أين ينظر المصلي أثناء الصلاة
أين ينظر المصلِّي أثناء الصَّلاة
يختلف محل النَّظر في الصَّلاة بحسب الموضع في الصَّلاة، وبحسب نوع الصَّلاة، فقد ذهب الشَّافعيَّة والحنابلة إلى سُنِّيّة النَّظر إلى محلِّ السُّجود في جميع الصلوات، حيث جاء عن أبي هُريرة -رضي الله عنه- أنَّ الصَّحابة الكرام كانوا يرفعون أبصارهم إلى السَّماء في الصَّلاة، فلمَّا نزل قولهُ -تعالى-: (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ)، صاروا ينظرون إلى محلِّ سُجودهم، واستثنى الشَّافعيّة صلاة الجنازة من النظر لموضع السُّجود فيها؛ لأنَّ السُّنَّة النَّظر إلى الجنازة، واستثنوا كذلك موضع التَّشهُّد في الصلاة؛ فالسُّنَّة النَّظر إلى السبَّابة عند رفعها أثناء التَّشهُّد، وقال الإمام البغويّ إنَّ المُصلِّي ينظر في حال قيامه إلى موضع سُجوده، وفي الرُّكوع ينظر إلى ظهر قدميه، وفي سُجوده إلى أنفه، وفي الجُلوس ينظر إلى حِجره؛ لأنَّ قُرب النظر أقرب إلى الخُشوع في الصَّلاة، واستثنى الحنابلة من النَّظر إلى موضع السُّجود حالة الخوف.
والنَّظر إلى موضع السُّجود عند الحنفيَّة من الآداب المتعلِّقة بالصلاة، والسُّنَّة أن ينظر المُصلّي حال قيامه إلى موضع سُجوده، وفي الرُّكوع إلى ظهر قدميه، وفي سُجوده إلى أنفه، وفي الجُلوس ينظر إلى حجره، وإلى منكبه الأيمن عند التَّسليمة الأُولى، وإلى منكبه الأيسر عند التَّسليمة الثَّانية؛ لأنَّ ذلك أقرب إلى الخُشوع في الصَّلاة ، ويُعدل إلى غيرها إن كان الخُشوع في غيرها، ويرى المالكيَّة كراهة النَّظر إلى موضع السُّجود، وإنَّما يكون النَّظر إلى أمامه في جهة القِبلة؛ لِقولهِ -تعالى-: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)، ولأنَّ النظر إلى موضع السُجود فيه انحناءٌ للرأس وتنكيسٌ له.
وجاء عن الشّافعي أنَّه يُسنُّ للمُصلِّي النَّظر إلى محل سُجوده في جميع صلاته بالإضافة إلى صلاة الجنازة، وكذلك الأعمى وضعيف البصر؛ فإنَّه يكون كحالة النَّاظر لمحل سجوده؛ لأنَّه أقرب لتحقيق الخشوع المطلوب في الصَّلاة.وأكثر أهل العلم ذهبوا إلى سُنيَّة النَّظر إلى موضع السُّجود، ولذلك يُسنُّ للمُصلِّي جعل سُترةٍ أمامه -والسُترة هي الحاجز-؛ لتحقيق هذا المقصد، واستثنوا من ذلك النّظر إلى السّبابة حال رفعها بالتّشهّد، أمّا في حال الخوف والحرب فيكون النَّظر إلى جهة العدو.
رفع النَّظر إلى السَّماء في الصَّلاة
لا يجوز رفع المُصلِّي بصره إلى السَّماء أثناء صلاته؛ لأنَّ في ذلك إعراضٌ عن الجهة التي أُمر بالنَّظر إليها، لِقول النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (لَيَنْتَهينَّ أقْوامٌ يَرْفَعُونَ أبْصارَهُمْ إلى السَّماءِ في الصَّلاةِ، أوْ لا تَرْجِعُ إليهِم)، فرفْع البصر إلى السَّماء من الأُمور غير الجائزة في الصَّلاة؛ لورود النّهي عن ذلك في العديد من الأحاديث الصَّحيحة عن النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-، وهذا النهيُ خاصٌّ بالصَّلاة ، وأمَّا في خارج الصَّلاة فقد جاء الأمر بالحثِّ على النَّظر إلى السَّماء للتفكُّر والاعتبار، كما في قولهِ -تعالى-: (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ).
فالنَّظر إلى السَّماء في الصَّلاة من الأُمور المُحرَّمة، ولكن لا تَبطُل الصَّلاة به، وذهب بعضُ الظاهريّة وبعض العلماء إلى القول ببطلانها، وذهب جُمهور الفُقهاء إلى القول بكراهة رفع البصر إلى السَّماء في حال الصَّلاة، لِما ورد عن النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام- في النهيِ عن ذلك، وذهب ابنُ حزم وابن العثيمين إلى القول بالتحريم.
النَّظر إلى ما يُلهي في الصلاة وتغميض العينين
تعدَّدت أقوال الفُقهاء في حُكم النَّظر إلى ما يُلهي في الصَّلاة، وحُكم تغميضُ العينين فيها، وبيان أقوالهم فيما يأتي:
- حُكم تغميض العينين: ذهب جُمهور الفُقهاء من الحنفيَّة والمالكيَّة والحنابلة إلى القول بكراهة تغميض العينين أثناء الصلاة؛ للخوف من حصول النَّوم نتيجةً لذلك، ولأن فيه مُخالفةٌ للسُنَّة التي تحثّ على النَّظر إلى محلّ السُّجود، واستثنى بعضُ الفُقهاء من ذلك إن كان في تغميض العينين كمال الخُشوع عند المُصلِّي من خلال إبعاد النَّظر عمّا يُشغله ويسبّب له التشتّت وعدم التركيز في الصَّلاة، والكراهةُ هُنا كراهةٌ تنزيهيَّة، وذهب المالكيَّة إلى جواز التغميض في حال الخوف من النَّظر إلى أمرٍ مُحرَّمٍ، أو الخوف من التَّشويش، وذهب النوويُّ -رحمه الله- من الشَّافعيَّة إلى عدم كراهة التَّغميض إن لم يخف الضَّرر على نفسه أو غيره، فإن خاف الضَّرر فإنَّ ذلك يُكره.
- حُكم النَّظر إلى ما يُلهي في الصَّلاة: اتَّفق الفُقهاء على كراهة النَّظر إلى ما يُلهي في الصَّلاة؛ كالنظر إلى الكعبة والنَّاس يطوفون حولها؛ لأنَّ فيه انشغالاً عن المقصود الحقيقيِّ للصَّلاة، وعدم تحقيق الخُشوع والتركيز المطلوب في الصَّلاة، وعدم استشعار هيبة الوقوف بين يدي الله -سبحانه وتعالى-، بدليل الحديث الوارد عن النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام- : (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَلَّى في خَمِيصَةٍ لَهَا أعْلَامٌ، فَنَظَرَ إلى أعْلَامِهَا نَظْرَةً، فَلَمَّا انْصَرَفَ قالَ: اذْهَبُوا بخَمِيصَتي هذِه إلى أبِي جَهْمٍ وأْتُونِي بأَنْبِجَانِيَّةِ أبِي جَهْمٍ، فإنَّهَا ألْهَتْنِي آنِفًا عن صَلَاتي).