من فوائد الذكر
رضا الله تعالى
إنّ أقصى ما يسعى إليه العبد أن ينال رضا الله -تعالى- في الدُّنيا والاخرة، وهذا أمرٌ مقدور عليه إذا واظب المسلم على ذكر الله -تعالى- بقلبه وبلسانه، فالذكر أسهل الطاعات في الأداء، وأقلها جُهداً لمن أراد المداومة عليها.
والمسلم الذاكر لله -تعالى- هو المستفيد الفائدة العظمى من ذلك؛ حيث إن الذكر طاعةٌ وعبادةٌ يُؤديها المسلم وثمرتها هي رضا الله -تعالى- عنه في الدُّنيا والآخرة، وينال العبد بذكره لله محبة الله -تعالى- ويستشعر قُربه.
ذكر الله للعبد
إنّ من أعظم ما يُكرم الله -تعالى- به العبد الذاكر أنه -جل جلاله- يذكر من ذكره، وهذا مما يدعو العبد إلى الاجتهاد في ذكره لله -تعالى- حين يعلم أنّ الله -جل وعلا- يذكر العبد الضعيف، قال -تعالى-: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ).
وبتث في الحديث القدسي الذي يرويه النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ربه، يقول رب العزة عن العبد الذاكر له: (إنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ، ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ منهمْ)، فيكفي أن يذكرك الله -تعالى- ليكون ذلك سبباً في الإكثارمن الذكر والمُحافظة عليه.
ترتب الأجر العظيم
إنّ الذكر كرامةٌ للعبد وتوفيقٌ من الله -تعالى- له، ومع ذلك فإن الله -تعالى- قد أعد للذاكرين والذاكرات أجراً عظيماً وثواباً جزيلاً، ومن ذلك:
- قوله -تعالى-: (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)، فقد أعد الله -تعالى- المغفرة والأجر العظيم لمن يذكر الله تعالى من الرِّجال والنساء.
- وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنهم السابقون فقال: (سَبَقَ المُفَرِّدُونَ قالوا: وَما المُفَرِّدُونَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيراً، وَالذَّاكِرَاتُ)، ووصفهم بأنهم المفردون، أي الذين مات أقرانهم وانفردوا عنهم بالعمر الطويل، فالذاكر لله كثيراً والذاكرات هم كمن سبقوا أقرانهم وانفردوا عنهم وتقدّموا عليهم بذكر الله -تعالى-.
طرد الشيطان
إنّ الشيطان يتسلط على العبد ليمنع عنه الخير، وهو عدوٌ مبينٌ للإنسان، قال -تعالى- : (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) ، ولن يترك الشيطان المُسلم حين يجعله من أصحاب السعير، قال -تعالى- عن الشيطان ودعوته: (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير) .
والذكر؛ هو الحرز المتين الذي يصدُّ كيد الشيطان ووسوسته، وكُلّما ابتعد المرء عن الذكر كلما اقترب منه الشيطان، قال -تعالى-: (ومَن يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ).
والذكر يحفظ صاحبه ، فقد قال الرسول الأمين: (إذا خرَجَ الرَّجُلُ من بَيتِه، فقال: باسمِ اللهِ، تَوكَّلتُ على اللهِ، لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ، قال: يُقالُ حينئذٍ: هُديتَ، وكُفيتَ، ووُقيتَ، فتَتنحَّى له الشَّياطينُ، فيقولُ شَيطانٌ آخَرُ: كيف لك برَجُلٍ قد هُدِيَ وكُفِيَ ووُقِيَ)، فيُشير الحديث أن الشيطان لا يقوى على المسلم إذا خرج من بيته وذكر الله -تعالى-.
سبب لاستجابة الدعاء
الذاكر لله -تعالى- تكون مناجاته أقرب إلى الإجابة من غيره، حيث يفتح الله -تعالى- عليه من الأدعية ما يُستجاب بها، كما حصل في زمن النبي حين قام رجلٌ بدعاء الله -تعالى- من عنده فقال: (اللَّهمَّ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أنتَ المنَّانُ بديعُ السَّمواتِ والأرضِ ذا الجلالِ والإِكْرامِ، فقالَ النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ-: أتَدرونَ بمَ دعا اللَّهَ؟ دعا اللَّهَ باسمِهِ الأعظمِ، الَّذي إذا دُعِيَ بِهِ أجابَ، وإذا سُئِلَ بِهِ أعطى).
وهذا الصحابي الجليل استفتح الدعاء بالثناء على الله -تعالى- فَوُفِق إلى الدعاء باسم الله الأعظم الذي يُستجاب الدعاء به وقد حصل هذا بذكره لله -تعالى- وحسن دعائه.
وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (تعرَّفْ إلى اللهِ في الرخاءِ يعرفُك في الشدَّةِ)، فمن دعا الله في الرّخاء استجاب الله -تعالى- له في الشدة، وعلى المسلم أن يُكثر من الذكر ومن الثناء على الله -تعالى- بتذللٍ وخضوعٍ وخشوع حتى يكون الدعاء أقرب إلى الإجابة -بإذن الله-.
يزيل الهموم والأحزان
إنّ الذكر يُواسي الذاكر، ويُذهب غيظ قلبه، ويُذكّره بالله -تعالى- وعظيم قُدرته التي تفوق كلّ همٍ وتُذهب كُل حزنٍ، فالأُنس بذكر الله -تعالى- لا يُماثل الأُنس بالخلق أبداً.
وكان النبي الأمين قد وصى من أصابه همٌ أن يقول: (اللهُم إِني عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدُكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدكَ، مَاضٍ فِئ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِئ قَضَاؤُكَ، أَسْاَلُكَ بكُلِّ اسْمِ هُوَ لَكَ، سَمَيتَ بهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكً، أَوْ أنزَلْتَهُ في كِتَابِكَ، أَو اسْتَأثَرْتَ بِهِ في عِلْم الْغَيبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلاءَ حُزْنِي، وَذهابَ هَمَّي إِلاْ أَذّهبَ الله هَمهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجَاً).
وهذا الدُّعاء هو العلاج النبويّ لمن أُصيب بالهمِّ والحزن، ومن يقول هذا الذكر يقلب الله -تعالى- حُزنه إلى فرحٍ وهمّه إلى فرجٍ.
مغفرة الذنوب
إنّ من رحمة الله -تعالى- بالخلق أنه جعل الإكثار من الذكر سببٌ لمغفرة الذنوب ، فذكر الله -تعالى- على سهولته إلا أنه يُعدّ من أكثر الأعمال التي ينجو بها العبد من العذاب، ققد قال -صلى الله عليه وسلم-: (من قال: سبحان اللهِ وبحمدِه، حطَّ اللهُ عنه ذنوبَه، وإن كانت أكثرَ من زَبَدِ البحرِ)، وهذا ذكرٌ سهلٌ ميسورٌ وفيه مغفرةٌ من الذنوب وإن كانت مثل زبد البحر.
الانشغال بالذكر عن آفات اللسان
إنّ للسان آفاتٌ كثيرةٌ كالغيبة، والنميمة، والخوض في أعراض الناس، وهي آثامٌ وأوزار يتحملُّها المسلم نتيجة إطلاق لسانه في ما حرّم الله -تعالى-، والحل لمن ابتُلي بذلك أن يشغل لسانه بما فيه طاعة وقُربة لله -تعالى-، فإشغال اللسان بالطاعات أفضل وسيلةٍ لكف اللسان عن آفاته.
وقد ورد هذا العلاج في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيصْمُتْ)، فقد بيّن الحديث الشريف أن اللسان إمّا أن ينطق بخيرٍ أو أن يصمت، وتفضيل الصمت على الكلام السيء من علامات الإيمان بالله -تعالى- واليوم الآخر.