من الذي فتح الصين
الفتوحات الإسلاميّة
اشتملت الفتوحات الإسلاميّة على أسلوبين اثنين في الفتوحات الأسلوب السلميّ أو ما عُرِف بالفتح صُلحاً، وأسلوب القتال والمعارك، وقد سيطرت الدولة الإسلاميّة على مساحات كبيرة دون قتال ومعارك مباشرة، ولم تزِد الجيوش الإسلاميّة عن عشرين ألف مقاتل إلّا في حالات قليلة؛ حيث فتح المسلمون بعض المدن بالقتال، وقد سارت هذه الجيوش على الطرق الرئيسة، أمّا في المناطق البعيدة عن الطرق الرئيسة، والمناطق التي تكثر فيها الجبال والوديان، وتحديداً في القرنين الأول والثاني للهجرة أي القرنين السابع والثامن الميلاديّ، فكانت هناك جماعات كثيرة لم تعرف عن الإسلام قط، ومن هذه المناطق الجبال الواقعة جنوب بحر قزوين، وجبال أذربيجان، وتلال كردستان، ولم يظهر في هذه المناطق خلال القرنين الأوّلين مسلم إلا ما ندر، وعندما بدأت أقليّات المسلمين من الدعاة والتجار تستوطن هذه المناطق، بدأ الإسلام بالانتشار شيئاً فشيئاً فيها.
والجدير بالذّكر أنّ الفتوحات الإسلاميّة قد أسفرت عن دولة إسلاميّة متّسعة خلال مئة سنة ونيف فقط، حيث أصبحت في القرن الثاني الهجري الذي يوافق القرن الثامن الميلادي دولةً مشرقةً وصلت حدودها إلى أقاصي البقاع في الأرض؛ ففي البحر المتوسط اتسعت الدولة الإسلاميّة لتشتمل الشواطئ الشرقيّة والجنوبيّة منه، بالإضافة إلى شبه جزيرة إيبيريا، أمّا في الشرق فقد ضمّت الدولة الإسلاميّة إيران والعراق، كما ضمّت بلاد ما وراء النهر والسند، ولم تجابه في القرن الثاني الهجري أيّ قوة سياسيّة القوةَ الإسلاميّةَ سوى إمبراطوريّة واحدة هي أسرة تانج في الصين.
قتيبة بن مسلم الباهلي فاتح الصين
فاتح الصين هو أبو حفص الباهليّ، وهو قتيبة بن مسلم بن عمرو بن حصين بن ربيعة الباهلي، ويعود أصل قتيبة إلى قبيلة باهلة التي كانت من القبائل المُهانة الوضيعة عند العرب قبل مجيء الإسلام، ويُعدّ قتيبة بن مسلم الباهلي من أبطال المسلمين العُظَماء والعصاميّين، الذين ساهموا في نشر الإسلام شرقاً؛ حيث أدخل الإسلام إلى الصين ونشره فيها، الأمر الذي أدّى إلى تسميته فاتح الشرق الإسلاميّ، كما أسلم على يدَيه العديد إعجاباً بشجاعته وجهاده، ولِما رأوه فيه من صفات تدلّ على عظمة الدين الإسلاميّ، وقد ورد عنه أنّه لم يُهزَم أو يفرّ من أي معركة، لذلك عُدّ قتيبة من كِبار مُجاهدي الدولة الأمويّة ، ومن الألقاب التي أُطلِقت عليه، أيضاً، كبير المجاهدين، وعملاق الفتوح.
وُلِد قتيبة بن مسلم سنة 48هـ في العراق، وقد كان والده مسلم بن عمرو من أصحاب مصعب بن الزبير والي العراق في ذلك الوقت، كما حارب وقُتِل معه في حربه ضد عبد الملك بن مروان سنة 72هـ، حيث اشتُهِرت أرض العراق بكثرة حدوث الفِتَن فيها آنذاك، فكان من الوُلاة أن عمدوا إلى استغلال طاقات أهلها القتاليّة في نشر الإسلام وخدمته، وكان من قتيبة الذي نشأ على حبّ الجهاد، والسيف، والرمح، وركوب الخيل، أن انطلق مع الحملات الجهاديّة المتوجهة نحو الجبهة الشرقيّة للدولة الإسلاميّة، ليُظهر شجاعته وقدرته على القيادة، وقد لفت قتيبة بشجاعته وإقدامه أنظار القائد العظيم المهلب بن أبي صفرة الذي عُرِف بخبرته في تمييز الأبطال من الرجال، وقد تنبّه إلى أنّ قيبة سيكون من أعظم الأبطال في الإسلام، وأوصى به والي العراق الحجاج بن يوسف الذي اختبره في مواقف عدّة، ليعلم مدى صحّة حديث المهلب عنه.
أمّا وفاة قتيبة فقد كانت في عام 715م؛ أي ما يوافق عام 96هـ؛ حيث قتله وكيع بن حسان التميمي، فقد كان قتيبة من قادة الحجاج بن يوسف الثقفي، وكان يعلم بمدى كراهية سليمان بن عبد الملك للحجاج، فلمّا ولي قتيبة الخلافة خشي من انتقام سليمان؛ لأنّ الحجاج كان قد وقف في صفّ الوليد بن عبد الملك حينما أراد خلع أخيه سليمان عن ولاية العهد، الأمر الذي أدى بقتيبة أن يخرج ويتمرّد على سليمان، إلّا أنّ حركة التمرد هذه فشلت وانتهت بمقتله في فرغانة، وتقول بعض المصادر إنّ قتيبة لم يتمرد على سليمان بن عبد الملك، وإنّما كان ضحيّة مؤامرة الطامعين في الولاية.
إستراتيجيّة قتيبة بن مسلم في الفتوحات الإسلاميّة
قسم قتيبة بن مسلم الحملات الجهاديّة إلى مراحل أربع؛ ليحقّق في كلّ مرحلة هدفاً معيناً، وكان من شأن إستراتيجيّته العظيمة في الفتواحت أنّه فتح مناطق من الدنيا فتحاً إسلامياً ليُرسّخ فيها قواعد الدولة الأمويّة وما يتبعها من الدول الإسلاميّة ترسيخاً عميقاً، وهذه المراحل هي كالآتي:
- المرحلة الأولى: فيها قاد قتيبة حملته الجهاديّة على طخارستان السُّفلى، ثمّ استعادها في سنة 86هـ ورسّخ فيها أقدام المسلمين، وهي الآن جزء من باكستان وأفغانستان.
- المرحلة الثانية: اشتملت على قيادة الحملة الجهاديّة إلى بخارى في الفترة 87-90هـ، وأسفرت هذه الحملة عن فتح بخارى والقرى والحصون التي حولها، ومن أهمّ المدن التي فُتِحت في هذه الحملة الجهاديّة مدن بلاد ما وراء النهر التي تميزت بأنّها منيعة الحصون وكثيفة السكان، والجدير بالذّكر أنّ بخارى تقع في أوزباكستان الآن.
- المرحلة الثالثة: في هذه المرحلة استطاع قتيبة الباهلي أن ينشر الإسلام في وادي نهر جيحون بأكمله، بالإضافة إلى فتح إقليم سجستان الذي يقع في إيران الآن، كما فتح إقليم خوارزم الواقع حالياً بين دول إيران أفغانستان وباكستان، كما وصلت فتوحاته إلى سمرقند ؛ وهي مدينة تقع وسط آسيا، وضمّها إلى الدولة الأمويّة رسمياً، وقد استمرت هذه المرحلة من سنة 91هـ إلى سنة 93هـ.
- المرحلة الرابعة: فيها فتح قتيبة نهر سيحون بأكمله، ثمّ دخل أراضي الصين ووصل إلى مدينة كاشغر وجعل منها قاعدةً إسلاميّةً، واستمرت هذه المرحلة في الفترة 94-96هـ، وهذه المرحلة كانت أقصى ما وصلت إليه الفتوحات الإسلاميّة في شرق آسيا؛ حيث لم يصل أحد من المسلمين إلى أبعد من ذلك.
فتوحات قتيبة بن مسلم الباهلي
بدأ قتيبة بن مسلم الباهلي فتوحاته الإسلاميّة في عام 705م؛ أي ما يوافق عام 86هـ، حيث منحه الحجاج بن يوسف الثقفي ولاية إقليم خراسان، وقد سار قتيبة على نهج المهلب -والي خراسان من قبله- في الفتوحات، بل وامتاز عليه بوضع خطط جهاديّة ثابتة وهدف محدد قبل كلّ حملة يقوم بها ويسير عليها، وكان يتبع أسلوب الضربات المُتتالية على الأعداء؛ كي لا يترك لهم مجالاً للتجمع أو التحضير للدفاع عن أنفسهم، وبدأ قتيبة مسيرته ليفتح الشرق بأكمله، فبدأ بفتح المدائن وخوارزم، تليهما سجستان، ومنها إلى سمرقند التي حاصرها بشدّة حتى فتحها صُلحاً.
أما الصُّغد فقد حشدوا قوّاتهم وقرّروا قتاله في شومان، وكانت المعركة عنيفةً إلى حدّ كبير، إلّا أنّه هزمهم هزيمةً نكراء، ثمّ اتجه إلى أحد مُدن بخارى وهي بيكَند، وكانت آخر مدينة في بخارى لم يتمّ فتحها، ليلاقيه الصغد ومن والاهم مرّةً أخرى هناك، وقد كان لقتيبة جواسيس كُثر، إلّا أنّ الصغد أمدوهم بالأموال ليثبطوا قتيبة عن قتالهم، لكنّ قتيبة كان فطِناً لهم وقتلهم، ثمّ جمع جيشه وحثّهم على القتال، فقاتلوا بشراسة حتى انتصروا وفتحوا الطرق نحو الصين، وقد غزا قتيبة مدن الصين وانتصر فيها، ثمّ وصل إلى أسوار الصين فاستسلمت له، وأمر بتنفيذ الجزية فيها.