مقالة عن رأس السنة الهجرية
مفهوم رأس السنة الهجرية
يعتمد المسلمون التقويم الهجري، وتبدأ فيه السنة من اليوم الأول لشهر محرم إلى نهاية شهر ذي الحجة، وسميت بالسنة الهجرية نسبة إلى هجرة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة؛ فالهجرة النبوية الشريفة تعتبر الأساس لبداية الحضارة الإسلامية واتساع نطاقها على مدى التاريخ، وقديمًا كان العرب قبل الإسلام يعتمدون على الأشهر القمرية لتحديد تاريخهم، أما بعد مجيء الإسلام وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أقرَّ المسلمون تقويمًا خاصًا بهم يوثقون فيه الأحداث التاريخية وغيرها، وكان ذلك في سنة سبع عشرة للهجرة.
اعتمد المسلمون التقويم الهجري، والذي بدأ بهجرة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة.
قصة تأريخ السنة الهجرية
ترجع بداية العمل بالتأريخ الهجري إلى زمن الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وذلك عندما أرسل له الصحابي أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- كتاباً يقول فيه: "إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ" ، فجمع عمر -رضي الله عنه- الناس، فقال بعضهم: "أرِّخ بمبعثه"، وبعضهم: "أرِّخ بالهجرة"، فقال عمر -رضي الله عنه-: "الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرِّخو بها".
فلما اتفقوا على ذلك، قال بعضهم: "ابدؤوا بشهر رمضان"، فقال عمر -رضي الله عنه-: "بل بالمحرم فإنه منصرف الناس من حجهم"، ويقصد من اقترح على عمر رضي الله عنه بقولهم "أرّخ بمبعثه": أي مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمقصود بـ " منصرف الناس من حجّهم": أنهم كانوا يعودون من الحج إلى ديارهم في شهر محرم، فاتفق الناس على هذا الرأي، وكانت بداية العمل بالتقويم الهجري سنة سبع عشرة للهجرة.
تم اعتماد التاريخ الهجري في عهد الخليفة عمر بن الخطاب في السنة السابعة عشر للهجرة، وبدأت السنة الهجرية من شهر محرم؛ لأنه الشهر الذي يعود فيه الحجاج من موسم الحج.
أهمية رأس السنة الهجرية عند المسلمين
تمثل بداية السنة الهجرية ذكرى هامة للمسلمين عن هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام وما قدّموا من تضحيات، في سبيل إقامة دعوة الإسلام، وتبليغها للناس جميعًا، وفي هذا اليوم يستقبل المسلمون عامًا جديدًا تتجدد فيه المواسم والمناسبات الدينية، ولهذا اليوم أيضا عند المسلمين رمزية؛ حيث إن وجود تأريخ خاص بهم يعد منجزًا حضاريًا يعتزون به كباقي الأمم.
ولا شكّ أنّ التاريخ الهجري مهم في حياة المسلمين، فهو مرتبط بعباداتهم ومناسباتهم الدينية؛ من صيام شهر رمضان، وست من شوال، ويوم عرفة وعاشوراء، ومرتبط بشعيرة الحج لبيت الله الحرام، لاعتماده على الأشهر القمرية، قال -تعالى-: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)، فلا بدّ للمسلم من معرفة التقويم الهجري؛ للحفاظ على عباداته وشؤونه الدينية.
كما وتعتبر هذه المناسبة ذات أثر في تعزيز مشاعر الثقة بالله في نفوس المسلمين؛ كونها تمثل علامة فارقة في بداية التاريخ الإسلامي حيث نصر الله -عز وجل- نبيه -صلى الله عليه وسلم- وحفظه من أعدائه بالرغم من شدتهم، وقوة سلاحهم، وكثرتهم، وكانت بداية لتأسيس مجتمع مسلم كان نواة ومرجعًا لأجيال المسلمين من بعدهم على مرّ العصور وباختلاف الأماكن، كما أنها كانت بداية لتأريخ أحداث، ومعارك، وتغيرات كان لها الأثر الكبير في تشكيل دول المسلمين وثقافتم وسائر مجالات حياتهم.
التأريخ الهجري له أهمية بالغة في حياة المسلمين؛ نظراً للذكرى العظيمة التي نشأ عنها؛ ولما له من علاقة بالمناسبات الدينية التي يرتبط بها، كما أنه يتضمن أهمية رمزية ومعنوية تمكن في وجود تأريخ خاص بالمسلمين.
عادات المسلمين في رأس السنة الهجرية
عطلة رأس السنة الهجرية هي يوم عطلة رسمية في كثير من الدول الإسلامية، يقوم فيها المسلمون بالتحدث عن هذه المناسبة العظيمة في خطب الجمعة ووسائل الإعلام بكافة أشكالها، كما يتم عقد المؤتمرات واللقاءات من قبل جهات متعددة لتسليط الضوء على هذه المناسبة، وعلى الصعيد الشعبي يتم الاحتفال بهذه المناسبة بطقوس وأساليب مختلفة ومتنوعة.
وفي كثير من الدول الإسلامية يبرز اهتمام الناس واحتفاؤهم بهذه المناسبة من خلال ذهابهم إلى المساجد والمراكز الثقافية والتي بدورها تقوم بعقد المحاضرات والفعاليات لتسليط الضوء على هذه المناسبة؛ فعلى سبيل المثال في مدينة القدس المحتلة يذهب الناس إلى المسجد الأقصى المبارك ليحيوا هذه المناسبة بسماع سلسلة من المواعظ، والدروس، والابتهالات الدينية بحضور شخصيات دينية مقدسية، وكذلك الأمر بالنسبة للمسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل.
كما أنَّ الناس يحتفلون بهذه المناسبة من خلال تبادل التهاني، وصناعة الحلويات والقهوة، وتقديمها كما هو الحال في الأردن والتي تقدم فيها حلوى "المشبك" كنوع من الاحتفال بهذه المناسبة لدى البعض، وفي اليمن في محافظة حضرموت يجتمع الناس في هذا اليوم ليعدوا حساءً تراثياً خاصاً بهذه المناسبة، وسط أجواء من الألفة والمحبة، ويقام "الدان الحضرمي" وهو فن غنائي جماعي مع الرقص التقليدي من الرجال من أبناء هذه المنطقة، وفي مصر يقوم المواطنون بإعداد موائد الطعام والعديد من أصناف الحلويات احتفالًا بهذه المناسبة، ويرتدي الرجال والنساء والأطفال أفضل ثيابهم، ويلتقون في الساحات العامة والمساجد للصلاة وتبادل التهاني بمناسبة العام الهجري الجديد.
أما في الجزائر فتلتفّ العائلات الجزائرية حول مائدة واحدة لإحياء ذكرى رأس السنة الهجرية مليئة بأجواء التسامح والمحبة، والدعاء بأن يجعله الله عام خير وبركة عليهم جميعاً، ولا تخلو المائدة الجزائرية من العديد من الأطباق الشعبية المختلفة، فتتسابق الجزائريات لإعداد الكثير من الأصناف، مثل: الكسكسي، والرشتة، والشخشوخة، وهي أطباق تحضر بطرق تقليدية، وتعد "الدارس" من العادات المتوارثة بين العائلات في هذه المناسبة، حيث يوضع طفل من العائلة في وعاء كبير ويقوم كبير العائلة بغمره بمختلف أنواع الحلويات، كمظهر رمزي للتفاؤل بالعام الجديد، ويتم توزيع تلك الحلويات على أفراد العائلة وسط أجواء سعيدة.
رأس السنة الهجرية يوم عطلة رسمية في أغلب الدول الإسلامية، ويتم الاحتفال في هذا اليوم بطرق متعددة ومختلفة في كل دولة بحسب عاداتها وطقوسها، ولكنهم كلهم يجتمعون في الافتخار بهذا اليوم وتعظيمه، والتحدث عن الهجرة النبوية الشريفة وما فيها من دروس وعبر.