ولتجدن اقربهم مودة
من هم الأقرب مودة للذين آمنوا؟
قال الله -تعالى-: (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى)، يظهر من خلال الآية السابقة أنّ أقرب الناس مودة للمؤمنين هم النصارى، الذين يقولون عن أنفسهم أنّهم يتبعون دين المسيح عيسى -عليه السلام-.
لماذا يُعد النصارى أقرب مودة للمؤمنين؟
يكمن السبب في كون النصارى أقرب مودة للمؤمنين في أربعة أمور:
- أوّلها: إنّ من النصارى قسّيسين يتكفّلون ببيان أمور دينهم وتعاليمه للناس، ويعمدوا إلى تربيتهم على الآداب والفضائل، قال الله -تعالى-: (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ).
- ثانيها: إنّ من النصارى رهباناً، يُعتبروا قدوة للناس في الزهد والتقشف، ومجانبة زينة الدنيا وزخرفها، ويعظمون في نفوسهم الخوف من الله -تعالى-، لقوله -تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا).
- ثالثها: إنّ من صفات النصارى التواضع، والإذعان للحق متى ظهر واتّضح ،حيث قال الله -تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ).
- رابعها: إنّ في قلوب النصارى رقة ورأفة ورحمة، وذلك لأنّهم إذا ما سمعوا شيئاً من القرآن الكريم بكوا تأثراً بكلام الله -تعالى-، ولمعرفتهم بأنّ دعوة رسول الله دعوة الحق التي كانوا قد بُشّروا بها في كتابهم، حيث قال الله -تعالى-: (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ).
المراد بالنصارى الأقرب مودة للمؤمنين
لا شكّ بأنّ الله -تعالى- ما أراد جميع النصارى بقوله: (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى)؛ وذلك لأنّ عداوتهم للمسلمين ظاهرة من خلال تاريخ الأندلس، والحروب الصليبية، وما أحدثوا فيهم من قتل، وأسر، وتخريب، وهدم المساجد، وإحراق المصاحف.
وإنّما أراد -سبحانه- فئة معينة من النصارى هي أقرب مودة للمؤمنين، بحيث تتصف بملامح وسمات خاصة قد أشار إليها -سبحانه- في قوله -تعالى-: (...وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ* وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهدِينَ)، لذا فإنّ الآية تشمل النصارى الذين تفيض أعينهم حال سماعهم للقرآن الكريم؛ فيخضعوا ويستسلموا للحق الذي اتّضح لهم دون استكبار وعناد فيُعلنوا إسلامهم.
أشد الناس عداوة للمؤمنين
ذكر الله -تعالى- في القرآن الكريم أنّ اليهود والمشركين هم أشد الناس عداوة للمؤمنين حيث قال الله -تعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا..)، ويعود السبب في ذلك إلى وجود صفات مشتركة بين اليهود والمشركين جعلت منهم أشد الناس عداوة وكراهية وبغضاء للمؤمنين ومن هذه الصفات: الكبر، والبغي، وقسوة القلب، والعصبية القومية، والعتو، إلّا أنّ المشركين كانوا أرق قلباً، وأكثر استقلالاً بالرأي والفكر.
خلاصة المقال: خصّ الله -تعالى- فئة معينة من النصارى وعدّها أقرب الناس مودة للمؤمنين، ومن صفات هذه الفئة الإذعان للحق والاستسلام له، والبكاء تأثراً بكلام الله -تعالى- وإيماناً به، كما عدّ الله -تعالى- اليهود والمشركين أشد الناس عداوة للمؤمنين لما بينهم من صفات مشتركة.