نص إنشائي عن الإنترنت والاتصال (لطلاب الإعدادي)
المقدمة: الإنترنت امتزاج الحضارات
الإنترنت هو الشبكة التي استطاعت أن تغيّر العالم بشكل كبير، إنّ الأرض قبل ظهور الإنترنت ليست هي نفسها بعده ولا يُمكن أن ينكر ذلك سوى جاهل لم يفقه ما آلت إليه الحداثة وما صار إليه العالم، لقد استطاعت هذه الشبكة أن تغزو البيوت البشرية كافة سواء أرادوا ذلك أم أبوا بغضّ النظر عن أسباب استخدامها وكيفية ذلك، حتّى إنّ المناهج الدّراسية في كثير من البلدان العالمية دمجت في طياتها استعمال الإنترنت وحثّت على استخدامه بل بات بعض المعلمين يطلبون من التلاميذ أبحاثًا يستقونها من الإنترنت، إذًا هو المستعمر الذي استطاع احتلال البيوت كافة دون أن يوجه بندقية أو أن يرفع سيفًا في وجه أحد.
العرض: الإنترنت قاربي إلى المعرفة
لماذا يحذر النّاس دائمًا من الإنترنت ويلوّحون برايات الخطر فور ذكره رغم أنّ كثرًا منهم تقوم أعمالهم على استخدامه؟ لا يخفى على أحد أن الإنترنت استطاع أن يحل كثيرًا من المشكلات وأن يدمج الحضارات ببعضها، فلم تعد دولة مختصة بشيء دون آخر إلا بشكل قليل جدًّا، إذ لو كانت الثقافات محصورة في بقعة مكانية لمّا استطاع الإنترنت أن يكسر المساحات المكانية ليدمج النّاس ويكون الإنترنت سببًا لتقارب الحضارات معًا، وبغيابه عن بعض البلدان النّامية فإنّ ذلك شكّل هوة بين البلدان المتقدمة وغيرها المتأخرة إذ استطاع المتقدمون أن يصغروا العالم عبر تلك الشبكة، والمتأخرون ما زالوا يحاولون عقد شعيرتين.
في قديم الزمان كان لا بدّ لمن يريد معرفة شيء ما عن طقوس بلد معيّن أن ينتقي كتبًا تتحدث في ذلك ولو حالفه الحظ في كاتب جيدٍ فإنّه سيجد مبتغاه، أمّا لو كان غير ذلك فإنّه سيبقى أسير الضياع والبحث بين المجلات والكتب المختلفة وهو كمن يلهث وراء سراب في صحراء شاسعة، ليس المقصود من ذلك أنّ الحياة قبل الإنترنت كانت ظلامًا دامسًا وجهلًا مطبقًا، بل إنّ الوصول إلى حضارات الآخرين ومعرفة طقوس حياتهم لم يكن بالأمر السهل بتاتًا، إذًا لقد استطاع الإنترنت أن يمزج الحضارات في بوتقة واحدة.
إنّ تبادل الخبرات بين الشعوب المختلفة في لحظة واحدة وسرعة فائقة شيء يعد من المعجزة بمكان، ولا يغفل أي إنسان عن أهمية ذلك على وجه الحقيقة إذ لا يكون البشري إلا نتاجًا للحضارات التي يستقيها في شبابه، فلو استطاع أن يخرج من حيّزه الضيق ويشرب من معين الحضارات الثانية ما صلُح منها لتشكّل إنسانًا سويًا يُدرك ما يريد ويعرف مبتغاه، الإنترنت هو أشبه بخيوط العنكبوت الضيقة الرقيقة التي تستطيع أن تصل بين مساحات شاسعة دون عناء ولا تعب، إنّه أبجدية الحضارة في العصر الحديث والشيء الذي لا بدّ منه في كل بيت، لكن إذا أحسن استخدامه فلا يكون الإنسان معه ضحية ولا جانيًا.
إنّ المعرفة هي اللفظة التي يسعى الإنسان خلفها منذ لحظات حياته الأولى وحتى يوارى به التراب وتستقر عظامه في المكان الأخير، فلمّا يولد الإنسان يبحث عن المعرفة بين جدران غرفته ويحاول أن يرصد كلّ ما يراه حتى يزيد ذلك من رصيد معرفته وتكون خبرته في اليوم التّالي أكثر منها في الوقت الآنيّ، وهذا صلب ما استطاع الإنترنت تحقيقه من زيادة معارف الإنسان فبات يبحث عن كل ما يريد من أبسط الطرائق وأسهلها فلا يكلفه ذلك أكثر من ضغطة على زر واحد ليجد ما يريده دون عناء أو تعب.
فلو أراد الإنسان أن يبحث عن مثلث برمودا والقصص التي نسجت حوله، منها ما كان خياليًا ومنها ما كان غير ذلك فإنّه لن يجد أفضل من الإنترنت مجيبًا عن كل التساؤلات التي تدور في مخيلته، بل وأكثر من ذلك فإنّه يُبين له صدق بعض الروايات وكذب غيرها أي إنّ المعلومات التي تكون بين طياته ليست كلها صادقة لذلك فلا بدّ من البحث عن المعلومة الصحيحة في المصادر الموثوقة فليس كل ما يدوّن يكون جديرًا بالقراءة والتصديق، وعلى أية حال فإنّ الروايات لو لم تكن موثوقة كلها لكنّها تزيد من خبرة الإنسان ومعرفته وتجعل من عقله ناقدًا للمعلومات التي تقع بين يديه كافة .
المعرفة هي ما جعل من دول متقدمة ومن أخرى نامية من بلاد تعج بالعلم والحضارات والثقافة وأخرى ما تزال تبحث عن رغيف يسد رمقها والسبيل الوحيد إلى المعرفة التعليم عن طريق الإنترنت، ولو أراد إنسان ما على وجه هذه الأرض أن يعرف معلومة عن حرب مضى عليها ألف عام لاستطاع ذلك عن طريق ضغط زر وهو يجلس في بيته مرتاحًا على أريكته لا يعاني من السفر من أجل التزود بالعلوم المختلفة.
ولو قارن الإنسان طريقة الحصول على المعلومات بين الماضي والحاضر لعلم المقصود على وجه الدقة، إذ كان الرجل يسافر سفرًا طويلًا من أجل الحصول على بضع من المعلومات عن شيخ سمع به، وقد يكلفه ذلك السفر كثيرًا من المشقة والمال والتعرض للمخاطر وقطاع الطرق، لكنّ ذلك لم يكن يهم الباحث سوى الحقيقة، فهل أدركت الآن حجم فائدة الإنترنت على الصعيد العلمي؟
المعرفة هي مثل خيوط القمر التي تسحب النّاس في الليالي الظلماء فيتكوّرون حول بعضهم يتبادلون بضعًا من الهمسات في الليالي الصيفية الهادئة، ولا يستطيع التعلق بتلك الخيوط إلا مَن نظر إلى مصدر تلك المعرفة أو مصدر تلك الخيوط وهو الإنترنت وجه العالم الحقيقي، حقًا إنّه قارب كل إنسان من أجل الوصول إلى شواطئ المعارف والمعلومات والأمان، فلا بدّ لكل راكب من أن يتمسك بقاربه جيدًا وأن يفطن دائمًا أن ذلك القارب هو خيط النجاة الوحيد من بحر الظلمات الذي يحاول أن يتخطاه ويبتعد عنه.
لقد كان وجود الإنترنت بمثابة نقلة نوعية للبشر كافة على وجه هذه الأرض فمن خلاله تطورت الاكتشافات والاختراعات فقد بات التواصل مع العلماء ومتابعة اختراعاتهم واكتشافاتهم شيئًا سهلًا يسيرًا لا يُنظر إليه بتلك الصعوبة التي كانت من قبل، حيث لم يكن العلماء سوى صورًا متحركة يراقبها النّاس عبر التلفاز دون أن يتمكنون من التحاور معهم أو التواصل والتفاعل فيما بينهم، أمّا الآن فقد اختلفت هذه الأمور كثيرًا إذ بات النّاس يتمكنون من التواصل مع الشخصيات البارزة عبر دردشات الإنترنت أو المنشورات وغيرها.
صحيح أنّ للإنترنت إيجابيات كثيرة جدًا إذ هو استطاع أن يضيق العالم حتى صار قرية صغيرة ولكن مع ذلك لا يُمكن لأي عاقل أن يتجاهل أخطاره، ولا بد للمستخدم أن يتجنب مخاطر إدمان الإنترنت لا سيما فئة الشباب الذين يستخدمون طرق البحث على الإنترنت الذي يمثل لهم ما يشبه المحيط يسعون إلى اكتشافه في كل لحظة، لكن هل يُمكن أن يكون الإنسان ضحية للإنترنت بدلًا من أن يكون مستفيدًا منه؟ وهل يمكن أن يكون الإنترنت هو المتحكم بالإنسان وليس عكس ذلك؟ نعم يمكن كل ذلك حين يسلم الإنسان عقله لتلك الشبكة التي تقضي على لحظات شبابه وتبعده عن عالمه الواقعي.
الإنترنت القاتل الصامت كما سماه كثير من الناس بل كما أبدعوا في وصفه وأتقنوا في وسمه، صحيح أنّه لا يرفع حربة في وجه أحد ولم يرق دم أي إنسان لكنّه قاتل محترف يتمكّن من اجتثاث العقول من أماكنها وأن يتحكم بها متى شاء وكيفما شاء، إنّه رفاهية عالية لا بدّ من أن يحسن الإنسان استخدامها وإلا لقضت عليه وجعلته جثة هامدة على رصيف الواقع لا يفقه منه شيئًا، ولربما انسلخ الإنسان عن واقعه ليعيش بين جدران خيوط العنكبوت الضعيفة التي لا تقوى على إنقاذ أحد لكنّه تقوى على إغراقه بسمها الزعاف، بخاصة أنّ كل ما ينشر على الإنترنت ليس هو من المسلّمات فقد يستطيع أي إنسان أن ينشر ما يشاء وقتما يشاء.
الخاتمة: إدمان الإنترنت رفاهية أحذّرك منها
الإنترنت هو العصا الذي يجب على الإنسان أن يتقن إمساكها من المنتصف فلا يميل إليه فيقطع عمره ووقته وحياته ولا يهمله فيكون جاهلًا بمتغيرات الحياة المختلفة، هو نعمة يستطيع الإنسان بوساطته أن يجول العالم ولكنه نقمة إذ يجول عالمًا غير عالمه ومن ثم يقع في شراك انفصاله عن واقعه الحقيقي فلا هو قادر على اندماجه في عالم لا يشبهه ولا يستطيع الانسلاخ عما هو فيه، الإنترنت هو اللعبة الكبرى التي ينبغي للإنسان أن يتقنها ويفهم ماهيتها ومغزاها، حتى لا يكون فريسة للتطورات والحداثة التي قد تقتله دون أن يدرك.
قد يفيدك الاطلاع على مقال مشابه: موضوع تعبير عن الإنترنت .