مفهوم المخالفة في الفقه
مفهوم المخالفة في الفقه
يتمّ الاستدلال على النّصوص الشرعية بمنطوقها الذي يدلّ عليه اللفظ مباشرة، أو بمفهومها الذي ينقسم إلى قسمين؛ مفهوم الموافقة، ومفهوم المخالفة، أمَّا عن مفهوم المخالفة؛ فهو أن يدلّ النصّ على المعنى وفقا للمعنى، لا من منطوق ما يُلفظ.
ويكون فيه المعنى المفهوم هنا مُخالفاً للمنطوق، وله أسماء أخرى، مثل: دليل الخطاب، ولحن الخطاب، وشرط الأخذ بمفهوم المخالفة في الفقه أن لا يكون لذكر المنطوق فائدة غير أنّه ينفي حكم غيره، ولمفهوم المخالفة عدة أنواع.
وقد تعدَّدت آراء العلماء في حُجيّة مفهوم المخالفة، فكان رأي الجمهور يقتضي جواز الأخذ بمفهوم المخالفة، لأنّه حُجّة شرعًا، بينما رأى الحنفية أنّ مفهوم المخالفة ليس حجّة شرعًا.
أنواع مفهوم المخالفة
ينقسم مفهوم المخالفة إلى أنواع، بيان بعضها فيما يأتي:
- مفهوم الوصف
من الأمثلة على هذا النّوع قوله -تعالى-: (وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ)، فيخرج منها على مفهوم المخالفة حلائل الأبناء الذين من غير الأصلاب؛ مثل ابن الابن بالرضاعة.
ويندرج ضمن مفهوم الصّفة ؛ مفهوم العِلّة، كما لو قلنا: (أعط السائل؛ لحاجته)؛ فهذا يقتضي عدم إعطاء غير المحتاج، وظرف الزمان؛ مثل: (اذهب؛ غدًا)؛ أي لا غيره، وظرف المكان، مثل: (قف؛ أمام السارية)؛ أي لا تقف خلفها ولا بجانبها، والحال، مثل: (أكرم الطالب؛ متفوقًا)؛ فيخرج منها الكسول.
- مفهوم الغاية
من الأمثلة عليه قوله -تعالى-: (إِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)، ومفهوم المخالفة من الآية أنّها تحلُّ لزوجها الذي طلّقها ثلاث مرّات إذا تزوجت غيره.
- مفهوم الشرط
من الأمثلة عليه قول الله -تعالى-: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا)، ومفهوم المخالفة فيها هو: إنْ لم تطب نفس الزوجة عن شيء من المهر فلا يجوز أخذه.
- مفهوم العدد
وذلك مثل قوله -تعالى-: (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)، فيخرج عن مفهوم المخالفة العدد الأكثر من الثمانين والأقل منه.
ما يخرج عن مفهوم المخالفة
هناك حالات لا يجوز فيها الاحتجاج بمفهوم المخالفة، لكون المنطوق فيها خُصّ بالذكر لفائدة أخرى غير إخراج المخالف من الحكم، وهي كما يأتي:
- الغالب
أي أنْ يكون المذكور هو الغالب، مثل قول الله -تعالى-: (وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم)، فهنا لا يجوز الأخذ بمفهوم المخالفة؛ لأنّ الغالب في تربية الربائب أن يكون في حجور الأزواج.
- خوف التهمة
أي أنْ يكون هناك خوف من التعرّض إلى التهمة لو أنّه ذكر المسكوت؛ كأن يقول مسلم قَرُب عهده بالإسلام لشخص أمام آخرين: (تصدّق على المسلمين)، وهو يريد التصدّق على المسلمين وعلى غيرهم، لكنّه سكت عن غيرهم خشية أن يتّهم بالنّفاق .
- موافقة للواقع
ومن الأمثلة التوضيحيّة عليه قوله -تعالى-: (لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)، فلو أخذنا بمفهوم المخالفة لكان من الجائز اتخاذ الكافرين أولياء مع المؤمنين، لكنّ الآية نزلت في قوم من المؤمنين قاموا بموالاة اليهود دون المؤمنين.
- جواب لسؤال
وذلك عندما سُئِل الرسول -عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم-: (هل في الغنم السائمة زكاة؟) فأجاب: (في الغنم السائمة زكاة).
- بيان حكم حادثة
كما قيل في حضرة الرسول -صلى الله عليه وسلّم-: (لفلان غنم سائمة)، فبيّن أنّ في الغنم السائمة زكاة .
- الجهل بحكم معيّن
كأن يخاطب الرسول -صلى الله عليه وسلّم- شخصًا وهو يعلم جهله بزكاة الغنم السائمة دون المعلوفة.
- العلم بحكم معيّن
مثل العلم بحكم زكاة الغنم السائمة دون المعلوفة.