ما هو السرد
مفهوم السرد لغةً
يعرف السرد لغة كما ورد في معجم المعاني: "سَرَدَ: قرأه بالتتابع؛ وأجاد سياقه، ويقال يَسرُدُ آيات من القرآن: أي يقرأها قراءة سريعة، وسَرَدَ وقائع الحادثة: أي ذكرها حسب تسلسلها، وسَرَدَ الحديث: عرضه ورواه، قص دقائقه وحقائقه "سرد القصة ونحوها - سرد أخبارًا ووقائع وتاريخًا، السَّرْدُ في القصة أو الرواية: يعني رواية الوقائع والأحداث، سَرَدَ الشيء: تابعة ووالاه، اكتفى بسَرْدِ الأسباب: بذكر سياقيها وتتابعها، شيء سَرْدٌ : متتابع".
وفي معجم الوسيط فإنّ السّرد يعني: "الَّسْردُ: تَقْدِمَةُ شيء إِلى شيء تأْتي به متَّسقاً بعضُه في أَثر بعض متتابعًا، سَرَد الحديث: يسرده سردًا إذا تباعه، ويقال في صفة كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يَسْرُد الحديث سردًا أي: يتابعه ويستعجل فيه".
مفهوم السرد اصطلاحًا
للسرد اصطلاحًا عدة مفاهيم تصبّ في النهاية بمعنى قريب للمعنى اللغوي وهذه المفاهيم:
- أداة فنية أدبيّة يستخدمها الكاتب، بهدف الوصول لغاية القصة، أو الرواية، أو الأحداث، فهو الأساس الذي يرتكز عليه عامل الحوار، والوصف في القصة، أو الرواية، أو الحدث التاريخي، وهو دراسة القصة والحدث واستنباط الأسس التي يقوم عليها، وما يرتبط بذلك من نظم تَحكم الإنتاج الأدبي وتلقّيه.
- فن تعبير الألفاظ عن الوقائع لبيان الصورة المتخيلة ونقلها إلى الصورة اللغوية عن طريق نقل الجزئيات مع الأحداث.
- السرد عملية تقوم بشكل أساس على إنتاج نص ومحتوى من قبل الراوي موجهة إلى القارئ ومن خلاله يتم تحويل الكلام المحكي أو المنطوق أو المكتوب إلى عمل فني.
- السرد هو الكيفية التي تروى بها القصة عن طريق (السارد أو الراوي) تحت تأثير عدد من العوامل المتعلقة بالسارد أو المسرود له أو النص، وهو مصطلح نقدي الغرض منه نقل الحدث والموضوع من صورته الواقعية إلى صورة لغوية مكتوبة أو منطوقة.
- خطاب غير منجز وطريقة تروى بها القصة؛ فهو مجموع الأحداث المروية من الحكاية أو الخطاب الشفهي أو المكتوب، وهو الفعل الواقعي أو الخيالي الذي ينتج عن عملية الرواية.
أشكال السرد
السرد نشاط يعتمد على الظرف الزماني، وفيه يظهر ادارك الراوي للوقائع والأحداث بالاعتماد على محور الزمن، فإما يسير باتجاه واحد أو يسمح لبعض التداخل والتقاطع، مما يجعل الزمن العامل الأساسي في تحديد شكل السرد، وأهم أشكال السرد هي:
سرد تسلسلي
يقوم على الترتيب المنتظم للأحداث (نظام خطيّ في تصوّر الأحداث)، وفيه يتبع الراوي الترتيب المتدرج للأحداث، ويستعمل هذا النوع من السرد غالبًا في نصوص السير الذاتية أو اليوميات أو السرد للأحدث التاريخية، فيبدأ السارد بالحدث الأول ثم يتطرق للحدث الثاني فالثالث وهكذا دواليك من الأقدم للأحدث، وأهم ما يحكم السرد المتسلسل أنه يعتمد على العناصر السردية؛ إذ لا بد من البداية، ثم الحدث المُحرك أو الحبكة، فالعقدة ثم الحل والنهاية، وفي حال اختلاف هذا الترتيب للعناصر اختلف شكل السرد.
سرد تناوبي
وهو السرد المعتمد على عدد من القصص بشكل متناوب، فيسرد الراوي قصة أولى ثم يذهب للثانية ثم يعود للأولى ثم يذهب لثالثة فيعود للثانية وهكذا، وما يجعل هذا النوع من السرد متاحًا وجود قواسم مشتركة ما بين شخصيات وأحداث القصص، وغالبًا ما يستخدم هذا النوع في السيناريوهات التلفزيونية، وسيناريوهات الأفلام.
سرد متقطع
يقوم أساسًا هذا الشكل على تقنيات مختلفة أهمها: الحذف، والاسترجاع، والتلخيص، والوصف، يتجاوز هذا النوع التسلسل المنطقي للأحداث، فتُقدم الأحداث من الحدث الأخير على سبيل المثال، ثم ينتقل السارد إلى الحدث الأول، ثم يتطرّق للحدث الأوسط وهكذا، وفيه يتعمق الفرق بين زمن الحكاية وزمن السرد، ويتطلب من المسرود له التركيز في جميع مراحل السرد للوصول للغاية المُراد فهمها.
وفي هذا النوع، يستطيع السارد التلاعب بالنظام الزمني بشكل لا محدود، ليبدأ على سبيل المثال السارد بالأحداث بشكل يتفق مع زمن القصة، لكنه يقطع بعد ذلك السرد لينتقل لزمن آخر؛ ولذلك سُمّي هذا الشكل بالمتقطع.
خصائص السرد
للنمط السردي خصائص تميزه عن غيره من الأساليب الأدبية بما يحويه من عناصر، ومكونات، ووظائف، وأهداف، ومن أهم خصائص السرد ما يأتي:
- يعد السرد فنًا أدبيًّا مبنيًّا بشكل معقد من العناصر المتكاملة الممثلة للحقائق، والأحداث، والأشخاص، والظرف المكاني، والزماني.
- يستخدم السرد الأحداث في الأزمنة المختلفة.
- يستخدم المراحل في طرح الأحداث، إما بشكل كلي أو جزئي فهو بنية حكائية، فهناك بداية تليها مرحلة التعقيد، من ثم الحبكة يليها مرحلة رد الفعل، من ثم مرحلة حل العقدة، ثم مرحلة النهاية، والتي تعد مرحلة الوصول للهدف من وجهة نظر الكاتب عبر الراوي أو السارد.
- يعد علامة لغوية للربط بين المدلول (المتن، الحكاية) والدال (المجسد في المُبنى الفني القصة).
- يمثل السرد الأساس الظاهر للغة كعنصر فعّال في عملية تسلسل الأحداث؛ إذ إنّ للغة غرضًا جماليًا لا يمكن الاستغناء عنه ولا يظهر إلا به.
- يعد السرد بنية شاملة تتضمن عوامل الرغبة، والتبليغ، والصراع.
- يعد السرد بنية أدبية متكاملة تحوي:
- عناصر تبليغية: السارد (المرسل) والمسرود له (المستقبل) والمسرود (النص الروائي).
- قناة التبليغ: (ما يقدم بشكل تمهيدي عبر النص من صورة عامة أو فكرة موجزة).
- المرجع (كل مصدر يعتمد عليه في بناء أحداث القصة سواء).
أهمية السرد
السرد أحد الوسائل التي من خلالها يمكن تقديم علاقة جديدة بنائية بدلًا من العلاقات التقليدية في النص، ما يساعد على ترابط الأحداث الدرامية ونقلها بطريقة سلسة من المرسل إلى المستقبل، ممّا يساعد على تفعيل الشخصية وتنامي مساراتها المختلفة، ومنه تصل الصور الذهنية المتسقة مع الأحداث، والأزمنة، والشخوص، ضمن القالب التي بنيت فيه بشكل حقيقي، وتظهر أهميته فيما يأتي:
- عنصر روائي يحقق الحياة في الحكايات القصص والأحداث التي يطرحها.
- يحقق التواصل ما بين السارد والمسرود له والمسرود عبر طرق السرد المختلفة.
- يشكل إضافة إيجابية على النقد الأدبي بصفة عامة، وعلى الرواية، والقصة بصفة خاصة.
- أداة يمكن من خلالها تحقيق جدارة العمل الأدبي، وإبداعه، وازدهاره، على خلاف الفنون الأدبية الأخرى التي تهمل عناصر السرد.
- يحقق التأثير على المتلقي بما يعكسه من جوانب الحياة.
- أداة أدبية تعالج مواقف وقضايا المجتمع المختلفة؛ السياسية، والثقافية، والنفسية، والاقتصادية، ممّا يساعد في رفع قيمة المستوى الأدبي للرواية وغيره.
- أداة تساعد على إظهار صفة، وسمة، وصدق صاحب الرواية، إذ إنه له دور فعّال في إظهار القيمة الفنية والمعرفية لموقف ووعي الكاتب.
- يساعد في تحقيق الشمولية، مما يساعد في رفع المستوى اللغوي، وزيادة القدرة التحكمية في العناصر الأدبية، مما ينتج عنه تعبير حقيقي عن الشخوص، والأحداث، والأزمنة.
أهمية السرد من خلال وظائف السارد
للسرد أهمية أخرى تظهر من خلال وظائف السارد، والتي تتمثل في ما يأتي:
- يحقق الإدراك الحسي للمستقبِل عن طريق إثارة الحواس واستخدامها كأداة أولى في السرد.
- يحقق الإدراك التأملي باستخدام اللوحات التأملية المستخدمة لرسم الشخصيات، والمكان، والزمان.
- يحقق الإيهام بالواقع عن طريق مطابقة الشخصيات لشخصيات الواقع، بالإضافة إلى استخدام الصفات الخلقية، والملامح الخارجية، والأدوار الاجتماعية والحياتية المختلفة، بما يحقق فرصة تقبل النص من قبل المسرود له.
- يحقق الثقة من بين السارد والمسرود له، من خلال إظهار الفعلية في الموضوعات سواء تاريخية، أو مكانية، أو أنماط بشرية.
- يُسهل عملية الفهم، والاستيعاب، والتحليل، والتركيب، من خلال جمع السرد للأحداث المختلفة والمتناقضة وربطها في إطار واحد بما يخدم المعنى العام.
- يُحقّق البنيوية الأدبية ببناء امتدادات تاريخية أو خيالية للأحداث.
- يساعد على تثبيت الركن الزمني والمكاني في ذهن المسرود له.
- يثير عقل المسرود له بشكل لا واعي بحمله إلى آفاق لا محدودة من الترقب والتوقع.
- يحقق الانفتاح للنص الأدبي من حيث العنصر الزماني، والمكاني، ممّا يثير عنصر التشويق ويبرز قيمة المسرود (النص).
- يظهر التداخلات المباشرة وغير المباشرة في صلب الأحداث، ويقدمها للمسرود له بطريقة تزيد النشاط التفسيري وتعكس مكنونات السارد.
- وسيلة توثيق تاريخية من خلال إثبات موطن الصدف في المعلومات مقابل تأكيد دقة الذكريات.
- أساس وجود الحكاية أو الرواية؛ فهو وسيلة لإيصال الصورة اللغوية المعبرة عن الحدث، فالسرد قائم من أجل السرد، إذ إنه لولا هذه الأهمية لما وجد العمل الأدبي على اختلاف أشكاله.
- يحقق التناسق؛ فالسرد يقوم أساسًا على التناسق سواء كان بشكل متسلسل، أم متقطع، أم متناوب، ممّا يساعد في الوصول للفكرة المُراد تقديمها.
- سبب في تطوير الأساليب الأدبية في النص الأدبي لتشمل الأسلوب الدرامي، والغنائي، والسينمائي.
السرد هو التتابع والتسلسل الذي يظهر عند الراوي أو السارد، من خلال تحويل مجموعة من الأحداث، والأزمنة، والأماكن، لمنظمة منتظمة تُعبّر بشكل واضح وصريح عن واقع يمكن معايشته وتخيله، له عدة أشكال تختلف باختلاف الزمن، وله أهمية كبيرة في إثارة التشويق لدى المتلقي وتحقيق الهدف في إيصال الفكرة من الكتابة، وهو الأساس في ظهور الحكاية في الأدب.