نقض مذهب الشك في القرآن الكريم
نقض مذهب الشك في القرآن الكريم
يبدأ نقض الشك في القرآن الكريم من خلال تحديد مفهوم الشك المراد نقضه؛ وهو هنا بمعناه الذي قال به فلاسفة اليونان قديماً ومن تبعهم إلى يومنا هذا، فالشك هو: إنكار حصول المعرفة في الإنسان على المطلق وإنكار العلم واليقين وهو ما يسمى بالشك المطلق، وقد أثبت القرآن الكريم حصول المعرفة في مواضع عديدة، فإثباتها هي نقض للشكِّ المطلق لكونهما على طرفي نقيض.
والآيات كثيرة في رفع شأن العلم وما حثَّ به الله - تعالى- الإنسان على السير والتَفَكُّر في الكون لتحصيل أسباب المعرفة، نذكر منها ما يأتي:
- قال - تعالى-: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَـكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) .
- قال - تعالى-: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) .
- قال - تعالى-: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِم مَّا خَلَقَ اللَّـهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ) .
- قال - تعالى-: (وَقُل رَبِّ زِدني عِلمًا) .
- قال - تعالى-: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) .
- قال - تعالى-: (يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) .
التعريف بمذهب الشك
الشك في اللغة: مصدر شكَّ، يَشُكّ، شك فهو شاكّ، والشين والكاف أصلٌ واحد مشتق بعضه من بعض وهو يدل على التداخل، وهو الذي خلاف اليقين، وقيل: هو ما استوى طرفاه، وهو في الاصطلاح: التردد بين النقيضين، بلا ترجيح لأحدهما على الآخر عند الشاك.
وقيل في تعريفه أيضاً: حالة نفسية يتردد معها الذهن بين الإثبات والنفي ويتوقف عن الحكم، والشكَّاكون هم فرقة من الفلاسفة يتردّدون بين إثبات حقائق الأشياء وإنكارها، ويسمون في الفلسفة الإسلامية باللاأدرية، ومذهب الشك: هو مذهب اللاأدرية أو الشكاكون، وهم المُنْكِرون للعلم والمعرفة بأي وسيلة كانت سواء من خلال الحواس أو العقل أو الوحي.
ويُنسب هذا المذهب إلى رجل يوناني يسمى بيرون (275-365 ق. م)، ويرى أنَّ الحكمة في التوقف عند الأشياء بدون ترجيح لطبيعتها، فالشاك يُقر أنَّ الشيء يبدو له أبيض وأنَّ النار تحرق، ولكنَّه يمتنع عن الحكم بأنَّ الشيء هو أبيض على الحقيقة، وأنَّ من طبيعة النار أن تحرق.
الشك المنهجي
يُتداول مصطلح الشك المنهجي في الفكر الإسلامي، وأول روَّادِه هم المعتزلة الذين يجعلون الشك منطلق لليقين، حيث إنَّ حالات العقل عندهم يكون مبدؤها الشك ثم الريب فالظن ثم تحصيل العلم.
وفرق بين الشك بمعنى التوقف بلا ترجيح، وهو مذهب الشك الذي رفضه القرآن الكريم وحثَّ الإنسان على نقيضه وهو العلم، وبين الشك المنهجي الذي يحث الإنسان على النظر، يقول الغزالي: "من لم يشك لم ينظر"، كما ويقرر حجة الإسلام الإمام الغزالي طريقة الشك المنهجي للوصول إلى اليقين في كتابه المشهور: المنقذ من الضلال.