من أول من سمى القرآن بالمصحف
أوّل من سمّى القرآن بالمصحف
الصحابي الجليل أبو بكر الصدّيق أول من سمى كتاب الله بالمصحف، ويجدر بالذكر إلى أنّه لم يُعرف القرآن الكريم باسم المصحف في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنَّما جاءت هذه التّسمية عندما طلب أبو بكر الصديق من الصّحابي زيد بن حارثة -رضي الله عنهما- أن يجمع القرآن الكريم، وقد ورد عن السّيوطي -رحمه الله- نقلاً عن ابن أشتة في كتاب المصاحف قوله: "لمّا جمعوا القرآن فكتبوه في الورق، قال أبو بكر الصدِّيق: التمسوا له اسمًا، فقال بعضهم: السِّفر*، وقال بعضهم: المصحف؛ فإن الحبشة* يسمّونه المُصحف، فكان أبو بكر أول من جمع كتاب الله وسمَّاه بالمصحف"، ويظهر لنا من هذه الرواية أنَّ القرآن الكريم كُتب في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- في صُحفٍ، ولكنَّها لم تُجمع إلا في زمن أبي بكرٍ الصدّيق، ولا يُفهم من هذا الكلام أنَّ الصُّحف لم تكن مُرتّبة حينها، فقد كان القرآن مكتوباً في عهد النبيّ على الجِلد، والرّقاع*، والأكتاف*، وغير ذلك، فأراد أبو بكر الصدّيق أن يكون جمعه للقرآن بغاية الدقّة والتثبّت، على أن يشتَمل على الأحرف السَّبعة * التي نزَل بها القرآن الكريم، ومن الخصائص التي تميَّز بها جمع أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-: الترتيب، والدِّقّة، وشدّة التحرّي.
ومما يؤكد أنَّ تسمية القرآن الكريم بالمُصحف لم تكن زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ أنَّه لم يثبت عنه أيّ حديثٍ أو روايةٍ أطلق فيها هذا اللفظ على القرآن، أمَّا عن الصحابي الجليل أبو بكر الصديق؛ فلم يكن أول من جمع القرآن الكريم وسمّاه بالمصحف فحسب؛ بل كان أول من تولَّى الخلافة على المسلمين ووالده على قيد الحياة، وهو أول من تولَّى إمارة الحج ، وكان يُفتي الناس في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الفرق بين القرآن والمصحف
هناك عدّة فروقٍ بين لفظ المُصحف ولفظ القرآن ؛ منها أنَّ المُصحف يُطلق على المكتوب بين دفَّتي القرآن أو على الجلد والورق وغير ذلك، أمَّا القرآن فهو كلام الله -تعالى- المكتوب فيه، والمُصحف ما جُمع من الصحائف التي اشتملت على كلمات القرآن الكريم، أمَّا القرآن فهو الألفاظ والكلمات الواردة فيها.
تعريف المصحف
يُطلق لفظ المُصحف في اللّغة العربيَّة على ما يُجمع فيه الصُّحُف، ويتم اقتناء الصحف عادةً للكتابة عليها، وتتكون في الغالب من الجِّلد أو الورق، واللّفظ مأخوذٌ من الفعل أصْحف، ويَصِحُّ قول: مصحف؛ بضمِّ الميم أو كسرها، أمَّا في الاصطلاح الشرعيّ فهو مجموعةٌ من الصحائف التي دوِّن عليها القرآن الكريم بالهيئة التي نزل بها على النبي -صلى الله عليه وسلم- من الوحي جبريل -عليه السلام-، وتلقَّته عنه الأُمّة بالقَبول، وهو مرَتّب الآيات والسور.
________________________________________
الهامش
* السِّفر: يعني الكتاب الكبير، ومنها ما يُطلق على أسفار موسى -عليه السلام-؛ كالأجزاء الخمسة الأولى من التوراة.
* الحبشة: المكان الذي هاجر إليه المسلمون زمن النبي -صلى الله عليه وسلّم-؛ بعداً عن أذى المشركين، ولأنها مكان مناسب لتأسيس الدعوة واستمرارها، وهي إثيوبيا الآن؛ وتقع شرق إفريقيا.
* الرِّقاع: قطعة من الورق أو الجلد، تُستخدم للكتابة عليها.
* الأكتاف: عظام الشاة أو البعير، وكانوا يستخدمونها للكتابة عليها عندما تجفّ.
* الأحرف السّبعة: تعدّدت آراء أهل العلم في المراد من الأحرف السبعة؛ وذلك لأنه لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن صحابته رواية توضّح المقصود بها، ومما جاء من تفسيرات العلماء حول الأحرف السبعة؛ أن المراد منها التوسعة على القارئ لا الحصر، وقيل إنها سبع لغات على لغات العرب كلّها، وهي متفرّقة في القرآن، ومن الأمثلة ما قاله أبو عبيد: لغة قريش، ولغة هوازن، ولغة ثقيف، ولغة اليمن، ولغة هذيل، ولغة تميم، ولغة كنانة، وقيل إن المقصود بها "سبعةُ أوجه من المعاني المتّفقة بالألفاظ المختلفة"، وهذه المعاني متشابهة، ومثال ذلك قول: تعال، وأقبل، وهلمّ، فهي معاني لفظ واحد، وهو طلب الحضور، وعلى ذلك أكثر أهل العلم.