أين دفن هارون الرشيد
هارون الرشيد
سطّر التاريخ الإسلامي الكثير من بطولات القادة المسلمين؛ الذين تركوا أثراً كبيراً في الإسلام، وتركوا مثلاً رائعاً في القوة، والشهامة، والعدل، والمساواة، ورجاحة العقل، وغيرها الكثير من الصفات المحمودة.
ومن هؤلاء القادة العِظام الخليفة هارون الرشيد، فمن لم يسمع بالخليفة القائد هارون الرشيد؟، سنتحدّث اليوم عن هذا القائد بشيءٍ من الاختصار؛ لأنّ سيرته تحتاج إلى المجلدات حتى نوفيها حقها.
وفاته ومكان دفنه
كان هارون الرشيد مؤمناً ويعلم أنّ نهاية كل إنسان هو الموت، وقد رأى في منامه رؤيا أن كفاً بها تربةً حمراء، فاستدعى من يفسرها له فما كان إلا أن هونوا عليه؛ لكن منهم من قل أنّ هذه تربة أمير المؤمنين -إشارة لدنو أجله-، وعند مسيره إلى خرسان مرّ بطوس فشعر بالمرض فيها، فتذكر رؤياه التي رآها؛ فقال لخادمه أن يأتي بالقليل من تراب هذه المنطقة، فجاء بترابٍ أحمر.
ولما رآها هارون الرشيد علم أنّ وفاته ستكون في هذه المنطقة، فأمر بحفر قبرٍ له وأن تقرأ فيه ختمةً للقرآن تامّة، ثم حملوه ليرى القبر وجعل يقول: "هنا تصير يا ابن آدم!"، وأخذ يبكي، ثم توفي بعدها بثلاث ليالٍ، وكان ذلك سنة ثلاث وتسعين وماية، في ثالث جمادى الآخرة منها، وبويع ولده الأمين محمد ليلة وفاة أبيه، ودفن بطوس -رحمه الله-.
نسبه ومولده
هو هارون بن المهدي بن محمد بن المنصور بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي العباسي، حيث وُلِد في منطقة الري عام (184) للهجرة، ووالدته هي أم ولد، وتسمّى الخيزران، وهي كذلك أم الهادي، استخلف بعهد من أبيه عند موت أخيه الهادي، وكان أبيض، طويلًا، جميلًا، مليحًا، فصيحًا، له نظر في العلم والأدب.
حياته وصفاته
لقد كان هارون الرشيد منذ الصغر يمتاز بالشجاعة والقوة؛ ممّا جعل والده يوليه قيادة الحملات أثناء عهده، ولم يتجازو عمر هارون الرشيد في ذلك الوقت عشرون عاماً، وقد تولّى الخلافة في يوم السبت في السادس عشر من ربيع الأول من عام (170) للهجرة بعد وفاة أخيه موسى الهادي، وقد كان عمره في ذلك الوقت خمسة وعشرون عاماً.
اتسم هارون الرشيد إلى جانب الشجاعة والقوة والأدب، والفصاحة، ورجاحة العقل، وكان يحب العلم وأهله، ويعظم حرمات الإسلام، ويبغض المراء في الدين، وعند توليه للحكم كانت الدولة العباسية منتشرة على مساحات كبيرة من الأراضي؛ لذلك كان لا بد من وجود قائدٍ ناجح ليحميها من الفتن والانقسام وكان هارون الرشيد كذلك.
ازدهرت الدولة العباسية في حُكم هارون الرشيد العلوم، والفنون والآداب؛ لأنّه كان محباً للعلم والأدب وكان يتذوّق الشعر، وقام بإنشاء بما يعرف ببيت الحكمة في بغداد، ورفدها بالكثير من الكتب والمؤلفات من مختلف مناطق العالم.
وقد استطاع إخماد الفتن الداخلية التي كانت تحدث في البلاد بين الفترة والأخرى مطالبةً بالاستقلال، وقد كان معروفاً عن هارون الرشيد كثرة الصلاة والعبادة؛ فقد كان يصلي مئة ركعة يومياً لم يتركها طوال فترة خلافته.
عائلته
تزوج هارون الرشيد من ابنة عمه زبيدة بنت جعفر، من فضليات النساء وشهيراتهن، وهي أم الأمين العباسي، واسمها (أمة العزيز) وغلب عليها لقبها (زبيدة) قيل: كان جدها (المنصور) يرقصها في طفولتها ويقول: يا زبيدة أنت زبيدة! فغلب ذلك على اسمها؛ وإليها تنسب (عين زبيدة).
قال ابن كثير: "وَتَزَوَّجَ أُمَّ مُحَمَّدٍ بِنْتَ صَالِحٍ الْمِسْكِينِ، وَالْعَبَّاسَةَ بِنْتَ عَمِّهِ سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي جَعْفَرٍ فَزُفَّتَا إِلَيْهِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ بِالرَّقَّةِ، وَتَزَوَّجَ عَزِيزَةَ بِنْتَ الْغِطْرِيفِ، وَهِيَ بِنْتُ خَالِهِ أَخِي أُمِّهِ الْخَيْزُرَانِ، وَتَزَوَّجَ ابْنَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ الْعُثْمَانِيَّةَ، وَيُقَالُ لَهَا الْجُرَشِيَّةُ، لِأَنَّهَا وُلِدَتْ بِجُرَشَ بِالْيَمَنِ".