مواصفات اللباس الشرعي للمرأة المسلمة
مواصفات اللّباس الشرعي للمرأة المسلمة أمام الرجال الأجانب
فرض الله -تعالى- اللباس السّاتر على المرأة المسلمة ، ووضع له شروطاً مُعيّنة يجب أن تتوفّرَ فيه، لكن لم يُفرض لباساً مُخَصّصاً ومحدّداً على الجميع، فإنّ النّاس منذ زمن الجاهلية إلى يومنا هذا كلٌّ منهم له لباس وهيئة تُميّزهم عن غيرهم من الشّعوب، ويلبسون وفقاً لعاداتهم وتقاليدهم، ومن المعلوم أنّ الإسلام يُقرّ العُرف، فهو لمّا جاء لم ينكر على أهل الجاهليّة لباسهم، بل أضاف له شروطاً تجعله مقبولاً، فقضايا اللّباس ليست من الأمور التّعبّديّة التوقيفية، بل المهم أن يتحقّق فيها مقصد الشّريعة الإسلامية من اللباس؛ وهو السّتر، وهذه الشروط هي:
- أن يكونَ ساتراً لبدنها كلّه باستثناء الوجه والكفّين، وأن يكونَ ساتراً لعورتها التي نُهيت عن إظهارها أمام الرّجال الأجانب، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)، وعليه يجب على المرأة المسلمة ستر زينتها كلّها وعدم إظهارها باستثناء ما يبدو منها من غيرِ قصدٍ منها، لقول الله -تعالى-: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)، فالمراد من قول الله "ما ظهر منها" أي أنّها غير مؤاخذة بزينة ثيابها الظّاهرة، أو ما يبدو منها من سوارٍ أو خاتم، وذهب بعضهم أنّ المراد هو الوجه والكفّين، فقد تعدّدت آراء الفقهاء في حكمه، إذ يرى بعضهم أنّ ستر الوجه والكفّين حكمه واجب، بينما ذهبت جماعة أخرى من الفقهاء إلى أنّ ستر الوجه والكفّين من الأمور المستحبّة لا الواجبة.
- أن لا يكونَ رقيقاً فيشفّ ما تحته، بحيث يستر عورة المرأة، ولا يُظهر لون جلدها، فالعبرة من اللباس أن يستر جسد المرأة، وإذا كان خفيفاً يُظهر جسم المرأة فلا يتحقّق الستر منه، لذلك وصف رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- النّساء اللّواتي يلبسن مثل هذه الثّياب بالكاسيات العاريات، أي أنّهنّ وإن كنّ يلبسن ثياباً فإنّهن في الحقيقة كالعاريات اللّواتي لم يلبسن، فهذه الفئة توعّدهنّ بأن لا يدخلن الجنّة ولا يجدنَ ريحها؛ لعظم ذنبهن.
- أن يكون واسعاً وفضفاضاً، بحيث لا يصف معالم جسد المرأة، فالملابس الضّيّقة تُبرز مفاتن الجسم، وتُحدّد شكل الجسد وحجمه، وهذا مدعاةٌ للفتنة وتحريك شهوة من يراها من الرّجال، فقد رُوي عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- أنّه قال: (كَساني رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قبطيَّةً كَثيفةً ممَّا أَهْداها لهُ دِحيةُ الكلبيُّ، فَكَسوتُها امرأتي، فقالَ: ما لَكَ لم تَلبسِ القبطيَّةَ، قلتُ: كسوتُها امرَأَتي. فقالَ: مُرها فلتَجعَل تحتَها غلالةً، فإنِّي أخافُ أن تَصفَ حَجم عظامَها)، أي أنّ النبيّ أمره بوضع بِطانة كثيفة للثّوب، كي لا يصف جسمها.
- أن لا يكون اللّباس الشّرعيّ مُشابهاً للباس الرّجال، لأنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لعن الرّجال المتشبّهين بالنّساء، والنساء المُتشبّهات بالرّجال؛ لأنّها في تشبّهها بالرّجل تكون قد خرجت عن فطرتها التي خلقها الله عليها، إلّا إن كانت عادة أهل بلد أو إقليم معين أن تكون ملابس نسائهم مشابهة لملابس الرّجال، شريطة أن يكون ساتراً.
- أن لا يحتوي على رموزٍ خاصّة بغير ملّة المسلمين.
- أن لا يكون لباسَ شُهرةٍ، وهو ما تلبسُه المرأة تكبّراً واختيالاً من أجلِ أن تشتهرَ بين النّاس.
- أن لا يكون مُعطّراً؛ لأنّ رائحة الطّيب تلفتُ الرّجال إليها وتُسبّب الفتنة، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (أيما امرأةٍ استعطرتْ فمرّتْ على قومٍ ليجدوا من ريحِها فهي زانيةٌ).
مواصفات اللّباس الشرعي للمرأة المسلمة أمام النساء
لباس المسلمة أمام المسلمات من النساء
إنّ عورة المرأة أمام المرأة المسلمة تكون ما بين السرّة والرّكبة، قياساً على عورة الرّجل أمام الرّجل، إذ يجوز للمرأة أن تلبس أمام النّساء ما تراه مناسباً، شريطةَ أن تُغطّي منطقة العورة، وذلك لأنّ النّساء متشابهات، ويؤمن انعدام الشّهوة بينهنّ في الغالب، أمّا إذا حصل بلباسها أمام النّساء فتنة وتحريكٌ لشهواتهنّ، فهذا يدخل في دائرة الحرمة.
كما يُحبّذ أن لا تكشفَ المرأة مفاتن جسمها أمام النّساء اللّواتي قد يصفن محاسن الجسم للرّجال؛ لأنّه باب للفتنة أيضاً، أمّا منطقة العورة التي ما بين السرّة والرّكبة فمحرّم على المرأة أن تكشفها أمام مثيلاتها من النّساء المسلمات، إلّا لحاجة مُعيّنة؛ كانكاشفها أمام طبيبيةٍ أو ما شابه، فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لبعض الصّحابة: (احفظ عورتَك إلا من زوجتِك أو ما ملكتْ يمينُك)، فالمقصود أنّ الرّجل والمرأة كلاهما لا يجوز لهما كشف العورة إلا أمام أزواجهم.
لباس المسلمة أمام غير المسلمات من النساء
ذهب الحنفيّة والمالكية والمشهور عند الشافعية إلى أنّ المرأة غير المسلمة تعدّ كالرّجل الأجنبيّ، فيجب على المسلمة ستر جسدها أمامها، وعدم انكاشفها عليها إلا للضّرورة، فلا يجوز أن يظهر منها إلّا الوجه والكفّين أمامها؛ وذلك لقول الله -تعالى-: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ)، فمنع الله -تعالى- المرأة من إبداء زينتها إلّا أمام محارمها والنّساء المسلمات، لقوله: "أو نسائهنّ"، كما أنّه رُوي أنّ عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- منع نساء أهل الكتاب من الدّخول إلى حمّام النّساء المسلمات، ممّا يدلّ على تحريم الصّحابة انكشاف المرأة المسلمة على غير المسلمة.
بينما يرى بعض الفقهاء أنّ غير المسلمة كالمسلمة في ذلك، فكلاهما من نفس الجنس، فلو بدا من المسلمة أمامها شيءٌ من جسدها فلا بأس بذلك، وعليه فتكون عورتها أمام غير المسلمة ما بين السرّة والركبة، وهو قول الحنابلة، وفي رواية عن الشافعية أنّ بدن المرأة أمام غير المسلمة عورة عدا ما يظهر منها في الشغل والمهنة في بيتها.
الحكمة من اللباس الشرعي للمرأة المسلمة
لا بُدّ أنّ شَرْع الله اللّباس السّاتر للمرأة المسلمة كان لمعانٍ وحكمٍ جليلةٍ، ومنها ما يأتي:
- الالتزام بأوامر الله والامتثال لأحكامه التي فرضها على المرأة، فإنّ الله -تعالى- لما أمر المرأة بالسّتر لم يكن ليُضيّق عليها ويُقيّدَ حُرّيتَها، بل أراد الخير لها، فأحكام الستر كلّها تصبّ في مصلحتها، فتحفظها وتحفظ المجتمع كلّه من الانحلال وفساد الأخلاق.
- تحقيق مصلحة العباد من اللّباس، وتجنّب الفتنة، والأمر بالحجاب لم يأتِ في شريعة الإسلام فقط، بل اشتملت عليه الشرائع السّابقة، حتّى أنّ بعض الأديان الوثنية تحثّ على التّستر؛ لأنه يحقّق مصالح النّاس جميعهم.
- تكريم الإنسان وتمييزه عن باقي المخلوقات، فقد كرّم الله -تعالى- الإنسان وأمره بالستر الذّي يُجمّله، قال الله -تعالى-: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)، فقرن اللّباس بالتقوى، إذ اللباس لا يستر البدن فقط، بل يستر عورات القلب، فالمسلم التّقي يتميّز بحُسن الخلق والحياء الذّي يمنعه من العُري والفسوق.
- وقايةٌ للرّجل والمرأة من وساوس الشّيطان ، فإنّ المرأة عندما تلتزم بالحجاب الشرعيّ تُغلق أبواب الشّيطان، وتحفظ نفسها وتحفظ الرّجل من الوقوع في المعاصي والمنكرات.
- حفظ كرامة المرأة، فالمرأة المُحتشمة لها مكانتها الخاصّة بين النّاس أينما ذهبت. بالإضافة إلى رفع مكانة المرأة المسلمة، وتمييزها عن غيرها من النّساء، فقد فرض الله -تعالى- الحجاب على المرأة لتتميّز بالاحتشام وبالسّتر.