وصف جمال الطبيعة في القرآن
وصف جمال الطبيعة في القرآن
ذُكرت مشاهد الطبيعة في مواضع عدة في كتاب الله -تعالى- بشكل يلفت النظر لتفاصيلها العجيبة وجمالها البديع، وأُمر الإنسان أن يتفكر فيها، حتى يعرف الله -تعالى- وعظمته وقدرته، فالتفكّر في الطبيعة طريق لمعرفة الله عن طريق مشاهدة آثار صُنعه وإبداعه في الخَلْق، وبهذا تكون المعرفة عند الإنسان قد شملت جميع النواحي القلبية منها والفكرية، والقرآن الكريم إنّما يتناول المشهد الطبيعي لغايةٍ وغرض، وإذا ما تأملها الإنسان يجد أن كلها منصبّة في جانب العقيدة، فهي تكون إمّا للدلالة على الألوهية، وإما للدلالة على الوحدانية، وإما برهاناً وإثباتًا للبعث والحساب، وقد يكون للتذكير بنعم الله -تعالى- على الإنسان، وقد يكون لبيان العلاقة بين الطبيعة وخالقها -جلَّ جلالُه-؛ وهي علاقة العبودية بالألوهية، وقد يكون لبيان العلاقة بين الطبيعة والإنسان، وهي علاقة تسخيرٍ من الله له من جانب، وعلاقة أخوة في العبودية لله الخالق -سبحانه وتعالى- من جانب آخر.
خصائص المشهد القرآني في وصف جمال الطبيعة
تمتاز المشاهد الطبيعية المعروضة في آيات القرآن الكريم بما توحي به من حركة وحياة وإن كانت غير منظورة فعلًا، فقد تبدو لحواسنا بأنّها لا حركة فيها كونها من الجمادات، إلا أنّ القرآن يعرض مشاهدها بطريق الحركة الحية الفاعلة، والمشاعر المتغيرة، فهي تشعر كما يشعر الإنسان، وتُحس كما يحس، وفي معرفة ذلك تأثير كبير في وجدان النفس البشرية وتفاعلها مع الطبيعة، وهذا من التوافق والإنسجام الموجود بين كل مخلوقات الله -تعالى- المحكومة بقوانينه وسننه، والمشتركة في العبودية والخضوع له، ومن مشاهد حركة الطبيعة التي يعرضها القرآن:
- تشقق الحجارة وخروج الماء والأنهار منها، وهبوطُها خوفًا من الله -تعالى- وخشيةً له، كما في قوله -تعالى-: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَآءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}.
- سير الجبال ومرورها كما تمر الغيوم في السماء، كما في قوله -تعالى-: {وترى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}.
- تحرُّك الأرض واهتزازها وإخراجها أجمل النباتات، كما في قوله -تعالى-: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}.
مشاهد جمال الطبيعة في القرآن
إن مشاهد جمال الطبيعة في القرآن تنقسم إلى نوعين: مشاهد إجمالية تهتم بالكليات، ومشاهد تفصيلية تهتم بالجزئيات، وفيما يأتي بيان نموذج من كل نوع منها.
المشاهد الإجمالية لجمال الطبيعة في القرآن
- من نماذج المشاهد الإجمالية لوصف جمال الطبيعة في القرآن؛ ما جاء في قول الله -تعالى-: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}،، ففي تصوير القرآن الكريم لهذه المشاهد الواسعة يسرح العبد بخياله كما يسرح فيها بصره.
- ويجول تأملُّه في أنحائها البعيدة، وهي صورة كونية ضخمة تشغل مساحة مكانية واسعة، وتؤثر في حس الإنسان وشعوره أوسع التأثير، والحديث عن السماء مرتبط في الغالب بالحديث عن الأرض في القرآن الكريم، وفي هذا المشهد الإجمالي تكادُ تلغى حدود المكان، لينطلق العبد في التفكير والتأمل بهما، ويستشعر مدى ضعفه وضآلته أمام ضخامة واتساع هذا الكون الفسيح.
- وقد صّور الله -تعالى- اختلاف الليل والنّهار في هذا المشهد بما فيهما من تعاقب وانتظام، وشروق وغروب، وحرّ وبرودة، والحديث عنهما كأنه يلغي لحدود الزمان أيضًا، ليعلم العبد أن المتحكم في الزمن والقادر على تغيير قوانينه هو الله -تعالى- وحده، وصّورت الآية تلك السفن التي تعوم على وجه الماء، حاملةً على ظهورها الخير والمنافع للناس.
- ثم انتقلت الصورة من الماء إلى اليابسة لتصور هطول المطر من السحاب المُسير بواسطة الرياح، فينزل الماء على الأرض الجافة المجدبة، فتدب فيها الحياة من جديد، وتنطلق الكائنات في أرجائها ساعيةً خلف رزقها، وكأن الأرض كانت قبل ذلك ميتة، في مشهد جمالي رائع يدعو أهل العقول إلى التفكر والتأمل فيه.
المشاهد التفصيلية لجمال الطبيعة في القرآن
- ومن نماذج المشاهد التفصيلية لوصف جمال الطبيعة في القرآن؛ ما جاء في قوله -تعالى-: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ*وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ*وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.
- فقد صور القرآنُ الطبيعةَ هنا ووصف جمالها بتفصيل دقيق رائع، تظهر من خلاله حقائق علمية مذهلة، فبيَّن أن رفع السّماء متناسب مع سعة سقفها وعلّوه، وقد ساعد العلمُ في بيان أنّ ارتفاع السماوات هائلٍ جدًا قد يصل قياسه إلى آلاف السنين الضوئية وذلك كله بلا أعمدة، وفي السماء نجوم وكواكب كثيرة، منها ما يمكن رؤيته ومنها ما لا يمكن رؤيته، إلا أنّ الآيات اكتفت بذكر الشمس والقمر، وذلك لما لهما من علاقة وثيقة بحياة النس.
- كما بيَّن أن سطح الأرض ممدود مبسوط، وأن فيه دعائم تثبته من الميلان أو الانهيار، وهي الجبال، وبيَّن أن الأنهار تنشق في الأرض وتسير فيها لتكون كالشرايين النابضة بالحياة، وبيَّن بعد ذلك أن الأرض ليست نوعًا واحدًا، بل هي قطعٌ وأقسامٌ مختلفة، لكلٍ منها خصائص وصفات، وصوّر ما عليها من نباتات وأشجار تختلف ثمارها باختلاف أنواعها، فهي تُسقى جميعًا بنفس الماء، ولكن ألوانها وأشكالها وأطعمتها مختلفةٌ اختلافًا كبيرًا.