موضوع قصير عن تلوث البيئة
المقدمة: تلوّث البيئة وجه الكوكب المشوّه
وهب الله الإنسان النعم الكثيرة ومن واجبه شكر الله على تلك النعم والحفاظ عليها، وتعتبر البيئة بما فيها من ثروات طبيعية وشجر وأحجار وماء وهواء أساس حياة الإنسان، فإن اختلت البيئة اختلت حياة الإنسان وتأثرت صحته، فهو مؤثر بها ومتأثر أيضًا، لذا فإن طريقة تعامله مع الطبيعة ستنعكس عليه حتمًا سوا كان خيرًا أم شرًّا. وقد تعرضت الأرض على مدار القرون الماضية لكثير من التلوث بسبب إهمال الإنسان لبيئته بأشكال متعددة، منها الإفراط في الاستخدام أو الهدر، أو الملوثات الصناعية.
العرض: تلوّث البيئة جريمةٌ مشتركة
إن الحفاظ على البيئة يجب أن ينبع من وازع داخلي عند الإنسان، وينمّى هذا الوازع بنشر الوعي المجتمعي والعالمي بأهمية الحفاظ على البيئة من التلوث، فكوكب الأرض الذي هيأه الله لعيش الإنسان تنتظم عناصره ومكنوناته لتناسب حاجات الإنسان والكائنات الحية، حيث يسير وفق نظام محدد ودقيق ومتّصل مع بعضه، وأي خلل في أي جزء من الكوكب سيؤثر على الإنسان بالضرورة وعلى باقي الكائنات الحية تأثيرًا مباشرًا، وقد ينتج مشكلات لا يمكن علاجها أو مواجهتها.
وتتنوع أشكال التلوث، وعلى رأس تلك الأنواع تلوث المياه وتلوث التربة وتلوث الهواء بالنفايات التي قد تكون بسبب سوء استخدام المتنزّهين والسيّاح للشواطئ والسواحل، بالإضافة إلى سوء التخطيط المدني الذي يسمح ببناء منشآت صناعية بجانب مصادر المياه، فتتحول هذه المصادر المائية مع الوقت إلى مكبّات للنفايات الصناعية الضارّة بالمياه والكائنات التي تعيش فيها، ما يسبب تلوث المياه وانقراض الكائنات والأحياء المائية أو إصابتها بأمراض غريبة تنتقل إلى الإنسان.
كما يعد التسرّب النفطي لمياه البحار أو الأنهار والمحيطات من أكبر المشاكل البيئية في العصر الحالي، إذ يتسرّب النفط من الناقلات النفطيّة إلى البحر ويسبّب أضرارًا كبيرة جدًّا، لاسيما أن المواد الصناعيّة الأخرى مثل المواد البلاستيكية وبقايا الزجاج والنايلون تشكل خطرًا كبيرًا على صحّة الكائنات التي كثيرًا ما تقع ضحيّة ابتلاع هذه المواد، وبالطبع فإن خسارة الأحياء المائية يؤثر على صحة الإنسان إضافة إلى التأثير على اقتصاد الدولة التي تعتمد في اقتصادها على بيع الأحياء البحريّة والصيد.
أما تلوث الهواء فله أسباب كثيرة أيضًا من أهمّها تصاعد الأبخرة والغازات الضارّة الناتجة عن احتراق الآلات مثل السيارات والقطارات، أو تصاعد الدخان من المصانع، وقد تحتوي تلك الأبخرة أو الأدخنة على مواد سامّة وليس فقط ثاني أكسيد الكربون، لا سيّما تلك المواد المستخدمة في الصناعات الكيميائية، والتي تساهم أيضا حرائق الغابات في تلوّث الهواء، فإساءة استخدام الإنسان للطبيعة والغابات والتنزّه غير الآمن يؤدي في كثير من الأحيان إلى حرائق ضارّة بالبيئة.
كما تعد مشكلة تلوّث التربة من أكبر المشكلات التي تتفاقم سنة بعد أخرى لا سيّما مع تلوّث الهواء والمياه الذي يؤثر أيضًا على التربة ومدى صلاحيتها للزراعة، فالمياه الملوّثة تضرّ التربة، وكذلك الهواء الذي يحتوي على أبخرة وغازات ضارّة أو سامّة، كما أنّ السّماح بتوسّع الأبنية والمصانع على حساب الأراضي الصالحة للزراعة يؤدي إلى خسارة كبيرة لتلك التربة، فيتناقص الغطاء النباتي، وبالتالي يزداد تلوّث الهواء، وتتناقص أعداد الكائنات والحيوانات التي تستفيد من وجود النباتات والغابات باعتبارها غذاءً أو مأوى.
لا يمكن إهمال سبب مهم لتلوث التربة وهو استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة الكيميائية والهرمونات لا سيما غير الخاضعة للرّقابة أو التقييم من مختصّين زراعيّين أو كيميائيّين، وبالطبع ينعكس الأثر السيئ لهذه المواد على صحة الكائنات التي تتغذى بهذه النباتات، وأهمّها الإنسان والماشية والحيوانات الأليفة النباتية، وهذا ما يفسر تزايد أعداد المصابين بمرض السرطان بأنواعه المختلفة نتيجة تلوث البيئة.
كما تعدّ الحروب في العصر الحديث من أهمّ أسباب التلوّث أيضًا، فمع التطوّر العلمي والتكنولوجي استطاع الإنسان تطوير الآلات والمعدّات الحربيّة، وكثيرًا ما استخدمت المواد المحرّمة دوليًّا في الحروب، وأهمّ مثال على ذلك هو استخدام القنبلة الذريّة في هيروشيما وناغازاكي في اليابان، الأمر الذي كان له آثار مدمّرة لم تستطع اليابان علاجها حتى الوقت الحالي، بالإضافة إلى استخدام الفسفور الأبيض، ولا يقتصر الضرر فقط على المواد المحرّمة دوليًّا، بل إن التلوّث حاصل باستخدام الآلات الحربيّة المسموح بها.
لذلك لا بد من إيجاد حلول لمشكلة التلوث بالتحكم في أسبابه، مثل تعزيز الرقابة على المصانع والسيارات، بالإضافة إلى تقليل تلوث الهواء بتطوير وسائل التخلص من النفايات ومنها الفرز وإعادة التدوير، والرقابة على المصادر المائية لاكتشاف أي ضرر محتمل باكرًا، ولا بدّ من التحكم بوسائل النقل وتطوير شبكة مواصلات تصلح للجميع للتقليل من استخدام السيارات الخاصة، بالإضافة إلى تشجيع الزراعة واستثمار الأراضي الصالحة للزراعة ومنع البناء عليها، والسيطرة على الزحف العمراني.
كذلك من المهمّ أيضًا الحد من الحروب وتعزيز ثقافة السلام في العالم، بالإضافة إلى وضع رقابة حقيقية على الأسلحة التي تقتنيها الدول أو تستخدمها في الحروب لا سيما الأسلحة الكيميائية وغيرها من تلك التي تستخدم المواد المحرمة دوليا كالفسفور الأبيض، وفرض عقوبات رادعة عليها.
وقد حث الإسلام على الزراعة والحفاظ على البيئة فجعل من أخلاقيات الحرب عدم قطع الأشجار وأوصى الرّسول محمد صلى الله عليه وسلم الجنود بذلك وشدّد على الأمر، كما شجّع على الزراعة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن قامَتِ السَّاعةُ وبِيَدِ أحدِكم فَسِيلةٌ فإنِ استطاع ألَّا تقومَ حتَّى يغرِسَها، فليفعَلْ".
الخاتمة: تلوّث البيئة كارثةٌ يجب إيقافها
وختامًا لا بد من تنامي الوعي في السنوات الأخيرة بأهمية وقف كارثة التلوث البيئي، لا سيما بعد ازدياد المشكلات الناتجة عن هذا التلوث من تغير درجة حرارة الأرض وتناقص الغطاء النباتي وانقراض بعض الكائنات، وتلوث المخزون المائي، وقد أقيمت المؤتمرات لمواجهة التلوث البيئي ومناقشته، وتشكلت جمعيات أهلية وتطوعية في مختلف أنحاء العالم، إلا أن هذا لا يعدّ كافيًا، فيجب أن يكون الحفاظ على البيئة أولوية لا مجرد أمر ثانوي، ويجب أن يظهر الوعي في ممارسة الناس لحياتهم اليومية وتغيير نمط حياتهم واستهلاكهم.