من أول فدائي في الإسلام
الصحابة رضي الله عنهم
يُعرف الصحابي بأنّه من لقي رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مؤمناً به، ومات على الإسلام، وفي الحقيقة إنّ الصحابة -رضي الله عنهم- قد نالوا شرف صُحبة النبي عليه الصلاة والسلام، وبركة رؤيته، إذ إنّ لمشاهدة نور النبوة قوةٌ تجري في قلب المؤمن فتنعكس على جوارحه بركةً وطاعةً طيلة حياته، مصداقاً لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (طوبى لِمَن رآني وآمَن بي وطوبى ثمَّ طوبى لِمَن آمَن بي ولَمْ يَرَني)، فقد أثنى الله تعالى على الصحابة رضي الله عنهم، حيث قال الله تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)، وقد رُوي الكثير من الأحاديث عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- التي تبيّن فضل ومكانة الصحابة رضي الله عنهم، حيث قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيدِه لو أن أحدَكم أنفق مثلَ أحدٍ ذهباً، ما أدرك مدَّ أحدِهم، ولا نصيفَه)، وتجدر الإشارة إلى أنّ أفضل الصحابة -رضي الله عنهم- الخلفاء الراشدون الأربعة، ثمّ الستة الباقون من العشرة المبشرين بالجنة ، ثمّ الذين شاركوا بغزوة بدر، ثمّ الذين شهدوا أحداً، ثمّ أهل بيعة الرضوان.
أول فدائي في الإسلام
كان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أول فدائي في الإسلام، فقد ضرب أروع الأمثلة في التضحية والفداء عندما قرّر كفار قريش قتل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأرسلوا إليه جماعةً من فرسانهم ليضربوه ضربة رجلٍ واحدٍ ليضيع دمه الشريف بين القبائل، ولا يتمكّن بنو هاشم من المطالبة بحقّه، حيث أحاط كفار قريش بمنزله، ولكنّ الله -تعالى- أمره الله ألّا يبيت في فراشه تلك الليلة، فخرج من بيته مهاجراً إلى المدينة، وبات عليٌ بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- في فراشه تلك الليلة، وبقي المشركون ينتظرون خروج النبي عليه الصلاة والسلام، وهم يظنّون أنّه في فراشه، فلمّا خرج عليهم علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- باءت خطّتهم بالفشل، ونجا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكان ذلك الموقف أول موقفٍ من المواقف البطولية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، الذي ضرب أروع الأمثلة في الشجاعة والإقدام، ومن المواقف العظيمة التي دلّت على قوة جأشه وإقدامه، حمله لواء رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يوم بدرٍ ، وهو لا يزال في العشرين من العمر، حيث أظهر في تلك المعركة بطولةً قلّ نظيرها؛ حيث بارز الوليد بن عتبة، وقتله بسرعةٍ خاطفةٍ، ومن مواقفه أيضاً ثباته بجانب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يوم أحدٍ وحُنين، ودفاعه المستميت عن النبي عليه الصلاة والسلام، وقد منحه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الراية يوم خبير ، وقد كان له بطولاتٍ وصولاتٍ وجولاتٍ في تلك المعركة، التي أدّت إلى فتح خيبر، ومن الجدير بالذكر أنّ علياً بن أبي طالب -رضي الله عنه- شهد المشاهد كلّها مع رسول الله، ولم يتخلّف عنه إلّا في غزوة تبوك ؛ لأنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- خلّفه بالمدينة على أهله، فقال علي -رضي الله عنه- يومها: (يا رسولَ اللهِ، خلَّفتَني مع النساءِ والصِّبيانِ؟)، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلةِ هارونَ من موسى إلا أنه لا نُبُوَّةَ بعدي)، وكذلك لم يتخلّف علي -رضي الله عنه- عن حروب الخلفاء الراشدين، حيث كان له دورٌ كبيرٌ في الفتوحات الإسلامية .
شجاعة علي بن أبي طالب وقوته
كان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- مثالاً يُقتدى به في القوة والشجّاعة، ومن أبرز مواقفه البطولية التي سجّلها التاريخ، كان في معركة الخندق عندما حاصر المشركون المسلمين في المدينة ، وتحصّن المسلمون في الخندق، فلم يحصل اشتباك بين الجيشن إلّا بالتراشق بالنبل، فقرّر حينها مجموعةٌ من فرسان قريش اجتياز الخندق، وكان من بينهم فارسٌ ضخم الجثة اسمه عمرو بن عبد ودّ، وبالفعل نجحوا باجتيازه، ونادى عمرو بن عبد ودّ بالمسلمين هل من مبارزٍ، فلم يجبه أحد، ثمّ أعاد السؤال فلم يخرج أحدٌ، فطلب علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- من رسول الله السماح له بقتال ذلك العُلج، فحذّره رسول الله منه، ولكنّ علياً أصرّ فسمح الرسول له، ولمّا خرج عليٌ -كرّم الله وجهه- للمبارزة، قال له عمرو: (ارجع يا ابن أخي فإنّ من أعمامك من هو أسنّ منك، فإنّي أكره أن أُهرق دمك)، فردّ عليه عليٌ -رضي الله عنه- قائلاً: (ولكنّي والله لا أكره أن أُهرق دمك)، فغضب الرجل ونزل للقتال شاهراً سيفه، فتلقّاه عليٌ -رضي الله عنه- بضربةٍ قويةٍ هزّت أركانه، ودار بينهما قتلٌ عنيفٌ، وارتفع صوت صليل السيوف، وغطّى الغبار ساحة القتال، وما هي إلّا دقائقٌ حتى انجلى الغبار، وإذ بعليٍ -كرّم الله وجهه- واقفاً على صدر عمرو بن عبد ود وقد حزّ رأسه، وسيفه يقطر من دماً، فلمّا رأى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- المشهد كبّر الله من شدّة الفرح، وانطلقت صيحات المسلمين بالتكبير، وولّى الذين اجتازوا الخندق برفقة عمرو بن عبد ود هاربين لمّا شاهدوا ما حلّ بابن ودّ.