من هم الصحابة
الصحابة رضي الله عنهم
ثمّة خلافٍ بين أهل العلم في تعريف الصحابي، فقد عرّف الأصوليون الصحابي بأنّه: كلّ شخصٍ طالت مجالسته لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، للأخذ منه، والتبع له، ويخرج بذلك من وفد عليه وانصرف من غير متابعةٍ، ولا مصاحبةٍ، وأمّا المحدّثيين فقد عرّفوا الصحابي بأنّه: من لقي رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مسلماً، ومات على ذلك، فيشمل بذلك من لقيه سواءً طالت مجالسته، أم قصرت، أو غزا معه، أم لم يغزُ، أو روى عنه أم لم يروِ، كما قال الإمام البخاري رحمه الله: (من صحب النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه)، ومن الجدير بالذكر أنّ علماء الأمة أكدّوا في كتب العقيدة على فضل الصحابة رضي الله عنهم، وعظم مكانتهم، ودافعوا عن أعراضهم، وحموا حياضهم، إذ إنّ الدفاع عنهم دفاعٌ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فهم أصحابه، وبطانته، وهم من دافعوا عن الدين، ومن نقلوا الإسلام إلى من بعدهم، وثمّة العديد من الأدلة من كتاب الله تعالى، وسنة نبيّه -عليه السلام- تدلّ على فضل الصحابة رضي الله عنهم، ومنها قول الله تعالى: (وَالسّابِقونَ الأَوَّلونَ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ وَالَّذينَ اتَّبَعوهُم بِإِحسانٍ رَضِيَ اللَّـهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنّاتٍ تَجري تَحتَهَا الأَنهارُ)، بالإضافة إلى ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: (لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيدِه لو أن أحدَكم أنفق مثلَ أحدٍ ذهباً، ما أدرك مدَّ أحدِهم، ولا نصيفَه)، وقد عَرِف السلف الصالح عِظُم مكانة الصحابة رضي الله عنهم، وكانوا شوكةً في حلق كلّ من حاول الانتقاص من قدرهم، كما قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: (لا تسبّوا أصحاب محمّدٍ، فلمقام أحدهم ساعةٌ خيرٌ من عمل أحدكم عُمره).
أعلام الصحابة رضي الله عنهم
اصطفى الله تعالى الصحابة -رضي الله عنهم- من بين البشر، وشرّفهم بصُحبة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، فكان منهم وزراء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وخطبائه، وشعرائه ، وحواريه، وخدمه، وكتّابه، وأمناء سرّه، وقادة جيشه، ونوابه، ومن أعلامهم:
- أبو بكر الصّديق: هو عبد الله بن عثمان بن عامر بن كعب القرشي التيميّ، وُلد في مكة، وكان أول من آمن برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من الرجال، ولازم رسول الله ورافقه في رحلة الجهاد والدعوة، وكان معه في الغار عند الهجرة إلى المدينة المنورة، وزوّجه من ابنته عائشة رضي الله عنها، وبعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- كان خليفته، وتوفي في المدينة المنورة ، بعد وفاة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بسنتين وثلاثة أشهرٍ.
- علي بن أبي طالب: هو ابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وُلد في مكة، ورافق النبي -عليه الصلاة والسلام- منذ طفولته، وكان أول من أسلم بعد خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وحمل لواء الإسلام في الكثير من المعارك، آخاه رسول الله حينما آخى بين الناس، وبشّره بالجنة ، ومن الجدير بالذكر أنّه تولّى الخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، فكان رابع الخلفاء الراشدين، واستشهد في سنة أربعين للهجرة.
- عمر بن الخطاب: كان في الجاهلية بطلاً من أبطال قريش ، أسلم قبل الهجرة بخمس سنواتٍ، فأعزّ الله به الإسلام والمسلمين، عُرف بعدله، وحكمته، فلقّبه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالفاروق، وتولّى الخلافة بعد وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فكان ثاني الخلفاء الراشدين، وقاد الفتوحات الإسلامية، ومواقفه العظيمة تكاد لا تُحصى من كثرتها، توفي في العام الثالث والعشرين للهجرة، على إثر طعنةٍ تلقّاها من أبي لؤلؤة المجوسي، وارتقى شهيداً إلى جنات الخلد.
- حمزة بن عبد المطلب: وهو عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأخوه من الرضاعة، كان بطلاً من أبطال العرب، فلمّا أسلم أعزّ الله به الإسلام وأهله، لُقّب بأسد الله وأسد رسوله، شَهِد بدراً ومرغ أنوف الكفار بالتراب فيها، حيث كان يقاتلهم بسيفين، وقُتل غدراً في معركة أحد ، وارتقى شهيداً، فبكى عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وحزن لفراقه، فأنزل الله تعالى قوله: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).
وصف الصحابة رضي الله عنهم
وصف الله تعالى الصحابة -رضي الله عنهم- بالشدّة والغِلظة على الكفار ، والرحمة بالمسلمين، حيث قال تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)، ويُمكن القول أنّ الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا أشداءً في المواقف التي تحتاج إلى الشدّة؛ كالحروب والمعارك، حيث كانوا لا يهابون الموت، ويواجهون عدوهم من غير تردّدٍ أو خوفٍ، وكانوا رحماء في المواقف التي تحتاج إلى اللين، حيث كانوا في غاية الألفة، والرقّة، والرحمة في مواقف السلم، وضربوا أروع الأمثلة في حُسن الخلق ، والتواضع لإخوانهم المؤمنين.