أنواع الإطناب
ما هي أنواع الإطناب؟
الإطناب هو فرعٌ من فروع علم المعاني ، وهو العلم الذي يُدرّس خروج الجملة العربيّة في تركيبها النحوي واللغوي بهدف تحليل هذا الخروج، ومعرفة أثره على المعنى والمُتلقي، ولا يكون إلا خروجًا على تركيب الجملة العربيّة ، وهذا الخروج لا يكون عشوائيًا إنما لهدف معين يمكن استنتاجه من خلال الأثر الذي يتركه لدى المُتلقي.
يمكن ملاحظة هذا الأثر من خلال ملاحظة الفرق بين جملة أضيفت لها كلمة من باب الإطناب، وبين الجملة نفسها دون زيادة، الإطناب في اللغة هو مصدر من الفعل أطنب، وأطنب في الكلام أيّ بالغ فيه، وطوّل نهايته، فنقول أطنبت الريح إذا اشتد غبارها، وأطنب الإبل إذا تبع بعضها بعضًا في السير.
أما تعريف الإطناب اصطلاحًا فهو، زيادة اللفظ على المعنى لفائدة، أي عرض المعنى بزيادة الألفاظ، من أجل إضافة معانٍ جديدة لتقوية المعنى وتوكيده، فأهم شرط يجب أن يحققه الإطناب إضافة فائدة جديدة على المعنى.
فالإطناب هو الاشتداد في المبالغة في المعاني، وهو باختصار التكثير، والتطويل، والمبالغة، سواءً في المساحة أو الحجم أو البعد الزماني أو المكاني، ومن أهم أنواع الإطناب في العربيّة نذكر منها ما يأتي:
ذكر الخاص بعد العام
معناه أن يُذكر المعنى العام الذي يتضمن العديد من الحيثيات والجزيئيات، والفائدة من هذا الإطناب هو التنبيه على فضل الخاص، حتى يتبادر للسامع أنه ليس من جنس العام.
ومثال عليه قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُون}، ذكر سبحانه وتعالى الفساد وهو شيء عام، ثم فصّل بذكر الخاص وهو أنواع الفساد مثل سفك الدماء للتنبيه على حُرمتها الشديدة.
ومثال عليه قوله تعالى: {وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَاب ۖ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيم}، والشاهد هنا هو ذكر الله تعالى للعذاب وهو عام، ثم العناية بتفصيل أنواع هذا العذاب وهو قتل الأبناء، واستحياء النساء.
ذكر العام بعد الخاص
هو ذكر شيء يحتمل العديد من الجزيئات، ثم ذكر بعض تلك الجزيئات، وهو لإفادة العموم مع العناية بشأن الخاص، مثال عليه قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا}.
فقد ذُكر الخاص وهو الصدق، ثم ذكرت النبوة وهي العموم لأنها تشتمل على جميع الصفات الحسنة ومنها الصدق، وذُكرت لأهميتها من بين جميع الصفات.
الإيضاح بعد الإبهام
وهو عرض المعنى مرتين، مرّة مبهم، والمرّة الأخرى موضّح شارح للإبهام، ومثال عليه قوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُون}، فذكر الله تعالى الوحي بشكل مجمل، ثم فصّل في ذلك الوحي{أنه لن يؤمن إلا من قد آمن}.
التكرير لداعٍ
وهو لتأكيد القول، وتمكين المعنى في النفس، وقد يُذكر الشيء مرتين أو أكثر لأجل ذلك، ويكون للتحسر أو طول الفصل، ومثال عليه قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون}، الشاهد قوله تعالى: {ما في} فقد جاءت مكررة مرتين لتوكيد المعنى.
الاحتراس
هو أن يؤتى بالكلام بإيهام خلاف المقصود، وعرّفه ابن أبي إصبع: هو أن يأتي المُتكلّم بمعنى يختلط عليه، فيفطن لذلك العمل، فيأتي في أصل الكلام بما يخلّصه من ذلك، والفائدة البلاغيّة منه، هو إطلاق الحكم، وتوسيعه، بحيث يصبح شاملاً عامًا، وإطناب الاحتراس نوعان: أحدهما يأتي في وسط الكلام، والآخر يأتي في نهاية الكلام.
ومثال على الاحتراس في وسط الكلام قوله تعالى: {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ۖ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِين}، والشاهد كلمة {من غير سوء}، فاحترس سبحانه وتعالى لئلا يدخل في ذلك معاني أخرى كالبرص والبهق.
ومثال على الاحتراس في نهاية الكلام قوله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُون}، والشاهد قوله تعالى: {لعلهم إليه يرجعون}، هنا احتراس لدفع التوهم فالله تعالى لم يترك الصنم لأنه كبيرهم، بل لإقامة الحجة عليهم والاستهزاء بهم.
الإيغال
هو ختم البيت بكلمات يتم المعنى دونها، ولكن يؤتى بالكلمات كنوع من البلاغة ، فالإيغال هو لفظ زائد يأتي لإتمام القافية، والإيغال لا يكون إلا في آخر الكلام.
ومثال عليه قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}، والشاهد {مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا}.
الاعتراض
وهو أن يؤتى في أثناء الكلام، أو بين جملتين متصلتين في المعنى، بجملة لا محل لها من الإعراب، والاعتراض أنواع عديدة منها إفادة التنزيه، والدعاء، والتعظيم، والتوضيح.
ومثال على اعتراض التنزيه قوله تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيم}، سبحانك هي جملة معترضة تفيد تنزيه الله وتعظيمه.
ومثال على اعتراض الدعاء قوله تعالى: {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِين}، {إن شاء الله} جملة معترضة تفيد الدعاء.
{أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}، الشاهد {ما} جاءت جملة معترضة للبيان والتوضيح.
{فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ ۚ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}، {من عندنا} جاءت لتعظيم مكانته.
التذييل
والتذييل هو مصدر ذَيّل وهي صيغة مبالغة، وفي اللغة التذييل هو جعل الشيء ذيلاً للآخر، وأما معنى التذييل في الاصطلاح هو أن يؤتى بعد إتمام الكلام بكلام آخر مستقل عن المعنى الأول تحقيقًا للدلالة على الكلام الأول، ليكون المعنى واضحًا عند من يفهمه، ويظهر عند من لا يفهمه.
وعرّف القريوتي التذييل بأنه تعقيب جملة بجملة أخرى تشتمل على معناها للتأكيد، فالتذييل لا يكون إلا جملة، والتذييل نوعان ما يجري مجرى المثل، وهو ما استقل معناه، واستغنى عمّا قبله، وما لا يجري مجرى المثل، وهو ما استقل في معناه وجيء به لتأكيد ما قبله.
وأمثلة على التذييل الذي لا يجري مجرى المثل قوله تعالى: {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِين}، فجملة {إنا نراك من المحسنين}، تذييل لا يجري مجرى المثل، وذلك لحث يوسف عليه السلام للاستجابة لهم.
وأما التذييل الذي يجري مجرى المثل قوله تعالى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، والشاهد {إنه العزيز الحكيم}، وهي تذييل جارٍ مجرى المثل يفيد أنه لا يأبه لا يخاف من قومه، لأن الله تعالى سيحميه.
أمثلة على أنواع الإطناب
ومن أهم الأمثلة على الإطناب نذكر ما يأتي:
- إطناب التكرار
قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ} إطناب التكرار واضح في كلمة هم، وهو لتأكيد المعنى وللتحسر على حال الكفار. مثال آخر على إطناب التكرار قول الخنساء في وصف أخيها صخر : وَإِنَّ صَخرًا لَوالِينا وَسَيِّدُنا ** وَإِنَّ صَخرًا إِذا نَشتو لَنَحّارُ
- إطناب العام بعد الخاص
مثال عليه قوله تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} فقد ذُكر الخاص وهو {لي والوالدي}، ومن ثم ذُكر بعده العموم وهو المؤمنين.
- إطناب الخاص بعد العام
مثال عليه قوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}، فقد ذكر الله تعالى الملائكة على العموم، ثم ذكر جبريل عليه السلام، وهو واحد من الملائكة ولكن خصّه الله تعالى بالذكر تكريمًا له.
- إطناب الاعتراض
مثال عليه قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ ۙ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ}، سبحانه إطناب اعتراض يفيد تنزيه الله تعالى.
- إطناب التذييل
حُكم على المتهم بالحبس لمدة سنة، وفي المحكمة يُقام العدل. في المحكمة يقام العدل هو إطناب تذييل فقد ألحقت جميلة بجملة أخرى للتأكيد.
- إطناب الاحتراس
{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُون}، وهنا إطناب الاحتراس واضح في الآية الكريمة وقد جاء في وسط الكلمة.
- إطناب الإيغال
قالت الشاعرة الخنساء: وَإِنَّ صَخراً لَتَأتَمَّ الهُداةُ بِهِ ** كَأَنَّهُ عَلَمٌ في رَأسِهِ نارُ
فقولها في رأسه نار لزيادة المبالغة في وصف أخيها، لأن عبارة كأنه علم تكفي المغزى.
- إطناب الإيضاح بعد الإبهام
{وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَٰلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ} فإن دابر هؤلاء تفسير وتوضيح ل "ذلك الأمر" المبهم، والهدف من هذا الإطناب تهويل أمر العذاب.