من الذي فتح القسطنطينية
الفتوحات الإسلاميّة
يُعتبَر الجهاد في سبيل الله من الأساسيّات التي يُبنى عليها الإسلام، والتي تُميِّز الأمّة الإسلاميّة عن غيرها؛ فالفتوحات الإسلاميّة تُحقِّق غايات كثيرة، من أهمّها الدفاع عن الإسلام، والمسلمين، وهو يُزيل كافّة العوائق التي تقف أمام انتشار الإسلام ، ووصوله إلى أنحاء المعمورة كلّها، كما أنّ الفتوحات الإسلاميّة، والجهاد في سبيل الله، يُزيل الظُّلم عن المُستضعَفين، علماً بأّنها لم تكن يوماً تهدفُ إلى إجبار الناس على اعتناق الإسلام؛ فالإسلام لا يُجبر الناس على اعتناقه، حيث قال الله -تعالى-: (لا إكراه في الدين)؛ ولهذا انطلقت الفتوحات الإسلاميّة منذ عَهده -صلّى الله عليه وسلّم-، واستمرَّت فيما بَعد في زمن خلفائه -رضي الله عنهم-.
محمد الفاتح فاتحُ القسطنطينيّة
فُتِحت القسطنطينيّة على يد السُّلطان محمد الثاني ( محمد الفاتح )، في الخامس عشر من جُمادى الأولى من عام 857 للهجرة، ويُعَدُّ محمد الفاتح سابع السلاطين العُثمانيّين، حيث حَكم مُدّة وصلت إلى ثلاثين سنة منذ عام 855 للهجرة عندما تُوفِّي والده، واستلم مقاليد الحُكم وهو في سِنّ 22، وحتى عام 886 للهجرة، فكان حُكمه عِزّةً للمُسلمين، وقد تميَّز محمد الفاتح بصفات فَذّة جعلته مختلفاً عن أقرانه، ومَن كانوا في سِنّه من الأمراء، ومن هذه الصفات ما يلي:
- الشخصيّة الفَذّة التي تجمعُ ما بين العدل ، والقوّة.
- محبّة التاريخ، ودراسته بشكل خاصّ.
- العلم بالعديد من اللغات في عَصره.
نشأة محمد الفاتح
نشأ السُّلطان محمد الفاتح في قصر والده السُّلطان مراد الذي أحاطه بدلال، وحبّ كبيرين على الرغم من أنّه لم يكن ابنه الوحيد، إلّا أنّ فطنته ونجابته التي ظهرت عليه منذ الصغر جعلت والده يميل إليه أكثر من إخوانه، وقد اهتمَّ السُّلطان مراد بمحمد الثاني اهتماماً كبيراً؛ فعلمه ركوب الخيل ، والمُبارَزة، والرمي، كما أنّه أحضر له العلماء، والمُؤدِّبين؛ لتعليمه، كأحمد الكوراني الذي بفضله أصبح الفاتح مُحبّاً للعِلم، ومُقبلاً عليه بشَغف، فحفظ القرآن الكريم في وقت قصير، وقد تتلمذ الفاتح أيضاً على يد الشيخ شمس الدين، ودرس علوم الحديث ، والفِقه، والقرآن ، بالإضافة إلى بعض اللغات، كاللغة الفارسيّة، والعربيّة، والتركيّة ، ويُذكَر أنّ الشيخ شمس الدين آق هو من زرع حلم فتح القسطنطينيّة في نفس محمد الفاتح، حيث ظلّ هذا الحُلم يراوده حتى حقَّقه بعد تَولِّيه حُكم الدولة العُثمانيّة .
خُطّة محمد الفاتح لفَتح القسطنطينيّة
بدأ المسلمون بمحاولات فتح القسطنطينيّة حتى تحقَّق لهم ذلك على يد السُّلطان العُثمانيّ محمد الفاتح، حيث جاء فَتحها بعد تخطيط من قِبله؛ نظراً لأنّه جعل هذا الفتح أوّل الأمور التي لا بُدّ له من الاهتمام بها منذ أن تولّى حُكم الدولة؛ فاهتمّ بتقوية جيشه من الناحية المادّية، والمعنويّة، ونَشَر العلماء فيما بينهم؛ لغَرس روح الجهاد فيهم، ولتذكيرهم بأهمّية الفتح العظيم، كما استعان الفاتح بأهل الخبرة؛ لمعرفة أهمّ الأسباب التي تُعيق جيش المسلمين عن فتح القسطنطينيّة، فكانت هنالك أسباب ثلاثة، وهي كالآتي:
- عدم امتلاك المسلمين لحصون يلجئون إليها في بداية حصارهم، ممّا يجعلهم عُرضة للبَرد القارس في الشتاء .
- عدم امتلاك المسلمين لمدافع قادرة على اختراق أسوار القسطنطينيّة.
- عدم مقدرة المسلمين على اجتياز الخليج؛ نظراً لوجود سلسلة تعترضُ سُفُن المسلمين فيه، وتُعيق دخولهم إليه.
اهتمّ الفاتح بتحديد الأسباب التي تعيق فتح القسطنطينيّة جميعها، وانطلقَ من هذه الأسباب؛ لإيجاد الحلول المناسبة، وذلك من خلال تكوين مجلس من العلماء؛ لحَلّها، وأزال كافّة المُعوِّقات من خلال أمور ثلاثة، وهي:
- بناء حِصن للمسلمين في مدّة قصيرة لم تتعدَّ ثلاثة أشهر، على الرغم من أنّ بناء الحصون، والقِلاع يحتاج إلى سنة كاملة.
- تعاوُنه مع المُهندس المجريّ أوربان؛ لحلّ العائق الثاني الذي يحول دون فَتح القسطنطينيّة، ألا وهو عدم امتلاك المسلمين لمدافع قادرة على اختراق أسوار القسطنطينيّة، فاستطاع أوربان أن يصنعَ ثلاثة مدافع قويّة، من بينها مدفع كبير الحجم، في مدّة قصيرة لم تتجاوز الأشهر الثلاثة.
- إنجاز الفاتح لعملٍ لا مثيل له؛ من أجل التخلُّص من العائق الثالث، وهو (سلسة الخليج)، وذلك من خلال إنشائه لمَمرّ في الجبل بحيث تسير فيه السُّفُن من ألواح خشبيّة مدهونة بالزيت، وتمَّ نَقل سبعين سفينة في يوم واحد بعد غروب الشمس ، وحتى الفجر، ممّا ساعد على مفاجأة الروم بهذه السُّفن، فتمَّت مُحاصرة القسطنطينيّة مدّة ثلاثة وخمسين يوماً جاء بعدها الفتح العظيم.
وفاة محمد الفاتح
استعدَّ السُّلطان محمد الفاتح لقيادة جيشه نحو فتح جديد عام 886 للهجرة، علماً بأنّه لم يكن يُبلِّغ أحداً عن الوجهة التي يكون ذاهباً إليها، إلّا أنّ الناس كانوا يعتقدون أنّ رودس هي غايته، وقد تحدَّث بعضهم عن لحاقه بجيشه في جنوب إيطاليا ، وأنّه سوف يتوجّه من هناك إلى روما، وفرنسا، وإسبانيا ، ومن الجدير بالذكر أنّ السُّلطان محمد مرض قَبل انطلاق الجيش بمَرض لم يُلقِ له بالاً، بل مضى قُدُماً نحو تحقيق ما يُحبّ، وهو الجهاد، والغزو في سبيل الله؛ أملاً منه في أن يُشفى منه سريعاً، إلّا أنّ المرض اشتدَّ عليه، فلم يتمكّن الأطبّاء من علاجه، ممّا أدّى إلى وفاته -رحمه الله- في الرابع من ربيع الأوّل من عام 886 هجريّة، عن عُمر يُناهز 52 عاماً، وبذلك ظلَّت وجهته سرّاً لم يعلمه أحد، ومن الجدير بالذكر أنّ بعض الناس تحدّثوا عن وفاة الفاتح بالسُّم على يد طبيبه الخاصّ يعقوب باشا الذي كان يُعطيه السُّم على مراحل حتى عَلِم بأمر الحملة، فزاد من جُرعة السُّم؛ ليتخلَّص من السُّلطان محمد الفاتح.