من أول مولود في الإسلام
الإسلام بعد الهجرة
عندما هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة ، بدأ بتثبيت الدعائم التي ستقوم عليها الدولة الإسلامية؛ من خلال ترسيخ الركائز الأساسية للدولة الإسلامية، فأوّل ما قام به النبي -عليه الصلاة والسلام- هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار؛ لتنتشر المحبة والأُلفة بينهم، ويزداد ترابطهم وتماسكهم مع بعضهم البعض؛ فتقاسم المهاجرون والأنصار الأموال والأعمال والبيوت فيما بينهم؛ لكنّ اليهود في المدينة كرهوا هذا الترابط والتماسك والأُلفة بين المهاجرين والأنصار؛ فحينها أخذوا ينشرون الإشاعات والفتن لزعزعة أمن المسلمين، ومن هذه الإشاعات أنّهم سحروا المسلمين كي لا يُولَد لهم مولود ذكر مُطلقاً، إلّا أنّ الله -سبحانه وتعالى- أنعم على المسلمين بولادة أول مولود في الإسلام بعد تأسيس الدولة الإسلامية في المدينة بعد الهجرة.
أول مولود في الإسلام
أوّل مولود في الإسلام من المهاجرين في المدينة المنورة هو الصحابي الجليل عبد الله بن الزُّبير بن العوَّام رضي الله عنه، وسيأتي تالياً ذكر اسمه ونسبه ومولده وبعض الأمور الخاصة به.
مولده ونسبه
اسمه عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي، أمّه الصحابية الجليلة أسماء بنت أبي بكر، هاجرت أمه من مكة وهي حامل به، فولدته في السنة الثانية من الهجرة، وقيل أنّه ولد في السنة الأولى من الهجرة في قباء، وقد استبشر وسُرّ المسلمون بولادته كثيراً؛ لأنّه أوّل مولود للمهاجرين بعد الهجرة؛ خاصةً بعد أنْ قيل أنّ اليهود سحروا للمسلمين ولن يولد لهم، فكَثُر الكلام في ذلك، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتمرة، فمضَغَها، ثمّ تفل في فيه؛ فكان أول شيء دخل في جوف عبد الله بن الزبير ريق النبي صلى الله عليه وسلم، ثمّ حنكه بخبزة. روت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: (فخرجت وأنا متم (أي اقترب موعد ولادتها)، فأتيت المدينة، فنزلت بقباء ، فولدته بقباء. ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره، فدعا بتمرة فمضغها، ثم تفل في فيه، فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ثم حنكه بالخبزة، ثم دعا له، وبرَّك عليه، وكان أول مولود في الإسلام للمهاجرين بالمدينة، قالت: ففرحوا به فرحاً شديداً، وذلك أنهم قيل لهم: إن اليهود قد سحرتكم فلا يولد لكم).
أبناءه وزوجاته
كان للصحابي الجليل عبد الله بن الزبير عدد من الأولاد؛ وهم: خُبيب وحمزة وعبّاد وثابت، وهؤلاء أمّهم تماضر بنت منظور الفزاري، وهاشم وقيس وعروة والزبير، وهؤلاء أمهم أم هاشم بنت حلة بن منظور، وعامر وموسى وأم حكيم وفاطمة وفاختة، وهؤلاء أمّهم جثيمة بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وبكر ورقية، وهؤلاء أمهم عائشة بنت عثمان بن عفان، وعبد الله ومصعب، وأمهم أو ولد.
وصفه وصفاته
كان رضي الله عنه أسمراً نحيفاً ليس بالطويل، وكان يُرى بين عينيه أثر السجود، كما كان يُعرف عنه بأنّه كثير العبادة، وكان مجتهداً، ويُعرف بفصاحته، وشجاعته، وكثرة صيامه وصلاته، يتّصف بالهمة العالية، والنفس الشريفة، كان خفيف اللحية ليس في وجهه شعر كثير، قوي في السياسة، كان لأمّه أسماء بنت أبي بكر، وخالته أم المؤمنين عائشة ، ولجدّه أبو بكر الصدّيق، ولجدته صفيّة عمّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأثر الكبير في شخصيته من جميع النواحي، فكان رضي الله عنه أحد العبادلة الأربعة الذين تفقهوا في أمور الدين في المدينة المنورة، وهم: عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم جميعاً
روى عبدالله بن الزبير بن العوّام عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عدداً من الأحاديث، اتّفق البخاري ومسلم على واحد منها، وتفرّد البخاري بستة منها، وتفرّد مسلم بحديثين، وقد حدّث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في سنٍّ صغيرة، وحدّث عن أبيه الزبير بن العوّام ، وعن جده أبي بكرالصدّيق، وعن عمر وعثمان، وعن خالته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم. كان -رضي الله عنه- فارس قريش في زمانه، وقد قال عنه عثمان بن طلحة رضي الله عنه: كان ابن الزبير لا يُنازَع في ثلاثة: شجاعة، ولا عبادة، ولا بلاغة.
جهاده
كان عبدالله بن الزبير بن العوام صغيراً عندما حضر مع والده غزوة الأحزاب وفتح مكة، فقد كان يُشارك في علاج الجرحى بعد انهزام المشركين، ولم يتجاوز عمره عند وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- إحدى عشرة سنة، وقد عُرِف رضي الله عنه بشجاعته منذ صغره؛ ففي خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ مرّ أمير المؤمنين وابن الزبير يلعب مع الصبيان، ففرّوا، ووقف ابن الزبير، فقال له عمر: مالك لم تفرّ معهم؟ فقال: لم أُجرم فأخافك، ولم تكن الطريق ضيقةً فأوسع لك. شارك رضي الله عنه في فتح شمال إفريقية، وشارك في الدفاع عن عثمان بن عفان يوم الدار، فأُصيب يومها بجروح بليغة، وشارك في معركة الجمل، وقد جُرح يومها بضعةً وأربعين جرحاً. كان رضي الله عنه الساعد الأيمن لمعاوية بن حديج بالفتح والجهاد، فعندما تولى معاوية أَمْرَ إفريقيا؛ بعث عبد الله بن الزبير إلى (سوسة) ففتحها، وكان رضي الله عنه في جيش يزيد بن معاوية الذي توجه إلى القسطنطينيّة.
خلافته
بويِعَ عبدُ اللَّه بن الزبير بالخلافة بعد موت يزيد، وأطاعه أهل الحجاز، واليمن ، والعراق، وخراسان، واستمرّت خلافة ابن الزبير إلى أن ولي الخلافة عبد الملك بن مروان، فجدّد عمارة الكعبة، وأدخل فيها الحجر، فلما قُتل ابن الزبير أمر عبد الملك بن مروان أن تُعاد عمارة الكعبة إلى ما كانت عليه أولًا، ويخرج الحجر منها؛ ففعل ذلك وهذه هي العمارة الباقية.
وفاته
عندما نزل أهل الشام وأهل مصر تحت أمر عبد الملك بن مروان جهّز الجيش، فبعثه إلى العراق، فقتل مصعب بْن الزبير، وأرسل الحجاج بن يوسف إلى الحجاز، فحاصر عبد اللَّه بن الزبير وهو بمكة في أول ليلة من ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين، ونصب منجنيقًا على جبل أبي قبيس، فكان يرمي الحجارة إلى المسجد، ولم يزل يحاصره إلى أن قتل عبد الله بن الزبير في منتصف جمادى الآخرة من سنة ثلاث وسبعين للهجرة.