وصف الناقة في الشعر الجاهلي
وصف الناقة في الشعر الجاهلي
تُعتبر الناقة عند العربي من مكملات شخصيته وامتدادًا لوجوده، كيف لا وهي الكائن المرافق لحله وترحاله، وهي رفيقة دربه وصديقة ألمه وعذابه وفرحه، كما أنّها من أساسيات حياته، وهي مثال الصديق الذي يُلازمه ملازمة الظل، فهو يتعلق بها وهي تتعلق به تعلقًا فريدًا، فلم تغب عن أبياته الشعرية في أغلب القصائد في العصر الجاهلي أيًا كان الغرض من هذه القصيدة، وذلك على النحو الآتي:
وسيلة السفر والارتحال
تفنن الشعراء العرب في وصف الناقة، خاصةً أنّها تُمثل وسيلة الرحلة في حال سفرهم وهجرتهم، وهي سبيلهم للحاق بمن غادر الوطن وارتحل بعيدًا عنهم، فهي متعلقة بشكل أو بآخر بالمرأة والقبيلة، إذ يصف الشاعر مدى تحملها لركوب المرأة في الهودج، ويصف خروجه من قبيلته؛ للبحث عن سبب الرزق، والبحث عمن ترك الوطن وسافر فيلحق بهم بواسطتها ويقف على الأطلال فوق ظهرها، ومن الشواهد قول امرؤ القيس:
أَماوِيَّ هَل لي عِندَكُم مِن مُعَرَّسٍ
- أَمِ الصَرمَ تَختارينَ بِالوَصلِ نَيأَسِ
أَبيني لَنا أَنَّ الصَريمَةَ راحَةٌ
- مِنَ الشَكِّ ذي المَخلوجَةِ المُتَلَبِّسِ
كَأَنّي وَرَحلي فَوقَ أَحقَبَ قارِحٍ
- بِشُربَةَ أَو طافٍ بِعِرنانَ موجِسِ
تَعَشّى قَليلاً ثُمَّ أَنحى ظُلوفَهُ
- يُشيرُ التُرابَ عَن مُبيتٍ وَمُكنِسِ
يُهيلُ وَيُذري تُربَها وَيُثيرُهُ
- إِثارَةَ نَبّاثِ الهَواجِرِ مُخمِسِ
وصف صفات الناقة الحسيّة
من الصعب ذكر جميع صور اللوحة التي رسمها الشاعر الجاهلي عن ناقته في موضوع واحد؛ ذلك أنّه تفنن في الحديث عنها، فمن وصف حسيّ إلى معنوي إلى تشبيهات مختلفة بحيوانات الصحراء، حتى يصل إلى علاقته معها، فيتمثلها صديقه الذي لا يُفارقه، ولكن الصور المتشابهة من الوصف لهذا الرفيق قد تتكرر أحيانًا عند غالبية الشعراء في العصر الجاهلي على النحو الآتي:
السرعة والشدة
وصف الشاعر الجاهلي سرعة ناقته وشدتها، حيث تقع الصحراء في الصيف والشتاء، ويتفاعل الشاعر حتى مع حركتها على الأرض واصفًا حركة الحصى، والتراب على أقدامها، وقد يعكس الأمر فيصف ضعفها وهزالها؛ بسبب رحلة الصحراء، وصبرها على صعوبة الأرض، وحر الصحراء والعطش ، ومن الشواهد على ذلك قول امرئ القيس:
تُقَطِّعُ غيطاناً كَأَنَّ مُتونَها
- إِذا أَظهَرَت تُكسي مُلاءً مُنَشَّرا
بَعيدَةُ بَينَ المَنكِبَينِ كَأَنَّما
- تَرى عِندَ مَجرى الضَفرِ هِرّاً مُشَجَّرا
تُطايِرُ ظِرّانَ الحَصى بِمَناسِمٍ
- صِلابِ العُجى مَلثومُها غَيرُ أَمعَرا
كَأَنَّ الحَصى مِن خَلفِها وَأَمامِها
- إِذا نَجَلَتهُ رِجلُها خَذفُ أَعسَرا
كَأَنَّ صَليلَ المَروِ حينَ تُشِذُّهُ
- صَليلِ زُيوفٍ يُنتَقَدنَ بِعَبقَرا
وصف جسد الناقة بالتفصيل
وقف بعض الشعراء من الناقة موقفًا أكثر عمقًا، فوصفها وصفًا حسيًا، وذكر عينيها صفاءً وعمقًا ونقاءً وكهفًا عميقاً لا قرار له، كما وصف أذنيها التي تسمع خفيف الصوت في النهار والليل، ووصف عظامها، وأذنابها وسنامها وعنقها، وأضلاعها وفمها، بل ووصل باهتمامهم الحدّ أن وصفوا عرقها الذي شبهوه بالقطران أو الرب المعقد، ومن ذلك وصف طرفة بن العبد الذي جمع كل هذا بقوله:
أَمونٍ كَأَلواحِ الأَرانِ نَصَأتُها
- عَلى لاحِبٍ كَأَنَّهُ ظَهرُ بُرجُدِ
جَماليَّةٍ وَجناءَ تَردي كَأَنَّها
- سَفَنَّجَةٌ تَبري لِأَزعَرَ أَربَدِ
تُباري عِتاقاً ناجِياتٍ وَأَتبَعَت
- وَظيفاً وَظيفاً فَوقَ مَورٍ مُعَبَّدِ
تَرَبَّعَتِ القُفَّينِ في الشَولِ تَرتَعي
- حَدائِقَ مَوليِّ الأَسِرَّةِ أَغيَدِ
تَريعُ إِلى صَوتِ المُهيبِ وَتَتَّقي
- بِذي خُصَلٍ رَوعاتِ أَكلَفَ مُلبِدِ
كَأَنَّ جَناحَي مَضرَحيٍّ تَكَنَّفا
- حِفافَيهِ شُكّا في العَسيبِ بِمَسرَدِ
فَطَوراً بِهِ خَلفَ الزَميلِ وَتارَةً
- عَلى حَشَفٍ كَالشَنِّ ذاوٍ مُجَدَّدِ
لَها فَخِذانِ أُكمِلَ النَحضُ فيهِما
- كَأَنَّهُما بابا مُنيفٍ مُمَرَّدِ
وَطَيُّ مَحالٍ كَالحَنيِّ خُلوفُهُ
- وَأَجرِنَةٌ لُزَّت بِدَأيٍ مُنَضَّدِ