أهمية رعاية الأيتام
أهمية رعاية اليتيم
لرعاية الأيتام وكفالتهم أهميةٌ عظيمةٌ تعود على اليتيم وعلى المجتمع بالخير والصَّلاح، وبيانُ بعضها فيما يأتي:
- نشأة طفلٍ محبٍّ لمجتمعه في ظلِّ حِرص الجهات المعنيَّة على رعاية اليتيم، وتربيته على الأخلاق الحسنة، وإعطاؤه جميع الحقوق الماديَّة والمعنويَّة التي يستحقُّها.
- بناء مجتمعٍ متماسكٍ من خلال اتّباع قواعد الإسلام وأحكامه المبنيَّة على الرَّحمة والتَّكافل التي وصَّى الله -تعالى- بها عباده كما بيَّن في كتابه الحكيم: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ)، وقد أكّد رسول الله -عليه الصلاة والسلام- على ضرورة التَّعاون والتَّناصر بين أفراد المجتمع الواحد بما فيهم الأيتام، فعن النُّعمان بن بشير -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: (مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى).
- انتشار الطمأنينة في قلوب العباد، وعدم خوفهم من الموت وترك أطفالهم بلا مُعينٍ ولا سندٍ؛ لأنهم على يقينٍ بأنهم يعيشون في مجتمعٍ يسوده روح التعاون والتآلف والتكافل. وصلاح المجتمع يبدأ بصلاح أفراده والامتثال لأوامر الله -تعالى- في معاملة اليتيم، وقد أكَّد الشَّارع الحكيم على ضرورة الإحسان والعدل بقوله: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّـهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا).
- صيانة نفس اليتيم من الفساد النّاتج عن الإهمال وعدم الإحسان، بالإضافة إلى صلاح القلوب بخلوِّها من الأمراض وكلّ ما يشوبها من الحقد والحسد والكراهية، وانتشار الرَّحمة والعطف والتَّكافل بين الناس، مما يعود بالخير على أبناء المجتمع كلِّه؛ صغيره وكبيره، غنيِّه وفقيره.
أوصى الله -تعالى- عباده بضرورة الإحسان إلى اليتيم والحرص على إعطائه حقوقه وحفظها حتى بلوغه سنَّ الرُّشد، وقد وردت العديد من الآيات الكريمة في القرآن الكريم التي تحثُّ على العطف على اليتيم، كقوله -تعالى-: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ)، وقوله -تعالى-: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ). وذلك حفاظاً عليه وحرصاً على عدم ضياعه بسبب فقد أباه وفقد من يعوله ماديّاً ومعنويّاً.
فضل رعاية اليتيم
يحظى كافل اليتيم بفضائل عديدةٍ، منها:
- تيسير الله -تعالى- لأمور كافل اليتيم في الحياة الدنيا وفي الآخرة؛ فكفالة اليتيم سببٌ في سدِّ الحاجات وقضائها، وقد قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (أتحبُّ أن يلينَ قلبُك، و تُدْرِكَ حاجتَكَ؟ ارحَمِ اليتيمَ، وامسَح رأسَه، وأطْعِمْه من طَعامِك، يَلِنْ قلبُك، وتُدْرِكْ حاجتَكَ).
- كفالة اليتيم سببٌ للنَّجاة في الآخرة؛ وذلك لأن كافل اليتيم يُعَدُّ من أهل الإيمان، ولا يدخل الجنَّة إلا مؤمنٌ، وقد رُويَ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من ضمَّ يتيمًا بين مسلمَين في طعامِه وشرابِه حتى يستغنيَ عنه؛ وجبتْ له الجنةُ).
- الحصول على الأجر والثواب العظيمَين جزاءً على بذل الجهد والمال في رعاية الأيتام تقرُّباً من الله -تعالى-.
- كفالة اليتيم وإطعامه سببٌ في دخول الجنة، قال -تعالى-: (يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا* إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّـهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)، وقد بشّر النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أمَّته بنيل شرف قرب منزلة كافل اليتيم منه، وذلك بقوله: (أنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا، وقالَ بإصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ والوُسْطَى).
- كفالة اليتيم سببٌ في لين القلب وبُعده عن الشِّدَّة والغِلظة؛ إذ يكتسب كافل اليتيم صفاتٍ مُحبَّبةً كالرَّحمة واللُّطف، وقد بيّن الرسول -عليه السلام- ذلك حين قدِم إليه رجلٌ يشكو قسوة قلبه فحثَّه على رعاية اليتيم، وقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه-: (أنَّ رجلًا شَكَى إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قَسوةَ قلبِهِ فقالَ: أطعِمِ المِسكينَ وامسَحْ رأسَ اليتيمِ).
هدي النبي في رعاية اليتيم
شدَّد النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- على ضرورة التَّرابط والتَّكافل بين أفراد المجتمع، وكان يحرص على تذكير أصحابه وأمَّته بذلك، إذ أخرج الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبيِّ -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)، وأخرج أيضاً ما رواه أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- أنّ النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كالْبُنْيانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ثُمَّ شَبَّكَ بيْنَ أصابِعِهِ). ومن صور التَّكافل بين أفراد المجتمع رعاية اليتيم وكفالته، وقد كان النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- يحرص كلّ الحرص على العطف والإحسان لليتيم امتثالاً لأمره -تعالى-: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ)، كما أنّه شجَّع المسلمين وحبَّبهم بالفضل والثواب العظيمَين الذي سينالونه عند كفالة اليتيم، وهو الفوز بصحبته -صلَّى الله عليه وسلَّم- في الجنة.
كان رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- مُراعياً ومُلمّاً بمشاعر الأيتام؛ فيسعى لسدِّ حاجاتهم الماديَّة والمعنويَّة بعدلٍ وإحسانٍ، وكان يُحذِّر من العقاب الكبير جزاءً للإساءة إليهم، ومن صور الإساءة إلى اليتيم أكل ماله، فهو من السبع الموبقات المهلكات؛ إذ روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنه قال: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ وما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، والسِّحْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، وأَكْلُ الرِّبا، وأَكْلُ مالِ اليَتِيمِ، والتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ الغافِلاتِ)، وكان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- قد نصح وحذَّر أبا ذرٍّ الغفاريّ -رضي الله عنه- بقوله: (يا أبا ذَرٍّ، إنِّي أراكَ ضَعِيفًا، وإنِّي أُحِبُّ لكَ ما أُحِبُّ لِنَفْسِي، لا تَأَمَّرَنَّ علَى اثْنَيْنِ، ولا تَوَلَّيَنَّ مالَ يَتِيمٍ). فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدوةٌ المسلمين وأسوتهم الحسنة، لذلك يجب أن يحرص المسلمون على اتّباع هَديه والسَّير على نهجه القائم على الإحسان إلى اليتيم بما يتوافق مع أوامر الله -تعالى-.