعيف)، وتكسب المعدوم، وتُقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".
عفو الرسول وتسامحه
اتّصف النبيّ الكريم بصفتي العفو والتسامح ؛ فكان يتجاوز عن الأخطاء والزلّات، وبعيداً كل البعد عن الحقد، فصاحب الرسالة يكون مشغولاً بها، مُحبّاً للناس، مُتطلّعاً للمُستقبل، بعيداً عن النظر إلى الماضي وما فعله الناس به، وكان يُعالجُ أخطاءهم بالرّفق واللين والعفو، كعفوه عن أهل الطائف لما آذوه ورجموه بالحجارة وأغروا به سُفاءهم، وكان عفوه وإحسانه إلى من يعرفه وإلى من لا يعرفه، وكان يحرص على مواساة غيره وتصبيرهم، ونصحهم وإرشادهم لِما فيه مصلحتهم.
جود وكرم الرسول
اتّصف النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل بعثته بالجود والكرم؛ فكان يُعين المُحتاج من غير تمنّنٍ أو استكثار، ويُعطي ما في يده وإن كان بحاجته، فهو دائم العطاء، وإعانة غيره من الضعفاء، وبلغ من جوده أنه كان يخلع ثوبه ويُعطيه لمن طلبه، وكان يأمُر الناس بالإنفاق والجود، بل بلغ من جوده أنه كان يجود بنفسه، وهو أبلغ الجود، وكان يُعطي ويتصدّق مع شدّة الفقر والحاجة، وقد وصفته زوجتُهُ خديجة -رضي الله عنها- بأنه يُكسب المعدوم، فيُعطي بسخاء، ويُؤثر غيره على نفسه.
رأفة الرسول ورحمته
مدح الله -تعالى- نبيّه بقوله: (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ)، وهذه الرحمة كانت في جميع الجوانب العامة في حياته، أمّا الرأفة والشفقة فتكون في الجوانب الخاصة، ما لم تتعارض مع حدود الله -تعالى-، لقوله -تعالى-: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
صدق الرسول وأمانته
كان النبي -عليه الصلاة والسلام- أشهر من اتّصف بالأمانة في جميع حياته، ولقّبتْه قُريش بالأمين؛ بعد أن أشار عليهم بكيفيّة وضع الحجر الأسود بعد إتمامهم من بناء الكعبة، وعرضت عليه خديجة الزواج به لِما رأت فيه من الصدق والأمانة في التجارة، وهذا كُله يُؤكّد مُشاركته لِقُريش في أعمالهم وقضاياهم، وليس كما يدّعي البعض من انفصاله عن مُجتمعه، وطمس هويته قبل مبعثه، وقد اشتُهر -عليه الصلاة والسلام- بالصدق، ولم يُروَ عنه أنه كذب في حياته قطّ، أو أنه كان مُداهِناً، أو مُنافِقاً في كلامه وأفعاله، فكان صادِقاً في أقواله وأحاسيسه ونفسه وجميع جوانِبِ حَياته، وعُرِف عنه ذلك بين جميع القبائل، وكانت صفتا الصدق والأمانة متلازمتيْن فيه قبل بعثته.
زهد الرسول
نشأ النبي -عليه الصلاة والسلام- يتيماً فقيراً، فكفِله جده وأغدق عليه من النِّعم والخير، ولكنه تُوفّي بعد ذلك بسنتين، فكفِله عمّه أبو طالب، وضمّه إلى أولاده، وبدأ النبيّ معه بالعمل برعي الغنم والتجارة، فكان زاهداً، يأخذ بأسباب الرزق، ويدّخر جُزءاً من المال لحين الحاجة، ولا يتفاخر على غيره بما معه، بل يُعطي غيره، ويُعين الضُعفاء والفُقراء مع حاجته، ويكتفي بالحلال القليل بعيداً عن الحرام، وتمثّل النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل بعثته بالزُهد في جميع جوانب حياته.
صبر الرسول
نشأ النبي -عليه الصلاة والسلام- وسط ظُروفٍ صعبة، فتحلّى بالصبر ، وضَبْط النفس بعيداً عن الشهوات، وكانت أخلاقه حسنة دائماً، لا يُغريه تزاحم الناس على عبادة الأصنام والأوثان، ولا يخضع للإثم والأخلاق السيّئة، وكان صبوراً محتسباً فيما ينزل به من الصعوبات؛ من الفقر، وفقْد أمّه وأبيه وجدّه، وكان يدفع عن نفسه الخواطر السيئة، وكان لا يمدّ يده عند التزاحم على الطعام لمّا كفله عمه أبو طالب مع كثرة أولاده وفقره، وصبَر عندما رعى الأغنام وعمل بالتجارة على الكسب الحلال، ولم يكُن يُطغيه كثرة المال ووفرته بين يديه.
عدل الرسول
اتّصف النبي -عليه الصلاة والسلام- مُنذُ صِغره بالأمانة، وكان يُلقّب بالأمين، ومن مُتلازمات الأمانة العدل ، فلا يُمكنُ للإنسانِ أن يكون أميناً وغير عادل، وقد قرن الله -تعالى- بينهما بقوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً)، فكان النبيّ مرجعاً للمُتخاصمين، وكان يُعامل الناس بالعدل، ولا يُنقص من حقّهم شيئاً، ولمّا أهدت إليه خديجة -رضي الله عنها- زيد بن حارثة قبل مبعثه، جاء أهله يطلبوه من النبي بثمنٍ، فأعطاهم النبيّ العدل إيّاه من غير ثمن، إلا أن زيداً أصرّ على البقاء والتربّي في حجر النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- لحبّه إيّاه.
شجاعة الرسول
تمثّل النبي -عليه الصلاة والسلام- بالشجاعة الحقيقيّة قبل مبعثه، فلم يكن يخاف من اتّباع الحق، ولم يسجد للأصنام أو يحلف بها يوماً، ومن مواقفه الشجاعة أنّه حكم بين الأقوام المتنازعة في وضع الحجر الأسود وأرضاهم بحكمه الحق، كما منع تسابق قافلته مع قافلةٍ أخرى وهو في عمر الخامسة والعشرين، لأن ذلك السباق لا يُثمر إلا التعب، ومع ذلك فقد اختار لقافلته طريقاً ظنّوه في البداية صعباً ووعراً، إلا أن النبيّ علم استقامته وسهولته، فوصلوا قبل القافلة الأخرى، وكان النبيّ ينطق بالحق قبل بعثته وبعدها دون أن يخاف لومة لائم.
النبي محمد صلى الله عليه وسلم
اهتمّ الله -تعالى- بنبيّه -عليه الصلاة والسلام-، وقال عنه في القرآن الكريم: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، فقد كانت أخلاقه خير الأخلاق حتى قبل البعثة، ممّا جعله مُؤهّلاً لحمل الرسالة، وصادقاً وأميناً في دعوته، فًمّنَّ الله -تعالى- عليه بالأخلاق والصفات العظيّمة، وقال -تعالى-: (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)، فحبّب الناس به وبدعوته، فآمنوا به وصدّقوه.