من هو أمين هذه الأمة
الصحابة رضي الله عنهم
يُمكن القول إنّ الصحابيّ هو من قابل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وآمن به وبقي على ذلك حتى مات، وللصّحابة -رضي الله عنهم- عدّة فضائل؛ حيث إنّهم أطهر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً، وأكثرهم اتّباعاً وحبّاً للرّسول صلّى الله عليه وسلّم، فالله -تعالى- نظر إلى قلوب البشر فوجد قلب محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- خير القلوب فاختاره لرسالته، ثمّ نظر إلى قلوب البشر فوجد قلوب أصحابه خير القلوب فاختارهم لصحبته، فهم أفضل البشر بعد الأنبياء والرّسل عليهم السلام، واصطفاهم من بين عباده الصالحين، حيث قال: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ)، وقال ابن عباس -رضي الله عنه- مفسّراً الآية السابقة: (هم أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم)، وقال أيضاً الله تعالى: (وَالسّابِقونَ الأَوَّلونَ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ وَالَّذينَ اتَّبَعوهُم بِإِحسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنّاتٍ تَجري تَحتَهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها أَبَدًا ذلِكَ الفَوزُ العَظيمُ)، فالصحابة منهم المهاجرين ومنهم الأنصار؛ ويُمكن القول بأنّ المهاجرين هم الذين أسلموا قبل فتح مكّة وهاجروا إلى المدينة المنورة، تاركين أهلهم وأموالهم وأرضهم لنصرة الإسلام والدعوة إليه، أمّا الأنصار فهم سكّان المدينة المنورة الذين استقبلوا الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه ونصروهم وأكرموهم، وجاهدوا في سبيل الله حقّ الجهاد، ومن أبرز أعلام الصحابة المهاجرين -رضي الله عنهم- وأحد العشرة المبشرين بالجنّة ، وأمين الأمة؛ أبو عبيدة عامر بن الجرّاح رضي الله عنه.
أمين الأمة
هو عامر بن عبد الله بن الجرّاح بن هلال بن وهيب بن ضبة بن الحارث بن فِهْر بن مالك بن النضر بن كنانة، يكنّى بأبي عبيدة، وأمّه هي: أميمة بنت غنم بن جابر بن عبد العُزّى بن عامرة بن عميرة بن وديعة، كان أبو عبيدة طويل القامة، نحيف الجسم، معروق الوجه، خفيف اللحية، أثرم، ومن الجدير بالذكر أنّه أسلم على يد أبي بكر الصّديق في بداية الدعوة المكيّة ، وبشّره الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- بالجنّة ؛ حيث قال: (أبو بكرٍ في الجنةِ، وعمرُ في الجنةِ، وعليٌّ في الجنةِ، وعثمانُ في الجنةِ، وطلحةُ في الجنةِ، والزبيرُ في الجنةِ، وعبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ في الجنةِ، وسعدُ بنُ أبي وقاصٍ في الجنةِ، وسعيدُ بنُ زيدِ بنُ عمرو بنُ نُفَيْلٍ في الجنةِ، وأبو عبيدةَ بنُ الجراحِ في الجنةِ)، كما لقّبه رسول الله بأمين الأمة، وذلك لمّا جاء أهلُ نجرانَ إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قائلين له: (ابعث لنا رجلاً أميناً، فقال: لأبعثنَّ إليكم رجلاً أميناً حَقَّ أمينٍ، فاستشرَفَ لهُ الناسُ فبعثَ أبا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ)، وقال أيضاً الرسول: (إنَّ لكلِّ أمَّةٍ أميناً، وإنَّ أميننَا، أيَّتُها الأمَّةُ، أبو عبيدةَ بنُ الجرَّاحِ).
مواقف أبي عبيدة رضي الله عنه
كان أبو عبيدة مثالاً يُقتدى به بالإيمان والثبات وحُسن الخلق والتواضع ، وفيما يأتي بعض المواقف التي تبيّن ذلك:
- غزوة بدر: سطّر أبو عبيدة في معركة بدر موقفاً من مواقفه العظيمة التي تدلّ على عُمق إيمانه وقوّة عقيدته، وأنّ الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما، فممّا ذُكرأنّ أباه الجراح بن هلال كان مُحارباً لله ورسوله، وقد خرج لقتال المسلمين في معركة بدر ، فلمّا تصدّى لقتال أبي عبيدة -رضي الله عنه- قاتله أبو عبيدة وجالده حتى قتله، فكان ذلك سبب نزول قول الله تعالى: (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَـئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
- غزوة أُحد: كان أبو عبيدة في غزوة أُحد على موعد جديد وموقف من مواقف الثبات والشجاعة، فعندما دارت المعركة على المسلمين وولّى من ولّى وانهزم من انهزم، حتى إنّ رسول الله رُمي في وجهه ودخلت حلقتا المغفر في وجنتيه الشريفتين، ثبت قلّة من الناس حول رسول الله وكان منهم أبي عبيدة، فقال أبو بكر رضي الله عنه: (أسرعت نحو رسول الله، وإذ برجل يركض نحو رسول الله كالبرق وإذ بأبي عبيدة، فلمّا وصلنا إلى رسول الله هممت بأن أنزع حلقات المغفر من وجنتيه، فقال لي أبو عبيدة: أسألك بالله يا أبا بكر ألا تركتني فأنزعها أنا، فتركته، فأمسك بالحلقة بأسنانه فنزعها، ثمّ سقط على ظهره وفقد ثنيته، ثمّ عاد فأمسك الحلة الأخرى وسحبها من وجنتي رسول الله فانتزعها وفقد الثنية الأخرى)، فأصبح أبو عبيدة أثرم.
- غزوة ذات السلاسل: كان أميرها عمرو بن العاص رضي الله عنه، حيث واجه المسلمون عدواً هائل العدد والعدّة، فأرسل عمر بن العاص إلى رسول االله يطلب منه المدد، فأرسل إليه جيشاً فيه أبو بكر وعمر وأميره أبو عبيدة رضي الله عنهم، فلمّا وصلوا قال لهم عمرو: (أنا أميركم)، فقالوا: (إنّما أنت أمير أصحابك، وأميرنا أبوعبيدة)، فقال لهم عمرو رضي الله عنه : (إنّما أنتم مدد لي)، فلمّا رأى أبو عبيدة ذلك، قال: (تعلم يا عمرو أنّ رسول الله قال لي: إن قدمت على صاحبك فتطاوعا، وإنّك إن عصيتني أطعتك)، فضرب أبو عبيدة بهذا الموقف مثالاً رائعاً بحُسن الخلق والتواضع.
وفاة أبي عبيدة رضي الله عنه
توفّي أبا عبيدة -رضي الله عنه- في السنة الثامنة عشر للهجرة ، حيث بلغ من العمر ثمانٍ وخمسين سنة، بعد أن أصيب بطاعون عمواس، وصلّى عليه معاذ بن جبل -رضي الله عنه- ثمّ دُفن.