أين كانت غزوة أحد
أين كانت غزوة أحد
سُمّيت غزوة أُحُد بهذا الاسم نسبةً إلى جبل أُحُد، والذي يقع بالقرب من المدينة المنوّرة، وقد وقعت الغزوة بالقرب منه، ونزلت آية في القرآن الكريم بخصوص القتال الذي حدث بين المسلمين والمشركين عنده، إذ قال الله -تعالى-: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّـهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ). وبعد انتهاء المعركة دَفنَ النبي -عليه الصلاة والسلام- الشُّهداء بالقرب من جبل أُحُد، وكان من ضِمنهم حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير، وأنس بن النّضر، وصحابةٌ آخرون -رضي الله عنهم جميعاً-، وقبل وفاته -صلى الله عليه وسلم- زار جبل أُحُد وصلّى على الشُهداء مُودّعاً إياهم، وقد أحبّ النبي -عليه الصلاة والسلام- جبل أُحدٍ، إذ روى أبو حميد الساعدي -رضي الله عنه- عن رسول الله أنه قال: (أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا ونُحِبُّهُ).
مشاورة النبيّ أصحابه في مكان الغزوة
كان النبي -عليه الصلاة السلام- ينتهج منهج الشّورى مع أصحابه -رضي الله عنهم- بكلّ الأمور؛ ومنها الغزوات ، فلمّا عَلِمَ المسلمون بخروج قريشٍ لمواجهتهم؛ جمع النبي أصحابه وشاورهم في أمر قتال قريش، فاقترح عليهم النبي -عليه الصلاة والسلام- البقاءُ في المدينة، ومحاربة كفّار قريش في أزقّتها ومن أسطح منازلها، ووافقه على هذا الرأي جموعٌ من الصحابة ومعهم عبد الله بن أُبيّ، واقترح صحابةٌ آخرون مُقاتلتهم خارج أسوار المدينة، وأصرّوا على ذلك وكان رأيُ الأغلبيّة، فاتّجه النبي لبيته ولَبِس ملابس الحرب وخرج عليهم، وكانوا قد أحسّوا ببعض النّدم، فقالوا: "أكْرَهنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الخروج"، وقالوا: "يا رسول الله إن أحببت أن تمكث في المدينة فافعل"، فأجابهم: (ما ينبغي لنبيٍّ إذا لَبِس لَأْمَتَهُ أن يضَعَها حتى يحكُمَ اللهُ بينه وبين عدوِّهِ). وقد لّى -عليه الصلاة السلام- عبد الله بن أم مكتوم على المسلمين حتى عودته من الغزوة، وخرج مع رسول الله ألفٌ من الصحابة.
سبب اختيار النبيّ جبل أحد للرّماة
استقرّ النبي -عليه الصلاة السلام- وجيشه مُقابل المدينة المنورة ، وكان ظَهْر الجيشِ باتّجاه جبل أُحُد، ولحماية ظهْر المسلمين اختار النبيُ خمسين من أمهرِ الرُّماةِ بقيادة عبد الله بن جبير بن النّعمان الأنصاريّ الأوسيّ البدريّ، وأمرهم -عليه الصلاة السلام- بالوقوف على جبلٍ يبعُد مئة وخمسين متراً من مكان جيش المسلمين، وعُرف هذا الجبل باسم جبل الرُّماة، وقد حذّر النبي -عليه الصلاة السلام- وأكّدّ على الرّماة بعدم التحرّك من مكانهم أبداً، حتى لو كان المسلمون بحاجتهم إلا بأمرٍ منه وحده -عليه الصلاة والسلام-، وقد أخرج الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه عن البراء بن العازب -رضي الله عنه- قال إن النبي -عليه السلام- خاطب الرُّماة بقوله: (إنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فلا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هذا حتَّى أُرْسِلَ إلَيْكُمْ، وإنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا القَوْمَ وأَوْطَأْنَاهُمْ، فلا تَبْرَحُوا حتَّى أُرْسِلَ إلَيْكُمْ).
أحداث غزوة أحد
عَزَمَت قريش على غزو المسلمين بسبب ما لَقَوه منهم في غزوة بدر، وانتقاماً لكلِّ من قُتل من كبارهم من قريش، فبدأ كلٌّ من عكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، وأبي سفيان بن حرب، وعبد الله بن أبي ربيعة بتهييج القوم من قريش، وحلفائهم من كِنانة، وأهل تِهامة، وتحريضهم على مُهاجمة المسلمين، وكانوا قد جمعوا معهم الأحابيش، وطلبوا من أصحاب القوافل التي نجا بها أبو سفيان يوم بدر بالمساهمة في هذه الغزوة، فبلغت التّجهيزات العسكرية ألفاً من البعير وخمسين ألف دينارٍ، وقد أنزل الله -تعالى- قوله فيهم: (إِنَّ الَّذينَ كَفَروا يُنفِقونَ أَموالَهُم لِيَصُدّوا عَن سَبيلِ اللَّـهِ فَسَيُنفِقونَها ثُمَّ تَكونُ عَلَيهِم حَسرَةً ثُمَّ يُغلَبونَ وَالَّذينَ كَفَروا إِلى جَهَنَّمَ يُحشَرونَ). وتفصيل ما دار من أحداثٍ في غزوة أحد فيما يأتي:
- جمعت قريش ثلاثة آلاف من المقاتلين وأخذوا معهم النّساء؛ ليكونوا سبباً في ثبات رجالهم في أرض المعركة، ثم خرجوا لمُلاقاة المسلمين، وعسكروا في منطقةٍ بجانب جبل أُحد يُقال لها عَينين، وكان في الميمنة كتيبة خالد بن الوليد ، وفي الميسرة كتيبة عكرمة ابن أبي جهل، وكان معهم من الفرسان مئتان، أمّا المسلمون فصارعددهم بعد انسحاب ثُلثِ الجيشِ من المنافقين سبعمئة مُقاتل؛ خمسون منهم كانوا من الرُّماة بقيادة عبد الله بن جبير -رضي الله عنه-، وقد أخذوا الأوامر بإطلاق السّهام على الأعداء وبعدم فِراق مكانهم أبداً.
- وكان مَن حمل لواء وراية المسلمين مصعب بن عمير -رضي الله عنه-، وأوْكل -عليه الصلاة السلام- الميمنة والميسرة لكلٍّ من الزبير بن العوام والمنذر بن عمرو -رضي الله عنهما-، واستبعد النبي كل من وجده صغيراً على القتال، مثل: عبد الله بن عمر، وأسامة بن زيد، وأسيد بن ظهير، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، وزيد بن ثابت، وعرابة بن أوس، وعمرو بن حزم، وقد أخرج البخاري -رحمه الله- عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَرَضَهُ يَومَ أُحُدٍ، وهو ابنُ أرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي). واستثنى سمرة بن جندب، ورافع بن خديج، وكانا يبلغان الخامسة عشر من العمر، وكان -عليه السلام- قد ارتدى درعين فوق بعضهم البعض استعداداً لملاقة الأعداء ومقاتلتهم.
- أشار رسول الله على أبي دجانة سماك بن خرشة -رضي الله عنه- بالتّقدم، وكان -عليه الصلاة السلام- قد أعطاه سيفه، وكان أوّل من خرج من الكفّار أبو عامر الفاسق، ثم مضتِ المعركةُ واشتدّت، وكانت الغَلبة للمسلمين في بداية الأمر، فلمحهم الرُّماة وظنّوا أنّها النّهاية وأنّ المسلمين قد غَلبوا، فنزل معظمهم عن الجبل وأسرعوا لأخذ الغنائم، فانقلب نصرهم عليهم؛ بسبب معصيتهم لرسول الله بتركهم لمواقعهم، وبذلك أفسحوا المجال للأعداء لمحاصرتهم، فعن البرّاء بن عازب -رضي الله عنه- قال: (فأنَا واللَّهِ رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ، قدْ بَدَتْ خَلَاخِلُهُنَّ وأَسْوُقُهُنَّ، رَافِعَاتٍ ثِيَابَهُنَّ، فَقالَ أَصْحَابُ عبدِ اللَّهِ بنِ جُبَيْرٍ: الغَنِيمَةَ أَيْ قَوْمِ الغَنِيمَةَ، ظَهَرَ أَصْحَابُكُمْ فَما تَنْتَظِرُونَ؟ فَقالَ عبدُ اللَّهِ بنُ جُبَيْرٍ: أَنَسِيتُمْ ما قالَ لَكُمْ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ قالوا: واللَّهِ لَنَأْتِيَنَّ النَّاسَ، فَلَنُصِيبَنَّ مِنَ الغَنِيمَةِ، فَلَمَّا أَتَوْهُمْ صُرِفَتْ وُجُوهُهُمْ، فأقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ).
- وصل قومٌ من الكفّارِ إلى رسولَ الله، وذُكر أنهم عمرو بن قمئة وعتبة بن أبي وقاص، فجرحوا وجْهه، وكسروا رباعيّته اليمنى، وحطّموا خوذته، وبدأوا برمي الحجارة باتّجاهه إلى أن وقع في حفرةٍ كان قد نصبها أبو عامرٍ الفاسق، فأسرع أصحاب رسولِ الله لنجدته، وكان أوّلَهم أبو بكر، وساعده علي بن أبي طالب على الخروج من الحفرة، وأسرع إليه طلحة بن عبيد الله واحتضنه وبقيَ يُحامي عنه حتى شُلّت يده، واندفع مصعب بن عمير لحماية رسول الله فاستشهد آنذاك، واستلم الراية من بعده علي بن أبي طالب، وكان أبو عبيدة بن الجرّاح قد حرص على إخراج السّهم الذي غُرس في وجه النبي، فقد روى أبو بكر -رضي الله عنه- أنّ أبا عبيدة قال: (نشَدْتُك باللهِ يا أبا بكرٍ إلَّا ترَكْتَني، فأخَذ السَّهمَ بفِيهِ وجعَل يُنَضنِضُه ويكرَهُ أنْ يؤذيَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثمَّ استلَّهـ).
- أُشيع في ذلك الوقت بين المسلمين أنّ محمداً قد قُتل، فتملّك عددٌ من المسلمين الإحباط واليأس، وفَرَّ بعضهم وترك آخرون أسلحتهم؛ مُتأثّرين حُزناً بسبب خبر وفاة الرسول ، فخاطبهم أنسُ بن النّضر -رضي الله عنه- مُحفّزاً إيّاهم على الاستمرار في قتال العدوّ قائلاً: "ما تنتظرون؟ فَقَالوا: قُتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: ما تصنعون في الحياة بعدَه؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه"، وأخبَرَ أنس بن النّضر أنّه يَجد رائحة الجنّة ، فمضى مًقاتلاً حتى استُشهد، وقد روى أنسٌ بن مالك -رضي الله عنه- ما فعل أنسُ بن النّضر يومَ أُحُد، حيث إنّه قال: (اللَّهُمَّ إنِّي أَعْتَذِرُ إلَيْكَ ممَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ -يَعْنِي أَصْحَابَهُ- وأَبْرَأُ إلَيْكَ ممَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ -يَعْنِي المُشْرِكِينَ-، ثُمَّ تَقَدَّمَ، فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ، فَقالَ: يا سَعْدُ بنَ مُعَاذٍ، الجَنَّةَ ورَبِّ النَّضْرِ إنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِن دُونِ أُحُدٍ، قالَ سَعْدٌ: فَما اسْتَطَعْتُ يا رَسولَ اللَّهِ ما صَنَعَ، قالَ أَنَسٌ: فَوَجَدْنَا به بضْعًا وثَمَانِينَ ضَرْبَةً).
- تقدّم الرسول -عليه الصلاة والسلام- بعد ذلك باتّجاه المسلمين، فأبصره كعب بن مالك -رضي الله عنه-، وصرخ مُبشّراً المسلمين بعدم موته، إلا أنّ رسول الله أشار له أن يسكت، فأكمل -عليه الصلاة السلام- طريقه الى الشِّعب ومعه عددٌ من الصحابة. ولمّا هدأ القتال صَعد أبو سفيان الجبلَ ََوصار يُنادي: "أفيكم محمد؟ أفيكم ابن أبي قحافة؟ أفيكم عمر بن الخطاب "؟ ثلاثاً، ولم يُجبه أحدٌ على أسئلته، فظنّ أنّه قد نال منهم، فقال: "أمّا هؤلاء، فقد كفيتموهم"، إلا أنّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قد أجابه: "يا عدوَ الله، إنّ الذين ذكرتهم أحياء وقد أبقى الله لك ما يسوؤك"، وقد روى البراء بن عازب -رضي الله عنه- ما كان يقوله أبو سفيان بهذا اليوم، وما كان ردّ النبي -عليه الصلاة السلام-، حيث قال واصفاً قول أبي سفيان: (ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ: أُعْلُ هُبَلْ، أُعْلُ هُبَلْ، قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أَلَا تُجِيبُوا له، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، ما نَقُولُ؟ قالَ: قُولوا: اللَّهُ أَعْلَى وأَجَلُّ، قالَ: إنَّ لَنَا العُزَّى ولَا عُزَّى لَكُمْ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أَلَا تُجِيبُوا له؟ قالَ: قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، ما نَقُولُ؟ قالَ: قُولوا اللَّهُ مَوْلَانَا، ولَا مَوْلَى لَكُمْ).
- مدّ الله -تعالى- المسلمين في هذا الغزوة بالملائكة وذلك لمساعدتهم في مقاتلة أعدائهم، إذ روى سعد ٌبن أبي وقاص -رضي الله عنه-: (رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ أُحُدٍ، ومعهُ رَجُلَانِ يُقَاتِلَانِ عنْه، عليهما ثِيَابٌ بيضٌ، كَأَشَدِّ القِتَالِ ما رَأَيْتُهُما قَبْلُ ولَا بَعْدُ)، وكان يومُ أُحدٍ من أشدِ الأيام التي مرّت على المسلمين، وقد استُشهد فيه سبعون من صحابة رسول الله وأُصيب آخرون، وفي هذا اليوم أيضاً كُشف وفُضح عددٌ من المنافقين الذين كانوا يتظاهرون بانتمائهم للإسلام، وهم يخفون كفرهم في جوفهم، فأخزاهم الله -تعالى-.
صور من البطولة والإيمان في غزوة أحد
ضَرَب أصحاب رسول الله -عليه الصلاة والسلام- في غزوة أُحُد صوراً من البطولات والتّضحيات التي دلّت على إيمانهم وبطولتهم، وفيما يأتي بعضٌ منهاِ:
أبو دجانة
بدأ الأعداء برشقِ السّهام على المسلمين من الخلف عند اضطراب المسلمين بسبب الثّغرة التي ظهرت في صفوفهم، وكان ظهر رسول الله مكشوفاً لهم، فأسْرع أبو دجانة لحماية رسول الله وأخذَ يتلقّى السّهام عنه؛ حتى امتلأ ظهره منها، وبقي على حاله حتى انتهت المعركة، وكان قد فضّل حماية الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى لو كان المقابل التّضحيّة بنفسه، وكان أبو دجانة -رضي الله عنه- أكثر المسلمين شجاعةً، وكان كلَّ ما حضر معركةً عَصب على رأسه عصابةً حمراء، وكان يُطلِق عليها اسم عصابة الموت، وكان يمشي بين صفوف الجندِ بكل ثقةٍ وخُيلاء.
أنس بن النضر
نزل في أنس بن النضر -رضي الله عنه- قوله -تعالى-: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)؛ وذلك لصدقه وإيمانه بضرورة نُصرة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حيّاً كان أو ميّتاً، وكان قد أثبت ذلك بموقفه البطوليّ عندما أُشيع خبر وفاة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فلم يستسلم للواقع كغيره من الصّحابة، بل استمرّ في قتاله لآخر رمقٍ واستُشهد، وقد وُجد مُثخناً بجراحه وكانت بضعًا وثمانين جرحاً، ولم يستطع أحدٌ التّعرف عليه إلا أُختُه، حيث ميَّزته من شامته، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (فَوَجَدْنَا به بضْعًا وثَمَانِينَ ضَرْبَةً بالسَّيْفِ أَوْ طَعْنَةً برُمْحٍ، أَوْ رَمْيَةً بسَهْمٍ ووَجَدْنَاهُ قدْ قُتِلَ وقدْ مَثَّلَ به المُشْرِكُونَ، فَما عَرَفَهُ أَحَدٌ إلَّا أُخْتُهُ ببَنَانِهِ).
أبو طلحة
كان أبو طلحة الأنصاري -رضي الله عنه- يقف مُدافعاً عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ويصدّ عنه السّهام وطعنات الكفّار، وكان يدافع عن نبيّ الله أكثر من دفاعه عن نفسه؛ نصرةً لرسول الله ورسالته، وقد روى أنسُ بن مالكٍ -رضي الله عنه- موضّحاً موقفه البطوليّ قائلاً: (لَمَّا كانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأَبُو طَلْحَةَ بيْنَ يَدَيِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُجَوِّبٌ به عليه بحَجَفَةٍ له، وكانَ أبو طَلْحَةَ رَجُلًا رَامِيًا شَدِيدَ القِدِّ، يَكْسِرُ يَومَئذٍ قَوْسَيْنِ أوْ ثَلَاثًا، وكانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ معهُ الجَعْبَةُ مِنَ النَّبْلِ، فيَقولُ: انْشُرْهَا لأبِي طَلْحَةَ. فأشْرَفَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَنْظُرُ إلى القَوْمِ، فيَقولُ أبو طَلْحَةَ: يا نَبِيَّ اللَّهِ، بأَبِي أنْتَ وأُمِّي، لا تُشْرِفْ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِن سِهَامِ القَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ).
أم عمارة
لم يقتصر دفاع الناس عن النبيّ على الصحابة الرجال فقط، بل اشتمل على الصحابيات ومنهم أمُّ عمارة -رضي الله عنها-، حيث كانت ممَّن أسرع لحماية رسول الله لمّا انقلبت النتيجة لصالح الأعداء، وكان معها زوجها وابنها، ولم تتوقّف أبداً طوال المعركة مُدافعةً عن رسول الله ودين الله.