نظرية المحاكاة والتقليد
نظرية المحاكاة والتقليد
صدرت فكرة ولفظة المحاكاة عن فلسفة أفلاطون في كتابه المدينة الفاضلة وفي كتاب فن الشعر لأرسطو لتتحول الفكرة الفلسفية إلى نظرية، لذا لا بد من معرفة معنى المحاكاة وأهم ما ورد فيها. وأولًا ظهرت لفظة المحاكاة في الفلسفة والفكر اليوناني القديم حيث اتخذت لفظة المحاكاة حيزاً كبيراً في دراسة المفكرين والفلاسفة، يرى أفلاطون المحاكاة وكأن الشعر يقف أمام مرآة ويعكس الواقع، ومنهم من ربط لفظة المحاكاة بالنسخ والتقليد.
المعنى الاصطلاحي للمحاكاة
هي نقل وتطوير العمل الفني بشكلٍ دقيق نقلاً يتسم بالإبداع والحيوية بشكلٍ خلاق ومتميز في كل مرةٍ بعيداً عن النسخ.
المعنى اللغوي للمحاكاة
المحاكاة في اللغة العربية مصدر وفعله حكى وتعني المشابهة في القول والفعل، فنقول حكوت الحديث أي نقلته، وحاكيت فلاناً أي فعلت فعلاً يشبه فعله، كما وردت لفظة المحاكاة في المعاجم الأجنبية كرديفٍ لكلمة التقليد.
جذور نظرية المحاكاة
ظهرت ملامح المحاكاة في الأدب منذ لحظة قول أفلاطون إن الشعر هو فنٌ قائمٌ على التقليد، ليبدأ اهتمام الأدباء والدارسين بهذه الجزئية كون الأدب الذي ينقل الواقع أكثر موثوقية وصدقًا واتصالًا بالقراء.
المحاكاة عند الفلاسفة اليونان
قام مفهوم المحاكاة عند الفلاسفة اليونان على مبدأ أن كل ما في الواقع ما هو إلا تقليد لما هو موجود في عالم المُثُل، ومن أبرز فلاسفة اليونان في نظرية المحاكاة أفلاطون وأرسطو، لذا سندرج تالياً أهم ما جاءا به:
المحاكاة عند أفلاطون
برزت نظرية المحاكاة في الأدب عند أفلاطون على أنها جوهر الفن، حيث ذكر أفلاطون أن المحاكاة بعيدةً عن الأصل بثلاث درجات، وكلما ابتعدنا درجة زاد بعد الحقيقة عن الأصل شيئاً فشيئاً، كما أن آراء أفلاطون تمركزت حول سؤالين هما: ما جوهر الفن الشعري؟ وما وظيفته في الحياة الإنسانية؟
المحاكاة عند أرسطو
ورث أرسطو مصطلح المحاكاة عن أستاذه أفلاطون لكن بمعنى مختلف نتيجة اختلاف النظرة الفلسفية لكل منهما، إذ إن أرسطو ذو نزعةٍ علميةٍ تجريبية، بينما كان أفلاطون ذي نزعةٍ صوفيةٍ غائية، ونظر أرسطو للشعر على أنه محاكاة للطبيعة، وليس محاكاة لعالمٍ عقلي لذا كانت المحاكاة في الأدب عند أرسطو تُرجع الفنون كافة إلى أصل فلسفي واحد هو محاكاة الحياة الطبيعية، كما أن أرسطو أعاد الشعر إلى غريزتين إنسانيتين هما: غريزة التناغم والإيقاع والأوزان، وغريزة التقليد.
المحاكاة عند الفلاسفة العرب
استعار الفلاسفة العرب نظرية المحاكاة من اليونان لكنها وجدت بطابعٍ بعيد كل البعد عن الخرافات والأساطير والنظرة الوثنية، بل قُربت إلى العقل والمنطق حيث أصبحت المحاكاة انعاكسًا لما في الأذهان من صورٍ وأفكار كما أن انعكاس الصور في الأذهان عائدً لما شوهد بالعين، لذا بقيت هناك ثلاث درجاتٍ للمحاكاة لكن بصورةٍ منطقية بعيداً عن الطابع الوثني، ونذكر من الفلاسفة العرب المهتمين بنظرية المحاكاة ما يلي:
الفارابي
اتصلت نظرية المحاكاة عند الفارابي بكل ما يخص الإنسان من أفعال وأحداث وانفعالات وسلوكيات نفسية وجسدية، حيث وجدت المحاكاة في الأدب والشعر عند الفارابي بنوعين المباشر وغير المباشر وأوضح الفرق بينهما بطرح أمثلةٍ واقعية نتج عنها أن المحاكاة هي تصوير وليست تقليدًا.
ابن سينا
اتجه ابن سينا بنظرية المحاكاة إلى أن المحاكاة في الشعر المغنى تكون في اللحن والكلام واللفظ والوزن، واتجت آراء ابن سينا أن المحاكاة تقدم الشبيه للشيء ولا تنقل الشيء نفسه كما هو.
ابن رشد
ابتعد ابن رشد عن التخيلات واتجه نحو العقلاني في الأدب وفي الشعر خصوصاً حيث اتجه بنظرية المحاكاة إلى ما هو موجود لا ما هو ممكن أن يكون موجوداً، فقد رأى أن المحاكاة تهدف إلى العقل لا إلى التخييل.