وإنك لعلى خلق عظيم
وإنك لعلى خلق عظيم
وصَفَ الله -تعالى- في القرآن الكريم خُلق نبيّه -عليه السّلام- بأنَّه عظيم، فقال -سبحانه وتعالى-: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، فقد اتَّصف -صلّى الله عليه وسلّم- بجميع مكارم الأخلاق ، وأخذ من كل نبيّ قبله أحسن ما اتّصف به، فأخذ توبة آدم، وشُكر نوح، ووفاء إبراهيم، ووعد إسماعيل، وحلم إسحاق، وحسن ظنّ يعقوب، واحتمال يوسف، وصبر أيوب، إلى غيرها من الصّفات.
وهذا الثّناء جاء لشخص رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على وجه الخصوص، كون هذه الأخلاق ثابتة راسخة متأصّلة فيه. والمُراد بذلك أنَّ محمداً -عليه الصلاة والسّلام- قد تأدّب بآداب الإسلام التي تمثّلت جميعها بالقرآن الكريم، وقيل إنّ الخُلق العظيم الذي كان عليه رسول الله هوالإحسان إلى النّاس، والسّعي إلى قضاء حوائجهم ، والتّعامل معهم برفقٍ ولين، ولُقياهم بطلاقة الوجه.
وقال قتادة إنّ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- كان يفعل كلّ ما أمر الله -تعالى- به ويبتعد عمّا نهاه عنه، وقيل لأنّه امتثل قول الله -تعالى-: (خُذِ العَفوَ وَأمُر بِالعُرفِ وَأَعرِض عَنِ الجاهِلينَ)، وقدّ حقّق رسول الله -صّلى الله عليه وسلّم- الغاية التي بعثه الله بها، وقال -عليه الصلاة والسّلام-: (إِنَّما بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صالِحَ الأَخْلاقِ)، وكان -عليه السّلام- يقول: (ما شيءٌ أثقلُ في ميزانِ المؤمِنِ يومَ القيامةِ مِن خُلُقٍ حسَنٍ، فإنَّ اللَّهَ تعالى ليُبغِضُ الفاحشَ البَذيءَ).
من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم
أخلاق رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كلّها عظيمة، وفيما يأتي ذكر بعضها:
- وصفه الله -تعالى- باللّين والرّفق، والخُلق الحَسن؛ حيث تخلّق بأخلاق القرآن الكريم، فعن عائشة أمّ المؤمنين -رضيَ الله عنه- قالت: (كان خُلُقُه القُرآنَ).
- كان -صلى الله عليه وسلم- يَكره الكذب، وكان ذلك أكثر خلق يكرهه.
- يتجنّب اللّعن والسّب والفاحش من القول، والدّعاء على الكافرين، فعن أنس بن مالك -رضيَ الله عنه- قال: (لَمْ يَكُنْ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَاحِشًا، ولَا لَعَّانًا، ولَا سَبَّابًا).
- يُحبّ الاسم ذا المعنى الجميل، ويُحبّ التفاؤل ويَكره التشاؤم.
- أرسله الله شاهداً ومبشّراً ونذيراً، عفوّاً يَصفح عمّن أساء إليه، إلّا إن كان في ذلك انتهاك لحُرمات الله -تعالى-.
- يُحبّ اليسير من الأمور ويختاره على العسير ما لم يكن فيه وقوع في المعصية، فعن عائشة أمُّ المؤمنين -رضيَ الله عنها- قالت: (ما خُيِّرَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بيْنَ أَمْرَيْنِ، أَحَدُهُما أَيْسَرُ مِنَ الآخَرِ، إلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، ما لَمْ يَكُنْ إثْمًا، فإنْ كانَ إثْمًا، كانَ أَبْعَدَ النَّاسِ منه).
- يَرفق بالخدم، ولا يعيب عليهم فعلهم، فعن أَنَس بن مالك -رضيَ الله عنه- قال: (وَاللَّهِ لقَدْ خَدَمْتُهُ تِسْعَ سِنِينَ، ما عَلِمْتُهُ قالَ لِشيءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ أَوْ لِشيءٍ تَرَكْتُهُ: هَلَّا فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا).
- يَقضي حاجة من جاءه سائلاً أو محتاجاً.
- يُشعِر كل واحد من صحابته أنّه الأقرب والأحبّ إليه.
- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرحم الناس بأمّته، قال -تعالى-: (لَقَد جاءَكُم رَسولٌ مِن أَنفُسِكُم عَزيزٌ عَلَيهِ ما عَنِتُّم حَريصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنينَ رَءوفٌ رَحيمٌ).
- كان رسول الله كريماً سخيّا، وقال: (لَوْ كانَ لي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا ما يَسُرُّنِي أنْ لا يَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاثٌ، وعِندِي منه شيءٌ إلَّا شيءٌ أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ).
- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشد الناس حياءً، قال أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه-: (كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أشَدَّ حَياءً مِن العَذْراءِ في خِدْرِها)،
- يبدأ بالسّلام، وإذا صافح أحدهم لا يترك يده حتى يتركها الآخر.
- يحرص على توزيع الغنائم في ذات اليوم الذي يحصل عليها.
- كان أرحم النّاس بجميع الخلق، وخاصة الصّبيان منهم.
- يُجيب دعوة من دعاه، و يتفقّد المسلمين بنفسه، ويصلح ما تلف من ثيابه، وما ذلك إلّا دليلاً على تواضعه.
- يَزهد في الدّنيا، فلا يُخبّئ للغد، وكان ينام وأهله اللّيالي العديدة دون طعام أو حتى تمر يملأ به بطنه، وكان أكثر خبزهم من الشّعير، ويأكل ما قُدّم له من الطّعام دون أن يَعيبه إن رأى فيه عيب.
- يخدم نفسه بنفسه، ويساعد أهل بيته في أعمال البيت، ويشارك أصحابه في الأعمال الموكّلة إليهم.
- يَستمع لمن يَتكلّم إليه دون أن يقاطعه، ويشارك صحابته في حديثهم ومجالسهم، وإذا دخل الغريب عليه مع صحابته لم يميّزه عنهم، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَجْلِسُ بينَ ظهرَيْ أصحابِه، فيجيءُ الغريبُ، فلا يدري أيُّهم هو، حتى يسألَ، فطلَبْنا إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أن نَجْعَلَ له مجلسًا يَعْرِفُه الغريبُ إذا أتاه).
- يلبس البسيط من الثّياب، ويَحرص على نظافة ثوبه وأسنانه، وكان يحرص على استخدام السّواك .
- يعدل في كلّ ما يقع تحت حُكمه، فلا ينظر في ذلك إلى مسلم وغير مسلم، وكان خير من طبّق كلام الله -تعالى- في قوله -سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّـهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
- يُكرم من يأتيه ضيفاً، ويقوم بخدمة ضيوفه بنفسه، وإن كان بيته لا يتّسع لمن جاءه ضيفاً؛ يقوم بتوزيع ضيوفه على صحابته الذين يَعلم أنّهم سيكرمونه.
- يَحترم الصّغار والكبار، وكلّما دخلت عليه أمّه أو أخته من الرّضاعة قام احتراماً لها، وبسط لها ثوبه لتجلس عليه.
- يّأخذ بالأسباب ثم يتوكل على الله -تعالى-، ولم تفتر همّته أو تضعف عزيمته ذات يوم، وكان -عليه السّلام- يشعّ قلبه بالإيمان الراسخ.
مكانة الأخلاق في الإسلام
عدّ الإسلام الأخلاق أهمّ بكثير من العلوم الأخرى، ذلك أنّ الشّرع بنى على الأخلاق الوعد والوعيد والجزاء والعقاب، قال -تعالى-: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ)، وقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا، وإنَّ مِن أبغضِكُم إليَّ وأبعدِكُم منِّي يومَ القيامةِ الثَّرثارونَ والمتشدِّقونَ والمتفَيهِقونَ)، كما فضّل الإسلام الجاهل المتخلّق بأخلاقِ الإسلام على العالِم الذي لم يتخلّق بهذه الأخلاق، وذلك أنَّ الجاهل ضرره على نفسه أو على فئة قليلة ممَّن حوله، أمّا العالم فيكون تأثيره على فئةٍ كبيرة من الخلق، ويجدر التنبيه على أنَّ هذا التّفضيل على وجه العموم، فبلا شك أنَّ العالم المُتخلّق بأخلاق الإسلام أفضل من الجاهل.
وقد اهتمّ الإسلام بالأخلاق كونها ضرورة لا يُمكن للمجتمعات أن ترقى وتقوم إن تخلّت عنها، قال الله -تعالى-: (وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ)، وحرص الإسلام على التحذير من مقدّمات الفتن وسوء الأخلاق وكلّ ما هو مؤدّي إليها، وبالمقابل حثَّ على التّعاون، والصّبر، و التّسامح ، والعفو، فكلُّ ذلك يساعد على إزالة البغضاء بين النّاس، ونشر المحبة بينهم، وكذلك حثَّ الإسلام على إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، حتى يؤدي ذلك إلى الاستقرار في المجتمع.
وتجلّت هذه الأهمية في الإسلام كون الغاية الأساسية والهدف الأكبر الّذي جاء به الإسلام هو إتمام مكارم الأخلاق، ولمّا سُئل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن الدّين أجاب بقوله حسن الخُلق، ممّا يعني أن حُسن الخُلق هو أساس الإسلام الذي لا يقوم إلّا به، والسبب الذي يثقل كفّة الحسنات في الميزان عند الله -تعالى- يوم القيامة والّذي يؤدي إلى تفاضل المؤمنين فيما بينهم وقربهم من النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- مكاناً ومكانةً هو الأخلاق، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ما مِن شيءٍ يوضَعُ في الميزانِ أثقلُ من حُسنِ الخلقِ)، وبالرّغم من أنَّ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- كان يُمثّل كمال حُسن الخُلق، إلّا أنّه كان يدعو الله دائماً أن يُحسّن خُلُقه، وأن يهديه لأحسن الأخلاق، فوصفه الله في القرآن الكريم فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).