من هم خير أجناد الأرض
خير أجناد الأرض
خير أجناد الأرض هم أهل مِصر، وقد ورد ذلك في خطبة خطبها عَمرو بن العاص -رضي الله عنه- في أهل مِصر تحدّث فيها عن أهل مِصر، وما يتمتّعون به من صفات، وما يتميّزون به من خِصال، واستدلّ على قوله بما رُوِي عن عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه-، عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بإسنادٍ ضعيفٍ جداً: (إذا فتح الله عليكم مِصر بعدي، فاتّخذوا فيها جُنداً كثيفاً؛ فذلك الجند خير أجناد الأرض، فقال له أبو بكر: ولمَ ذلك يا رسول الله؟ قال: لأنّهم في رباطٍ إلى يوم القيامة)، ومن العلماء الذين أوردوا الخطبة في مصنفاتهم: الدارقطنيّ، وابن عساكر، وابن عبد الحكم، وتجدر الإشارة إلى أنّ الحديث السابق رُوي بسندٍ واحدٍ ضعيفٍ جداً من طريق ابن لهيعة، عن الأسود الحُميريّ، عن بُحير المعافريّ، عن عَمرو بن العاص، وتكمُن علّة ضعف السند؛ بأنّ حديث ابن لهيعة ضعيفٌ كما قال الإمام الذهبيّ -رحمه الله-، ولم يتبيّن حال حديث الأسود الحُميريّ، وعليه فكلّ أجناد المسلمين -دون تحديد أحدها بغير دليل صحيح- فيهم خيراً كثيراً؛ لأنّهم يبذلون جهدهم في سبيل الله -تعالى-. وكان عبدالله بن عَمرو بن العاص -رضي الله عنه- قد وصف أهل مِصر قائلاً: (أهل مصر أكرم الأعاجم كلّها، وأسمحهم يداً، وأفضلهم عنصراً، وأقربهم رحماً بالعرب عامّةً، وبقريش خاصّةً).
وصيّة النبيّ بأهل مصر
أحاديث في أهل مِصر
وردت عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- عدّة أحاديث أوصى فيها بأهل مِصر، وفيما يأتي ذكر وشرح لبعضها:
- ما رُوي عن كعب بن مالك -رضي الله عنه- من أنّ رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قال في أهل مِصر: (إذا افتتحتُم مصرَ فاستوصوا بالقبطِ خيرًا، فإنَّ لهم ذمةً ورحمًا)؛ ويُقصد من الحديث أنّ هاجر والدة إسماعيل -عليه السلام-، وكذلك والدة إبراهيم بن النبيّ محمدٍ -عليه الصلاة والسلام- كانتا من أقباط أو قِبط مِصر، ويُشار إلى أنّ جماعةً من الناس سكنَت مِصر، وأُطلِق عليهم اسم (القِبط)؛ وهي كلمةٌ يونانيّة الأصل تمّ إطلاقها على سُكّان مِصر، والمفرد منها: قِبطّيٌ، ويُجمَع أيضاً على أقباط.
- ما رُوِي عن أبي ذرّ الغفاريّ -رضي الله عنه- فيما أخرجه عن الإمام مسلم في صحيحه، أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (إنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أرْضًا يُذْكَرُ فيها القِيراطُ، فاسْتَوْصُوا بأَهْلِها خَيْرًا، فإنَّ لهمْ ذِمَّةً ورَحِمًا، فإذا رَأَيْتُمْ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ في مَوْضِعِ لَبِنَةٍ، فاخْرُجْ مِنْها. قالَ: فَمَرَّ برَبِيعَةَ، وعَبْدِ الرَّحْمَنِ، ابْنَيْ شُرَحْبِيلَ ابْنِ حَسَنَةَ، يَتَنازَعانِ في مَوْضِعِ لَبِنَةٍ، فَخَرَجَ مِنْها)؛ والذمة هي الحرمة، ويُقصد بها السيدة مارية القبطية؛ إذ أنها من أهل مصر، وقد أسلمت قبل وصولها المدينة المنورة، وأنجبت للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولده إبراهيم، والرّحم: هي السيدة هاجر أم سيدنا إسماعيل -عليه السلام-، وفي الحديث السابق دلالة على صدق نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- حيث أخبر بأنّ الأمة سيكون لها قوة وشوكة بعده، ومن ذلك إخباره بفتح مصر، والقيراط جزء من أجزاء الدينار، وقد كان أهل مصر يكثرون من استعماله.
ولمّا فتح عَمرو بن العاص -رضي الله عنه- بلاد مِصر، وضمّها إلى دولة الخلافة الإسلاميّة، اجتمع مع زعمائهم؛ ليُخبرهم عن الإسلام ، وخيّرهم بين اتِّباع هَدي النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، أو دَفْع الجِزية؛ مقابل حمايتهم، وضمان أَمْنهم في ظلّ الدولة الإسلاميّة، وأورد عليهم أحاديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام- التي تُوصي بالأقباط، كما رواه أبي ذرّ الغفاريّ -رضي الله عنه-: (إنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أرْضًا يُذْكَرُ فيها القِيراطُ، فاسْتَوْصُوا بأَهْلِها خَيْرًا، فإنَّ لهمْ ذِمَّةً ورَحِمًا)، وما رواه كعب بن مالك -رضي الله عنه-: (إذا افتتحتُم مصرَ فاستوصوا بالقبطِ خيرًا، فإنَّ لهم ذمةً ورحما)، فردّ أحد الأساقفة عليه قائلاً: "إنّ الرَّحِم التي أوصاكم بها نبيّكم لهي قرابةٌ بعيدةٌ، لا يصل مثلها إلّا الأنبياء"؛ فمنزلة الأقباط من إسماعيل -عليه السلام- بمنزلة أخواله.
الحِكمة من وصيّة النبيّ بأهل مصر
حَرِص النبيّ -عليه الصلاة والسلام- على إقرار أهمّ أساسات الدولة، ومبادئها التي تدعم استقرارها، وتضمن أمنها، وتكفل لأبناء المجتمع حالةً من التّعايش الآمن، الذي يقوم على الحقوق والوجبات، وقد طبّق المسلمون ذلك في المدينة المُنوَّرة على اختلاف أطياف سكّانها، كما أوصى النبيّ الصحابة -رضي الله عنهم- ومن بعدهم باتّباع نَهجه وطريقه المستقيم؛ لتقوم الدولة الإسلاميّة على العدل، والتكافل، والتعايش، والرحمة، قال الله -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، ولبلاد مِصر مكانةٌ عظيمةٌ عند المسلمين؛ ولذلك أوصى النبيّ بأقباطها، رُوي عن أمّ سلمة -رضي الله عنها-، أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (اللهَ اللهَ في قِبْطِ مصرَ؛ فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عُدَّةً وأعوانًا في سبيلِ اللهِ)، وبذلك ضَمِن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- للأقباط حقوقهم؛ ومن هنا كان جديراً بالمسلمين عامّة، ومُسلمي مصر خاصة الوفاء بوصية النبي -عليه السلام-.