نص إنشائي عن المعلم (لطلاب الثانوي)
المقدمة: المعلم حامل القيم إلى الأجيال
مِن أنبل المهن وأكثرهن رفعة وتشريفًا مهنة المعلم، فقد بَدا واضحًا على مرّ العصور في كلّ ثقافات الشعوب أثرُ المعلّم البارز وقيمته الفكريّة والمعنويّة، ودوره في بناء الأجيال والأمم، فالمعلّم حامِل القيم إلى الأجيال، ينقلها رسالة في كتاب سماويّ خالد، يُعلّمنا أن نُحبّ أنفسنا ونثق بقدراتنا، يُعلّمنا الانتماء للوطن والعمل من أجل بنائه.
العرض: المعلم عراب الخطى الأولى
في حياة كل شخص منّا هناك عرّاب للخطى الأولى، صورته مَحفورة في طيّات ذاكرتنا، رافقَنا في خطواتنا الأولى في طريقٍ ننهل فيه من العلم بقدر ما نحبّ منذ نعومة أظافرنا، في المراحل الأولى في الطفولة هناك المُعلّم الأب والمُعلّمة الأمّ اللّذان كرّسا حياتهما لنقلِ خبراتهما وما تعلّماه واستكشفاه إلى هؤلاء الأطفال، فتبدأ معهم مراحل الإنماء العقليّ والفكريّ وإثراء الشخصيّة.
هُنا على مقاعد الدراسة بينَ ضحكات التلاميذ وكتبهم ودفاترهم، ترى هذا المعلم يخطّ بقلمه وطبشورته أحرفًا وأرقامًا كسُلَّمٍ موسيقيّ ينحفر لحنًا في قلوب الأطفال قبل عقولهم، وترتسمُ معَ صوت أقلامه وضحكاتهم صورٌ ولوحاتٌ جميلة تبقى عالقة في صفحاتِ ذكرياتِ هؤلاء التّلاميذ.
المعلم ليس فقط مَن يعلِّم في المدرسة أو الجامعة، إنّما هو أيضًا مَن يُعلّمنا مهارة من مهارات الحياة، أو معلومة تفيدنا وتضيء لنا الطريق، فالأم معلمة والأب معلم والأنبياء معلمون، والحكماء والفقهاء العلماء من أبناء المجتمع الذين لا يدّخرون جهدًا في نقل علمهم وخبرتهم إلى من حولهم معلّمون، إذ نكبر وننقل كلماتهم وعلمهم من جيل إلى جيل كما تنتقل حبوب اللقاح من زهرة إلى زهرة فيزهر جيلٌ متعلم ومثقف يحمل في ثنايا قلبه حبًّا للعلم والمعلم، فيبرعُ في نقل علمه ونشره فيقول: "لي معلمٌ علّمني علمًا، اللهمّ ارزقه بكل حرف منه أجرًا" فإلى هؤلاء تُرفع القبّعات وتنحني الهامات احترامًا وإجلالًا وتقديرًا.
فهذا تلميذٌ أصبح طبيبًا، وآخر أصبح معماريًّا، وهناك أيضًا النجّار والبنّاء، كلهم تتلمذوا على يد ذلك المعلم، ومن هنا نُدرك أهميّة المعلم في المجتمع، فهو حجر الأساس لرفعة الإنسان والأوطان، فلا نتخيّل أن يزدهرَ بلد يكون فيه المعلّم مهمّشًا، فإذا قرأنا في التاريخ نرى بحثًا دائمًا عن مصادر العلم والتعلُّم، ففي الحضارات القديمة اتّجه الناس لاستسقاء العلم والمعرفة من الفلاسفة ورجال الدين، فالإنسان قد فُطِر على حبّ المعرفة والتعلُّم، فيدفعه فضوله لطرح الأسئلة التي تَفرض عليه البحث الذي يقود إلى المعرفة.
ذكر الله تعالى لنا كثيرًا من قصص القرآن، أخبرَنا فيها عن الأنبياء -عليهم السلام- وكيف بحثوا عن العلم، فهذا سيّدنا موسى يصاحب الخضر الحكيم ويرتحل معه مُتعجّبًا في كل مرة من علمه وحكمته، فعلى الرّغم من نبوته لا يجد الكبر إلى نفسه طريقًا، فهو المُعلّم والمتعلّم فليس أجهل ممّن ظنّ في نفسه العلم؛ لذلك ترى الحكيم مَن يحترم كلّ ذي علم مهما كان عمره ومرتبته.
في تاريخنا الإسلاميّ أولى المسلمون رعاية كبيرة للمعلم لِما نصّت عليه الكثير من الآيات والأحاديث عن أهمية العلم ونشره ورفعة المعلم في الدنيا والآخرة، فكان أوّل مكان للتعلُّم المساجد؛ حيث جعلها نبيّ الله سيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام- مكانًا للعلم والعبادة، وبعث إلى القبائل مَن يُعلّمهم أمور دينهم، فانتشر المعلّمون المتنقلون في كل مكان وعاشوا حياة ملؤها الرضا؛ حيث كان لهم قيمة معنوية وعلمية، وحازوا على احترام الناس وتقديرهم، فانتشرت الكتاتيب، وهنا كان دور المعلم فهو مصدر للكثير من العلوم المهمة؛ كعلوم اللغة العربية وعلوم الدين، ثمّ نشأت المدارس وانتشرت، وقد كان في القرن التاسع في كل مسجد تقريبًا مدارس للذكور والإناث، يقوم المُعلّم بتعليم الأطفال أسماء الله الحسنى وقصار السور والحساب.
أمّا في القرن العاشر فقد ظهر ما يُسمّى ببيت المعلم، علمًا أنّ أبناء الخاصة والخلفاء كان لهم معلّمون مُتخصّصون يقومون بتعليمهم العلوم والحساب واللغة والدين وعلم العجم، ومن الحكام من قرّبوا الخاصة واختاروهم من أهل العلم ليستقوا منهم المعرفة، ويبقوا على طريق الصواب فيستشيرونهم في الأمور عامّة، ويطلبون نصحهم ويسعون إلى خبرتهم، وفي مجالس الحكماء لا يستبعد صغار السن أو تُقلّل من أهميتهم. كما دعمت المجتمعات المتعلّمين فخصّصت للفقراء منهم صدقات، وجعل الله طريق طالب العلم مُكلّلًا بالأجر والثواب، وقد حثَّ الإسلام على طلب العلم مَهما بعد المكان وزاد عمر الإنسان، فليس هناك تقييد أو تحديد لوقت أو عمر للعلم والتعلم.
ما زال المُعلّم في العصر الحديث يحتفظ بقيمته المعنوية والفكرية، فمن منّا لا يملك مُعلمًا أثّر في حياته وكان بمثابة النّاصح الأمين له رغمَ التحدّيات التي تُواجه المُعلّمين في عصرنا الحالي، فهو دائم الحاجة إلى مُواكبة التطورات وحاجات العصر المتجددة بما فيها من تكنولوجيا واختراعات حديثة تمّ إدخالها إلى منظومة التعليم لتُسهم في تطويره.
صار المعلم يستخدم الأدوات الحديثة والتكنولوجية في عرض مادّته وتبسيطها وشرحها، ويستغلّ كلّ ما يُمكنه من أدوات وأساليب التعليم الحديثة، فيستخدم الإنترنت والوسائل المُتعدّدة، ومع الجائحة التي أربكت العالم في القرن الواحد والعشرين "جائحة كورونا" تَضاعفَ حمل المعلم فصار مُضطرًّا للتّعليم عن بعد ومُواجهة التحدّيات والصعوبات، لا سيّما في ظلّ ضعف الإمكانات ونقص الأدوات في الدول النامية، فيبذل جهده للتغلُّب على كلّ ذلك.
الخاتمة: المعلم نبراس العطاء
أثبتَ المُعلّم إخلاصه لطلبته، فمنذُ أن ارتحلَ في العصور القديمة من وطنه لِنشر العلم وَطَلبِه، إلى عصرنا الحالي عندما جابَهَ جائحةً بحجم العالم كله ظهر إخلاصه لطلبته، ورغمَ كلّ المعوقات كافحَ ليتواصل مع طلّابه، وأوجد الطرق لنقل العلم لهم ومُتابعتهم بكلّ ما أتيح له من وسائل وطرق، فها هم يستمعون إليه كلّ من موقعه ومنزله، وعلى الرّغم من ذلك وصلَ صوته لكلّ البيوت وأثّرت بصمته في القلوب، وأثبتَ إخلاصه لطلبته رغمَ كلّ المعوقات وضمنَ كلّ ما هو متاح، وأيّة رسالة أعظم من علمٍ ينتفع به فيكون رصيدًا ثمينًا وأجرًا غير منقطع، وإرثًا لا ينضب تورثه وتضيف له الأجيال المتلاحقة حتى يغدو أثره واضحًا في شتّى جوانب حياتنا.
إن كنت مهتمًّا بقراءة مقال مشابه، قد يفيدك مقال: تعبير عن المعلم .