من هم قوم شعيب
من هم قوم شعيب
أهل مدْين هم قوم سيّدنا شعيب -عليه السلام-، وقد عاشَ سيدنا شُعيبٌ -عليه السلام- في قريةٍ صغيرةٍ تُدعى "مَدْيَن"، وهي قريةٌ تتمتّعُ بمناخٍ رائعٍ وحياةٍ زراعيةٍ مزدهرةٍ، وكانَ -عليه السلام- يُحبُّ قريته وأهلها وإن كانوا وثنيين -يعبدون الأصنام-، وكانوا يَرونَ بأنَّ هذه الأصنامُ هي التي ترزقُهم وتباركُ لهم في عَيْشِهم، وهذا الأمرُ أحزن سيدنا شعيب -عليه السلام-، كما كانَ قومُه يَغِشّونَ في معاملاتِ البيعِ وعملياتِ الشراءِ، ويُطفِّفونَ في الميزانِ، وقد جاءَهم شعيباً برسالةِ التّوحيدِ والتي تتضمَّنُ تركَ كلِّ هذه الأمورِ.
وكان سيّدنا شعيبٌ -عليه السلام- معروفٌ بأنَّه خطيباً بليغاً. ومَدْين قريبةٌ من قُرى قومِ لوطٍ، وهم قبيلةٌ عُرِفَت المدينة بهم، فهم من بني مدين بن مديان بن إبراهيم الخليل -عليه السلام-، وقد عُرف أهل مدين بالطّغيان والفساد في الأرضِ، أمّا من حيث الزمانِ فهم قريبون من زمنِ سيدنا إبراهيمُ ولوطٌ -عليهما السّلام-. وبيّن الله -عزّ وجلّ- في كتابه الكريم دعوة شعيب -عليه السلام- لقومه، قال -تعالى-: (كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ* فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُونِ* وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ).
وأصحابُ الأيكةُ هم قومُ سيدنا شعيب -عليه السلام-، وتعدّدت آراء العلماء في كَوْن أصحاب الأيكة هم أنفسهم أهل مدين الذي يُعدّ سيدنا شعيب من أهلِها؛ فمنهم من قال إنَّ مَدين والأيكةَ واحدٌ، ولكنَّ الله -تعالى- لم يذكر في كتابه أنَّه أخوهم كباقي الآيات؛ لأنَّهم نُسِبُوا إلى عبادةِ الأيكةِ، وهي شجرةٌ أو مجموعُ شجرٍ ملتفٍّ على بعضِه بعضاً، وبعض العلماء قالوا: إنَّ أهل مدْين وأصحاب الأيكة أُمَّتان بعث الله -تعالى- إليهم سيدنا شعيب -عليه السلام-، والأيكةُ تقعُ جنوبَ الأردن قُربَ مدينة العقبة، وقد اجتمع قوم شعيب -عليه السلام- على النبيّ شعيب حزبًا واحداً، فأهلكهم الله -تعالى-.
بعثة شعيب لهم
كلَّفَ الله -تعالى- سيدنا شعيباً بدعوةِ قومهِ إلى التوحيدِ واجتناب المُحرّمات؛ وذلك بتركِ عبادةِ الأوثانِ، وتركِ الغشِّ في البيعِ، وتركُ التطفيفِ، وأمرهم بعدم الإنقاص من أموالِ النَّاسِ، وألّا يُنقِصُوا الكيلَ كذلك، وأن يعدِلوا بين النَّاس في التِّجارةِ، وكان -عليه السلام- يُنذرهم ويذكّرهم بما حدثَ للأقوام السابقة التي كذّبت برسالةِ الرّسل ، ولكنَّهم انقسموا بذلك إلى قسمين؛ فمنهم مَن آمن به وهم الضعفاء، ومنهم مَن كفر به وهم الطّغاة وكبار القومِ، وكان طغاة القوم يضايقون شعيباً والذين معه، وهدّدوه باخراجه من القرية وقتله، كما اتّهموه بالسحرِ، وكانوا يُؤذونَ مَن آمن معه، ويُحاوِلون إعادتهم إلى الوثنيةِ.
نهاية قوم شعيب
كان قوم شُعيب -عليه السلام- في سوقِهم يُتاجرونَ ويظلمون النَّاس، ويهتمّوا بتكثير أموالهم من خلال الحرام، وفي يومٍ من الأيام حلَّ الظَّلامُ، واهتزَّت الأرضُ فدمَّرت المدينة، وخرجَ مِنها المؤمنين بسلامٍ وأمان، وأما الكفّار في قريةِ الأيكةِ فقد أصابَهم عذابُ يومُ الظلَّةِ، فقال لهم سيدنا شُعيب ما ذُكر في القرآن الكريم من قوله -تعالى-: (قالَ يا قَومِ لَقَد أَبلَغتُكُم رِسالاتِ رَبّي وَنَصَحتُ لَكُم فَكَيفَ آسى عَلى قَومٍ كافِرينَ)، وكانوا قد طلبوا من الله -تعالى- أن يُرسل عليهم كسفاً من السّماء كما ذُكر في القرآن الكريم، قال -تعالى-: (وَإِذ قالُوا اللَّـهُمَّ إِن كانَ هـذا هُوَ الحَقَّ مِن عِندِكَ فَأَمطِر عَلَينا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائتِنا بِعَذابٍ أَليمٍ)، فكان عذابهم من جنسِ ما طلبوا.
فأرسل الله -تعالى- عليهم سبعة أيامٍ من الحرّ الشديد، وبعث غيمةً فكانوا يستظلّون بظلّها، فنزلَ عليهم حجارة من نار فأهلكتهم، وورد عن ابن عباس أنَّه قال: "فَذَلِكَ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ، إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ"، وكانوا يظنّون أنَّ هذه السّحابة نجاةٌ لهم من شدَّةِ الحرِّ الذي كانوا به، ولكنَّها كانت عذاباً لهم، قال -تعالى-: (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ)، ويتّضحُ لقارىءِ القرآنِ أنَّ اللهَ -تعالى- بيّن أنَّ قوم شُعيب -عليه السلام- قد أُهلكوا بثلاث طرق مختلفة بحسب حالهم؛ فمرّةً أخذتهم الصّيحة كما في سورة هود، ومرّةً أخذتهم الرجفة كما في سورة الأعراف، ومرّةً أُسقط عليهم كِسَفاً من السّماء وأخذهم عذاب يوم الظُّلّة كما في سورة الشعراء.