مواقف تربوية من حياة الرسول
موقف الرسول يوم فتح مكّة
اشتملت سيرة النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- على مجموعة من الأقوال والأفعال والتقريرات التي تنظّم حياة المسلمين، وإلى جانب أنها تضمّنت الكثير من الأحكام الشرعيّة فقد احتوت على سلوكيات تربويّة ومواقف مشرقة من حياة النبيّ الكريم جعلت منه القدوة لمن تبعه من المسلمين.
وعندما منّ الله -سبحانه وتعالى- على النبيّ محمّد -صلى الله عليه وسلّم- وعلى المسلمين ب فتح مكّة ، حرص على أن يكون دخوله إلى مكّة سلميًّا علّه بذلك يؤلف قلوب الناس ويهديهم إلى الإسلام.
ويضرب للمسلمين أروع الأمثلة على شخصيّة القائد المثالي، فعلى الرغم من علم المشركين باستحالة المقاومة؛ لأن المسلمين دخلوا مكّة من كلّ جانب، إلا أنه أخبرهم بأن من يدخل داره آمن، وكذا من يدخل دار أبي سفيان.
وفي ذلك الفتح حدث موقف عظيم يدلّ على عفو النبي -صلى الله عليه وسلّم- وحلمه، فقد ورد في حديث ضعيف أن النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، بعد أن قضى على براثن الوثنيّة في مكّة المكرّمة، قال: (معشر قريشٍ، ما ترون أني فاعلٌ بكم؟)، قالوا: خيرًا، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ!.
حينها قال -صلى الله عليه وسلم-: (فإني أقولُ لكم ما قال يوسفُ لإخوتِه: لا تثريبَ عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاءُ) . فكان -صلى الله عليه وسلّم- بصفحه عنهم وعفوه مثالًا يحتذى به.
موقف الرسول من حادثة الإفك
خاض من خاض في حادثة الإفك إثر لحاق السيّدة عائشة -رضي الله عنها- بالجيش، وصفوان بن معطّل يقود الراحلة التي تركبها، بعد أن كان القوم قد غادروا المكان حاملين هودجها، دون أن يعلموا أنّها ليست فيه، وأنّها كانت تبحث عن عقد لها.
ومكثت شهرًا وهي تشتكي المرض، ولا تعلم ممّا يُقال في شأنها شيئًا، ولا تلحظ شيئًا من رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- سوى أنه لم يكن باللطف الذي اعتادت عليه منه، عند مرضها.
وعلى الرغم من المحنة التي واجهها رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- بعد أن تمّ إيذاؤه بالحديث عن أهل بيته، إلّا أنه لم يكلّم السيّدة عائشة في شيء، وأخذ بطبيعته البشريّة يستشير أصحابه في الأمر.
ثمّ جاءها بعد أن علمت بما يُقال وهي بين أبويها، وقال: (أَمَّا بَعْدُ يا عَائِشَةُ، فإنَّه قدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فإنْ كُنْتِ بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ وإنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إلَيْهِ).
وبقي النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- بعد ذلك في مجلسه حتى نزل عليه الوحي، فكان أول ما قاله لأم المؤمنين، وهو يضحك: (أَبْشِرِي يا عَائِشَةُ أَمَّا اللَّهُ فقَدْ بَرَّأَكِ) ، فظهرت بذلك شخصية النبيّ البشريّة الفريدة صافية، عن كل ما قد يلتبس فيها.
موقف الرسول من الضيف والهديّة
كان الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- يقبل الهديّة ويثيب عليها، ويدلّ ذلك على كرم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وأخلاقه العالية، ومن القصص التي صحّت عن النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- أن امرأة قدمت إلى رسول الله -عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم- ومعها بردة؛ وأخبرته أنها قد نسجتها له ليلبسها، فقبلها النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- منها وأخذها وهو محتاج لها.
وعندما خرج النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إلى أصحابه وهو يرتديها، أعجب بها أحدهم واستحسنها، وطلب من النبيّ أن يلبسها، فأعطاه إياها -صلى الله عليه وسلّم-، فلامه الصحابة الكرام على ذلك؛ لأنه يعلم أن النبيّ لا يردّ أحدًا سأله، فطلب البردة منه مع علمه بأنه محتاج إليها، فردّ عليهم: أنه سأل النبيّ البردة لتكون كفنه، فكانت كذلك.
موقف عن وفاء الرسول للسيّدة خديجة
كان الرسول -صلى الله عليه وسلّم- يحب السيّدة خديجة، ويدافع عنها حتى بعد أن توفاها الله -تعالى-، وقد صحّ عنه أنه لمّا استأذنت عليه -صلّى الله عليه وسلّم- هالة بنت خويلد مرّة؛ وهي أخت السيّدة خديجة -رضي الله عنها-؛ عرفها لتشابه صوتهما، فقال: (اللهمّ هالة)، وهو مرتاح لذلك.
وعندما سمعت ذلك أمّ المؤمنين السيّدة عائشة غارت منها، وقالت له: (ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين، هلكت في الدهر، قد أبدلك الله خيراً منها)، فقد كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- زوجًا وفيًا، لم ينسَ فضل السيدة خديجة ، التي صدقته وآمنت به وواسته وأعانته، حتى بعد موتها وتزوّجه بغيرها.
موقف النبيّ في تعليم الأعرابي
كان النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- حريصاً على تعليم المسلمين باللين والحسنى ، لا سيّما من كان منهم حديث العهد بالإسلام، ومن المواقف التي صحّت من حياة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-؛ أنه بينما كان مع أصحابه في المسجد، إذا بأعرابيّ جاء على بعير أناخه، ثمّ اتجه إلى ناحية من نواحي المسجد وبال فيه.
وثار الصحابة الكرام لمّا رأوا الأعرابيّ وهو يبول في المسجد، فحاولوا أن ينهروه ويثنوه عن فعله، إلا أنّ النبيّ -عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم- نهاهم عن ذلك، وبعد أن أنهى الأعرابي بوله دعاه النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- ليأتي إليه.
ثم أرشده باللين قائلًا: (إنَّ هذِه المَساجِدَ لا تَصْلُحُ لِشيءٍ مِن هذا البَوْلِ، ولا القَذَرِ إنَّما هي لِذِكْرِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-، والصَّلاةِ وقِراءَةِ القُرْآنِ) ، ثمّ أمر أحد الصحابة فنضح البول بدلو من الماء ليزيل النجاسة.