تحليل رواية عودة الروح
التحليل الموضوعي لرواية عودة الروح
تتناول هذه الرواية الموضوعات الشعبية (الجوع، والفقر، والطبقية، وتضامن الشعب المصري)، فهي تنقل روح الحياة، ويظهر الجانب السياسي فيها كعمود أساس؛ إذ تعد هذه الرواية (رواية سياسية رائدة)، فيُبيّن الحكيم الترابط ما بين الصحوة الروحية للإنسان، والصحوة السياسية للأمة، ومن هذا المنطلق أظهرَ توفيق الحكيم تحول الحكم في الحكومة المصرية، والثقافة، والطبقية، داخل المجتمع.
الرواية رواية شعب بأكمله من خلال محاكاة حياة الأسرة المصرية عندما مرّت بمحنة؛ إذ تولدت جسدًا واحدًا عادت إليه الروح، ومن هنا يظهر المفهوم الحقيقي من اسم الرواية، فالروح تعود للجسد بعد التلاحم.
التحليل الأسلوبي لرواية عودة الروح
دمج الحكيم بين الرمزية والواقعية بشكل خيالي عميق؛ إذ تميز الرمز بالوضوح وعدم المبالغة فيه، فهو بعيد عن الإغراق أو الإغلاق، وفي هذه الرواية، يعمد الحكيم لدمج تاريخ حياته بتاريخ الحضارة المصرية، وتظهر قدرة الحكيم من خلال ما يستخدمه من أسلوب يوظف فيه الأسطورة والتاريخ.
تميّز باستخدام أسلوب الحوار بما يتناسب مع الشخصية وما لها من دور ظاهر في الرواية، فهو يقدمها ضمن المستوى الفكري والاجتماعي المتفق مع السياق، مع مراعاة التفاصيل كافة التي تبقي الشخصية ضمن الإطار المطلوب في السرد، ومن ناحية أخرى عُني الحكيم بالصورة والمشهد وحيوية تجسيد الحركة، وتطرّقَ لوصف الجوانب الشعورية والانفعالية المتعلقة بالشخصيات كافة بعمق وإيحاء شديدين.
الاستعارة والصور الفنية لرواية عودة الروح
أظهر الجزء الأول من الرواية صورة التطلعات الرومانسية لمحسن وعمته القبيحة وأعمامه الاثنين في العمل والحياة، ظهر في هذا أيضًا الصورة الكوميدية لتوفيق الحكيم، لينتقل في القسم الثاني من هذه الرواية، ليتحول من الكوميديا إلى الأساطير الملحمية، فهنا الصور قد يكون فيها رمزية وخيال، ثم ينتقل في الجزء الثالث للصورة الواقعية الذي يتناول فيها مشروع النهضة وكيف عمل المثقفون على إرساء أسس هوية مصر ما بعد العهد العثماني، وفي النهاية ينهي الحكيم الرواية بصورة تعكس بدايتها، فيعيد الرومانسية من خلال إظهار الشغف بالوطن والبلد.
الحوار والسرد في رواية عودة الروح
يُعدّ الحكيم من رواد الكتابة السردية التي تحمل الوجهين العامية والفصحى ، ففي عودة الروح يظهر للقارئ صوتان لغويان؛ أولهما فصيح بسيط وهو الذي يطرح به السرد العام، وثانيهما عامي يظهر على لسان الشخصيات.
ومن الأمثلة التي توضّح طريقة السرد هذه عندما يخبرنا الحكيم عن عمة محسن زنوبة فيقول: "نشأت زنوبة في الريف جاهلة مهملة وتخدم امرأة أبيها وتربي لها الدجاج، فلما قدم شقيقها حنفي وعبده للقاهرة في طلب العلم قدمت معهما هي ومبروك ابن الخولي زميلها في كتّاب القرية الذي لم يفلح كي تدبر أمر المعاش وتدير دفّة البيت"، أما العامية فكانت لغة الحوار على ألسنة الشخصيات طوال الرواية.
المذهب الأدبي للرواية
تُصنّف رواية عودة الروح من ضمن روايات (خيال شبه سيرة ذاتية)؛ إذ تتّبع هذ الرواية نمطًا مشابهًا لنمط توفيق الحكيم، فمحسن قد يكون هو الوجهة الأخرى لتوفيق الحكيم، إذ بيّن توفيق أنه في عمر الخامسة عشر انتقل للعيش في القاهرة، ومن خلال الرواية تظهر قواسم مشتركة ما بين محسن والحكيم بصورة كبيرة.
آراء النقاد حول رواية عودة الروح
من أهم الآراء النقدية حول رواية عودة الروح ما يأتي:
- استخدام طريقة السرد التي تخلط ما بين الأسلوب العامي والفصيح كان محط أنظار النقاد؛ إذ انتقد الحكيم بأنه أسرف في استخدام العامية.
- استخدام الحكيم عبارات ذات مدلولات شخصية على غلاف الرواية، وهي: "يسعدني أن أهدي عصارة هذا العمر إلى شعوبنا العزيزة في كل مكان" مما يخرج الرواية عن شكلها الروائي، ويحولها لصورة السيرة الذاتية بشكل أكبر على الرغم من خلو الرواية من ميثاق السيرة الذاتية بشكل صريح، وإنما قدمت بشكل خيالي، وتعد هذه العبارات إشارة قوية لالتصاق النص بتوفيق الحكيم باعتباره شخص من شخوص الرواية.
- الاعتماد على الدوافع النفسية سبب في رؤية العمل على أنه خالٍ من العواطف الحماسية، وهذا النقد موجّه من قبل المثقفين والأحزاب المختلفة، لأنه عارض جميع الأحزاب حتى لا يكون قلمًا مأجورًا بالنسبة لهم.
شخصيات رواية عودة الروح
عرض توفيق الحكيم شخصيات من أسرة واحدة تدور حولهم الرواية، ويمكن تناولهم بالتفصيل كالآتي:
- محسن: وهو الشخصية الرئيسة في الرواية، التي تدور حولها الأحداث، وهو فتى في مرحلة المراهقة، انتقل إلى القاهرة لمواصلة تعليمه وهو في الخامسة عشر من عمره.
- حنفي: عم محسن معلم الرياضيات، وهو ذو تأثير لا يذكر من حيث إحداث التغيير على الأحداث، ويمكن وصفه بأنه شخصية سلبية من حيث القوة.
- عبده: عم حنفي الثاني، وهو إحدى الشخصيات القوية التي ترسم أحداث الرواية.
- سليم اليوزباشي: ابن عم أعمام محسن، وهو شخصية ثانوية باعتبار يقدم من خلالها توفيق الحكيم شكلًا من أشكال الأشخاص الموجودين في المجتمعات، فهو الشخص السلبي الفاقد لعملة بسبب سلوك السلبي.
- زنوبة: عمة محسن، وهي الشخصية التي تُعطي قدرًا من الحركة على الرواية؛ فهي المرأة التي لم تتلقَّ التعليم، وتربّي الدجاج، والتي انتقلت للقاهرة لتقيم مع أفراد الأسرة، وأهم السمات التي تعطي من خلالها الحركة للرواية ما لها من طبع حاد، ولسان سليط، وعدم إيمانها بالأطباء، ومحاولة التطور والظهور بمظهر المرأة المتحضرة.
- مبروك: وهو الخادم والخاضع لزنوبة ورغباتها على الرغم من عدم قبوله بها، وله دور قوي في الرواية من خلال تسلم مهام الإنفاق على الأسرة، وفشله فيها.
أهم الدروس المستفادة من رواية عودة الروح
من أهم العبر والدروس المستفادة من الرواية ما يأتي:
- الوحدة والتجمع حول الكلمة الواحدة سبب في الشعور بالعز والفخر.
- الصعاب تخلق العزيمة والصبر، ولولا الشعور بمرارة العيش لما رأت الشعوب النور.
- الاعتزاز بالتاريخ أصل الوجود الإنساني، فالحكيم هنا يدمج ما بين الحياة الحالية والتاريخية ليوصل ما لديه من فكرة ومعنى.
- الاعتزاز والفخر بالرموز الوطنية أمر يبعث على السعادة، وقد ظهر في الرواية عبر صورة الفلاحين بجلابيبهم وسنابل القمح.
رواية عودة الروح رواية اجتماعية سياسية ثورية ينقل فيها توفيق الحكيم القارئ إلى أعماق المعنى الحقيقي للحياة ومضمونها القيمي، من خلال أسلوب السرد الحواري الواقعي البسيط بين شخوص الرواية، المتسق مع فئات المجتمع المصري كافة بشكل خاص، وأفراد المجتمع العربي بشكل عام، ومن خلال التعمق في رمزية الرواية أو النظر لها بشكل رمزي يمكن أن تتضح الكثير من المعاني الدفينة للقارئ؛ فالحكيم من خلال الشخصيات يمرر العبر والدروس المستفادة والتي أهمها الالتحام حول الكلمة الواحدة.