هل تم عمل سحر النبي عليه الصلاة والسلام
هل سُحِر النبي
ورد في الصحيحين وغيرهم من كُتب السنة العديد من الأحاديث الصحيحة التي تدلّ على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد سُحر، كحديث النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي روته عائشة -رضي الله عنها-: (سَحَرَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَجُلٌ مِن بَنِي زُرَيْقٍ، يُقَالُ له لَبِيدُ بنُ الأعْصَمِ، حتَّى كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أنَّه كانَ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وما فَعَلَهُ)، وحديث النبي -عليه الصلاة والسلام-: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سُحِرَ، حتَّى كانَ يَرَى أنَّه يَأْتي النِّسَاءَ ولَا يَأْتِيهِنَّ، قَالَ سُفْيَانُ: وهذا أشَدُّ ما يَكونُ مِنَ السِّحْرِ، إذَا كانَ كَذَا)، وكان تأثير هذا السحر عبارةً عن مرضٍ أثّر في جسده فقط دون عقله، وشافاه الله -تعالى- منه بعد أن أمره بإخراجه، ويرى بعض العلماء أن تأثيره اقتصر على حجبه عن نسائه، وقد أثّر السّحر بالنبي -عليه الصلاة والسلام- دون أن يَضُرّه، وكان في أُموره الدُنيوية، ولم يتعلّق بأموره الدينيّة وأمور رسالته.
وأنكر بعض العلماء ذلك؛ كمحمد رشيد رضا، وأستاذه محمد عبده؛ لعلوّ مقام النبي -عليه الصلاة والسلام- ونبوّته، وممّن نفى ذلك أيضاً القاسميّ والشيخ محمد أبو زهرة، إلا أنّ ثبوت الأحاديث في صحيحيْ البخاري ومسلم دليلٌ كافٍ على صحّة تأثّر النبيّ بالسحر، وقد تلقّت الأمّة هذين الكتابين بالقبول، وجزم كبار العلماء بصحة ذلك الأمر؛ كالنووي، وابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير، وابن حجر، والمارزي، والخطابي، وغيرهم، وهذا الأمر لا يتعارض مع عصمة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، خاصّة وأنّ ذلك كان في بعض أمور الدنيا كما ذُكِر سابقاً، ولا يتعلّق بالرسالة، وهو مرضٌ قد يُصيب أيّ نبيّ وأيّ أحد، ومعلومٌ أن الأنبياء كانوا أشدّ الناس ابتلاءً.
قصة سحر النبي
سُحُر النبي -عليه الصلاة والسلام- من رَجُلٍ يهودي، فاشتكى من ذلك عدّة أيام، فجاءه جبريل -عليه السلام-، وأخبره أن يهودياً سحره وعقد له عقداً، فبعث النبيّ عليّاً؛ ليستخرجُه ويحل عقده، ففعل ذلك وحلّ العُقَد، فوجد النبيّ -عليه الصلاة والسلام- خِفّةً وقام نشيطاً، ولم يُخبر اليهودي بذلك ولم يرَه، وقصة هذا السحر أن لُبيْد بن أعصم كان من المُنافقين، فاختاره أعداء النبيّ لسَحرِه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن لبيْد كان خادمه، ويثق به النبي، فأحضر لبيْد مشط النبي -عليه الصلاة والسلام- وفيه شيئاً من شعره، ووضعه في وعاءٍ فيه لقاح النخل، وقرأ عليه تعاويذ السّحرة بمساعدةٍ من الجنّ، وذهب به إلى مكانٍ بعيدٍ، ووضعه تحت صخرةٍ تُسمّى رعوف، حيث كانت موجودة في أسفل البئر، فبدأ السِّحر يُؤثّر ويجري في جسد النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيُخيل إليه أُموراً لم يفعلها، فكان يُخيّل إليه أنّه يأتي نساءه ولم يكن يأتيهُنّ، وفي ذات يومٍ جاءه ملَكان، وجلس أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، وتساءل الأول عن حاله، فقال المَلَك الآخر: إنه مريضٌ بسبب سحرٍ وضعه له لبيد بن أعصم، وذكر الطريقة التي عُمل بها، ومكان وُجوده، ونزل جبريل -عليه السلام- بالمُعوّذتين، فشُفي النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد أن تم استخراجُ السحر من البئر.
ما هو السحر
يُعرّف السِّحر في اللُغة بأنه كُلُّ أمرٍ يُخفى السبب وراءه، ويظهر على غير حقيقته؛ بِالخِداع والتمويه، كبيان الباطل في صورة الحق، ومصدره سَحَرَ، وجمعه أَسْحَارٌ و سُحُورٌ، أما في الاصطلاح الشرعي فهو المجيء بأمرٍ مُحرّمٍ ضارٍّ وخارقٍ للعادة يُؤثر في النفوس، أو العُقول، أو الأجسام، يُجريه الله -تعالى- على يد صاحبه ابتلاءً، ويُعدّ السّحر من الكبائر بإجماع العُلماء؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لمّا ذكر السبع الموبقات؛ ذَكر من بينهنّ السحر، وإذا كان في السحر ما يؤدي إلى الكُفر فإن صاحبه قد يكفُر به، بدليل قول الله -تعالى-: (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ).