وجوب تعظيم القرآن الكريم
كيف نعظِّم كتاب الله؟
تعريف القرآن الكريم
يُعرّف القرآن الكريم بأنّه كلام الله المُعجز المنزل على سيّدنا محمد -صلّى الله عليه وسلّم-، بواسطة الوحي جبريل -عليه السّلام-، المنقول بالتواتر، المُتعبّد بتلاوته، المبدوء بسورة الفاتحة المختوم بسورة الناس، الذي تحدّى الله به الناس.
وختم الله به الرسالات السماوية، وجعله هداية ورحمة للعالمين، شاملاً عاماً لكل ما يُصلح لهم دُنياهم ويجعلها تامّة، فقال فيه: (إِنَّ هـذَا القُرآنَ يَهدي لِلَّتي هِيَ أَقوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤمِنينَ الَّذينَ يَعمَلونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُم أَجرًا كَبيرًا)، وقد ضمّنه الله العقائد والعبادات والأخلاق والتشريعات، مما يجعل المجتمع خيّراً صالحاً عزيزاً، ينعم بالقوّة الدينينة والاجتماعية والسياسية، فقال -تعالى-: (وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرى آمَنوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنا عَلَيهِم بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَرضِ وَلـكِن كَذَّبوا فَأَخَذناهُم بِما كانوا يَكسِبونَ ).
المحافظة على قراءته
تعدّ تلاوة القرآن الكريم أفضل ذكر على الإطلاق، وينبغي على المسلم أن يحرص على تلاوته مراعياً أحكام التجويد فيه، وقد حرص السلف الصالح على قراءة القرآن وتنظيم عادات من أجل ختمه، فمنهم من كان يختمه في شهر، ومنهم من يختمه في شهرين، وبعضهم في عشر ليال، والأكثر كان يختمه في سبع ليالٍ، وقد تعلّم الصحابة من رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مقدار مراجعتهم وحفظهم وقراءتهم للقرآن بالورد اليومي، فيلتزموه دون تخلّف أو نقصان.
الحرص على العمل بما جاء فيه
ينبغي على المسلم أن يحرص على العمل بما جاء في القرآن الكريم، قال -تعالى-: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)، ويتحقق العمل بما في القرآن من خلال القيام بما أمر الله به، واجتناب ما نهى عنه، وهو مما سيسأل الله عنه العبد يوم القيامة.
وتسمّى هذه التلاوة بتلاوة العمل، يطمئّن بها القلب وينعم بالسكينة، فيطمئن ويشعر بالرضا مما يصيبه من قدر الله، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وهو ما يعمل على زيادة الإيمان في قلب صاحبه، تحقيقاً لقول الله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ).
الطهارة عند قراءته
يُراد بالطهارة عند قراءة القرآن؛ طهارة الصلاة، وقد اتفق العلماء على أنّ مجرد قراءة القرآن دون مسّه لا تشترط فيها الطهارة، بشرط أن يكون القارئ على غير جنابة، أمّا الجنب فلا يجوز له مسّ القرآن ولا قراءته، والمحدث لا يجوز له مسّ القرآن سوا أكان حدثه أصغر أم أكبر، وعليه فقد اتفق الفقهاء الأربعة على أنّ المراد بالطهارة عند قراءة القرآن هي طهارة الصلاة وليس طهارة الإيمان فقط، فقد قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُقرِئُنا القُرآنَ ما لم يكُنْ جُنُبًا)، أمّا المحدث حدثاً أصغر فإنه يدخل في عموم قول الله -تعالى-: (لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ).
الإنصات إليه عند تلاوته
قال -تعالى-: (فَاستَمِعوا لَهُ وَأَنصِتوا)، وقد قال ابن عاشور في تفسير أنّ الاستماع هو الإصغاء، وصيغة الافتعال فيه إنّما هي من أجل المبالغة في الفعل، وهو الانصات والاستماع مع ترك الكلام، وقال سفيان الثوري أنّ الاستماع يكون في أول العلم، ثمّ يأتي بعده الإنصات.
ويتحقق الإنصات بمجرّد السكوت، دون النظر إن كان الساكت مستمعاً أم غير مستمع، كالذي يفكر في أمر آخر غير الذي يُتكلّم به أمامه، أمّا الاستماع فقد يكون مع السكوت وقد يكون بلا سكوت مع فهم ما يقول من يستمع منه، والآية القرآنية تقتضي وجوب الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن الكريم في الصلاة وخارجها، وفي جميع الأحوال، ذلك أنّ الإنصات يعين المسلم على فهم الآيات وتدبّر معانيها، والتوصل إلى حكمة الله منها وتطبيقها.
الحرص على تعلم أحكام التجويد
ورد عنرسول الله -صلّى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام مصطلحات أخرى تعبر عن تجويد القرآن الكريم؛ كالترتيل، والتحسين، والتزيين، والتحبير، والترجيع، والوارد منها في القرآن هو مصطلح الترتيل، أمّا غيره من المصطلحات فقد ورد في السنة النبوية الشريفة.
ويُعرّف التجويد بأنّه إعطاء كل حرف من حروف القرآن صفته ومستحقه، والعلم بالأحكام والقواعد التي تساعد على نطق الكلمات والحروف بالكيفية التي أنزل بها القرآن على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فمثلاً تعدّ البسملة عند قراءة القرآن سنّة وقيل أنّها واجبة عند افتتاح كل سورة من سور القرآن إلا سورة التوبة، واعتبرها الكثير من العلماء آية، وعليه فإن تركها يعدّ نقصاً في ختمة القرآن عند الأكثرين.
يجب على المسلم أن يعظم القرآن الكريم من خلال العديد من المظاهر؛ كالمحافظة على قراءته والطهارة أثناء ذلك، والحرص على العمل بما جاء فيه، والإنصات عند سماعه، والحرص على تعلم أحكام التجويد المتعلقة به.
الأدلة الشرعية الدالة على تعظيم القرآن الكريم وتوقيره
- يعدّ القرآن الكريم المعجزة الإلهية الباقية إلى يوم القيامة، التي تحدّى الله بها الإنس والجن فلم يستطع أحد منهم الإتيان بمثل، قال -تعالى-: (قُل لَئِنِ اجتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ عَلى أَن يَأتوا بِمِثلِ هـذَا القُرآنِ لا يَأتونَ بِمِثلِهِ وَلَو كانَ بَعضُهُم لِبَعضٍ ظَهيرًا).
- جعله الله كتاب هداية؛ يهدي الناس لما ينفعهم في دينهم ودنياهم، فقال -تعالى-: (إِنَّ هـذَا القُرآنَ يَهدي لِلَّتي هِيَ أَقوَمُ)، وعلاج للأفراد والمجتمعات مما يصيبهم من الآفات، فقال -تعالى-: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ).
- اشتمل على الحجج والدلائل والبراهين القاطعة، فجعله الله حجة على العباد يظهر به الحق ويزهق به الباطل، فقال: (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا).
- يعدّ خير الحديث والكلام، لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ أحْسَنَ الحَديثِ كِتَابُ اللَّهِ، وأَحْسَنَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ).
- يشفع لصاحبه يوم القيامة، فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ).
- يرفع صاحبه مع السفرة، لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (الْماهِرُ بالقُرْآنِ مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، والذي يَقْرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وهو عليه شاقٌّ، له أجْرانِ. [وفي رواية]: والذي يَقْرَأُ وهو يَشْتَدُّ عليه له أجْرانِ).
- يكون أنيساً لصاحبه يوم الحشر، فقد روي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إِنَّ القرآنَ يَلْقَى صاحبَهُ يومَ القيامةِ حينَ يَنْشَقُّ عنهُ قَبْرُهُ كَالرجلِ الشَّاحِبِ يقولُ: هل تَعْرِفُنِي؟ فيقولُ لهُ: ما أَعْرِفُكَ، فيقولُ: أنا صاحِبُكَ القرآنُ، الذي أَظْمَأْتُكَ في الهَوَاجِرِ، وأَسْهَرْتُ لَيْلكَ، وإِنَّ كلَّ تَاجِرٍ من ورَاءِ تِجَارَتِه، وإِنَّكَ اليومَ من ورَاءِ كلِّ تجارةٍ).
وردت العديد من الدلائل في القرآن الكريم والسنة النبوية الدالة على وجوب تعظيم القرآن وتوقيره، ذلك أنه كتاب هداية، ومعجزة الله الخالدة المتضمنة على الحجج والبراهين، وهو شفيع لصاحبه أنيس له، رافع له عند الله.