خطبة عن معجزة القرآن
خطبة عن معجزة القرآن
مقدمة الخطبة
الحمد الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وهو الحكيم الخبير، الحمد لله فاطر السماوات والأرض، جاعل الملائكة رسلاً، وأشهد ألا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
الوصية بتقوى الله تعالى
أوصيكم أيها الإخوة بتقوى الله العظيم، ولزوم طاعته، وأحذركم من مخالفة أمره ونهيه، واتعظوا من قوله -عز وجل-: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّـهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).
الخطبة الأولى
أيها الإخوة الأكارم، خطبتنا لهذا اليوم عن معجزة القرآن الكريم، المعجزة الخالدة الوحيدة التي استمرت بعد وفاة الرسول الذي أوتيها، فكل معجزات الأنبياء السابقين -عليهم الصلاة والسلام- انتهت معجزاتهم بفراقهم الدنيا، أما معجزة نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم- فباقية بحفظه -سبحانه وتعالى- إلى أن يرث الأرض ومن عليها.
أيّها الأحبة، لو نظرنا إلى تعريف العلماء للقرآن الكريم لوجدنا الإعجاز ملتصق بتعريفه، حيث يقولون: "القرآن هو اللفظ العربي المعجز، الموحى به إلى محمد -صلّى الله عليه وسلّم- بواسطة جبريل -عليه الصلاة والسلام-، وهو المنقول بالتواتر، المكتوب في المصحف، المتعبد بتلاوته، المبدوء بسورة الفاتحة، والمختوم بسورة الناس".
والمعجزة كما عرّفها العلماء بقولهم: "أنها أمر خارق للعادة مقرون بالتحدّي سالم من المعارضة يظهره الله على يد رسله"، فالمعجزة أمر خارق للسنّة الكونية التي سنها الله -سبحانه وتعالى-، وهي لا تخضع للأسباب والمسببات ولا يمكن لأحد أن يصل إليها عن طريق الجهد الشخصي مهما فعل، وإنما هي هبة من ربانية يختار -سبحانه وتعالى- نوعها وزمانها ليبرهن بها على صدق رسوله.
وعند النظر إلى القرآن الكريم من هذه الزاوية فكانت معجزة خاتم النبيين في الكلمة والقول؛ لأن هذا ما اشتهر به العرب في فترة نزول القرآن، والحكمة الإلهية في اختيار المعجزة من جنس ما اشتهر بين القوم هي أن الإنسان إذا أوتي من قبل ما يعتبره مفخرته ومجال إجادته تكون الحجة عليه أقوى، ومما زاد معجزة النبي لمعانا وجعلها أسطع برهانا أن معجزته كتاب متلوّ معجز، وهو الأمي الذي لم يخطّ بيده كتاباً.
ولقد تحدّى ربنا -سبحانه وتعالى- العرب والناس جميعاً:
- أن يأتوا بمثل هذا القرآن مرة فقال: (قُل لَئِنِ اجتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ عَلى أَن يَأتوا بِمِثلِ هـذَا القُرآنِ لا يَأتونَ بِمِثلِهِ وَلَو كانَ بَعضُهُم لِبَعضٍ ظَهيرًا).
- تحدّاهم أخرى أن يأتوا بعشر سور مثله، قال الله -تعالى-: (أَم يَقولونَ افتَراهُ قُل فَأتوا بِعَشرِ سُوَرٍ مِثلِهِ مُفتَرَياتٍ وَادعوا مَنِ استَطَعتُم مِن دونِ اللَّـهِ إِن كُنتُم صادِقينَ).
- تحدّاهم ثالثة بأن يأتوا بسورة واحدة من مثله، قال الله -تعالى-: (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).
وكان العجز هو الرد على كل هذه التحديات، فلم يقف أمام هذه التحديات واحداً من العرب الذين وصلوا إلى أعلى درجات البيان والفصاحة والبلاغة، فكان هذا العجز دليلاً على إعجاز القرآن الكريم، ولذلك فالإعجاز البياني هو أول وأكبر مظاهر إعجاز القرآن الكريم.
أيُّها الإخوة الأفاضل، إنّ للإعجاز في القرآن الكريم عدة جوانب، كان أولها الإعجاز البياني كما أسلفنا، وهناك جوانب أخرى، منها:
- الإعجاز الغيبي
وهو إخبار القرآن الكريم عن حقائق في الماضي لم يعاصرها من تنزل فيهم، أو في المستقبل، ثم تحدث مصدقة لما جاءت به الآيات الكريمة،ومن ذلك ما جاء في مطلع سورة الروم، قال الله -تعالى-: (غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّـهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)،وقد حدث ذلك.
- الإعجاز التشريعي
وهو من وجوه الإعجاز ومظاهره البارزة حيث تضمن القرآن الكريم تشريعات دقيقة تتعلق بشتى مرافق الحياة الخاصة والعامة، يتناولها منذ البداية حتى النهاية، لا يدع جانباً من جوانبها إلا ويضع له من الحلول والتنظيمات ما هو فريد في بابه، لم يسبق إليه شرع قبله ولا لحق به تقنين بعده، ومن ذلك تشريعاته لتربية الفرد والأسرة والمجتمع، وتنظيم العلاقات الدولية وغيرها.
- الإعجاز العلمي
وله مظهران الأول: هو حثّه الإنسان على التفكير، وإعمال العقل للنظر في آفاق هذا الكون، ومن مظاهر الإعجاز العلمي في القرآن أيضاً ذاك التوافق التام بين الحقائق العلمية الثابتة، وبين آيات القرآن ومبادئه العامة، ومن مظاهره كذلك الإشارة إلى بعض الحقائق العلمية، ومن ذلك قوله -سبحانه وتعالى-: (وَأَرسَلنَا الرِّياحَ لَواقِحَ)،حيث ثبت علمياً دور الرياح في تلقيح زهور النباتات.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً على أن أنعم علينا بنعمة القرآن، الحمد لله على أن جعلنا من أمة القرآن تحت لواء سيدنا محمد -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- وبعد،
أيها الإخوة الأحباب، مما وصف به علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قال: "كتاب الله فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة رد، ولا تنقضي عجائبه"،فكتاب ربنا -سبحانه وتعالى- لا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، تتردد جوانب إعجازه في كل ألفاظه وصوره.
حيث أعجز العرب قديماً، وأعجر من بعدهم، ولإعجازه جوانب كثيرة، ذكرنا منها الإعجاز البياني، والغيبي، والتشريعي، والعلمي، فعلينا أن ننظر إلى كتاب ربنا -سبحانه وتعالى- على أنه هدية معجزة لنا، وفي ذات الوقت أنه نص ثري مليء بالمعارف التي لم تكتشف بعد، فعل الله -سبحانه وتعالى- يمن علينا بفيض منه ويفتح علينا بعض كنوزه المذخورة.
الدعاء
- اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.
- اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
- اللهم اجعل القرآن الكريم نور صدورنا وجلاء همومنا وذهاب همومنا.
- اللهم اهدنا بالقرآن وانفعنا بالقرآن، وانصرنا بالقرآن.
- اللهم ارزقنا تلاوة القرآن الكريم على آناء الليل وأطراف النهار، على الوجه الذي يرضيك عنا.
- اللهم أعنا على تدبر كتابك وفهمه الفهم الصحيح، واجعله لنا دليلاً ومنهاجاً.