مفهوم الكفاءة
الكفاءة
تُعَدُّ الكفاءة موضوعاً حديثاً أولاه الباحثون أهمّية بالغة في ما يتعلَّق بتسيير الموارد البشريّة؛ وذلك لما للمَورد البشريّ من أولويّة لدى أيّ مُنظَّمة، حيث إنّه عنصر مهمّ في تحقيق أهدافها من خلال ما يمتلكه من خبرات، ومعارف، ومهارات ، ومن هذا المُنطلَق، فإنّ الكفاءة في تسيير الموارد البشريّة الركن الأساسيّ الذي تعتمدُ عليه المُؤسَّسات؛ في سبيل تحقيق أهدافها المنشودة.
مفهوم الكفاءة
ورد تعريف الكفاءة (بالإنجليزيّة: Efficiency) في لسان العرب لابن منظور على أنّها: النظير، والمُساوي، أمّا في المعجم الوسيط، فقد وردت على أنّها كلمة مُشتَقَّة من (كَفَأَ)، نقول: لَهُ كَفَاءةٌ عِلْمِيَّةٌ؛ أي لديه قُدْرَةٌ ، ومُؤَهِّلاَتٌ عِلْمِيَّةٌ، ونقول: يَتَمَتَّعُ بِكَفَاءةٍ عَالِيَةٍ؛ أي بِقُدْرَةٍ عَالِيَةٍ عَلَى العَمَلِ، وبِجَدَارَةٍ، وَأَهْلِيَّةٍ، والكفاءة لغة تعني: حالة يكون فيها الشيء مُساوياً لشيءٍ آخر، علماً بأنّ مفاهيمها تختلف باختلاف مجالاتها، إلّا أنّ جميعها يتَّفق في التركيز على تحقيق أفضل النتائج بأقلّ التكاليف، والجهود؛ فالكفاءة الإنتاجيّة تختلف مع الكفاءة الفنّية مثلاً؛ فعلى سبيل المثال، نجد أنّ الكفاءة الإنتاجيّة (بالإنجليزيّة: Productive efficiency) في اللغة تعني: تحقيق أكبر قدر من الإنتاج بأقلّ قَدرٍ من المُدخلات، وأدنى تكلفة مُمكِنة، أمّا الكفاءة الفنّية (بالإنجليزيّة: Technical efficiency) فتعني في اللغة: مقياس مقدرة المصنع على بلوغ أعلى مستوى إنتاج مقبول الجودة بأقلّ قَدْر من المدخلات، والمجهودات. أمّا في ما يتعلَّق بمفهوم الكفاءة اصطلاحاً، فقد وردت عدّة تعريفات، نورد بعضها على النحو الآتي:
- عرَّفها (لويس دينوا) على أنّها: "مجموعة سلوكيّات اجتماعيّة، ووجدانيّة، ومهارات نفسيّة، وحسّية، وحركيّة تسمح بممارسة دور ما، أو وظيفة، أو نشاط بشكل فعّال".
- عرَّفتها المجموعة المهنيّة الفرنسيّة (بالفرنسيّة: Le Medef) على أنّها: "مزيج من المعارف النظريّة، والمعارف العمليّة، والخبرة المُمارَسة، والوضعيّة المهنيّة هي الإطار الذي يسمح بملاحظتها، والاعتراف بها، وعلى المؤسَّسة تقييمها، وتطويرها".
- عرَّفتها الجمعيّة الفرنسيّة للمعايير الصناعيّة على أنّها: "استخدام القدرات في وضعيّة مهنيّة؛ بُغية التوصُّل إلى الأداء الأمثل للوظيفة، أو النشاط".
ومن خلال التعريفات السابقة، فإنّه يمكن استخلاص أنّ الكفاءة تعني: عمليّة المقارنة بين الإنتاج، والوضع الحاليّ، وما يمكن أن يتمّ إنتاجه، وتحقيقه، وذلك باستخدام الموارد نفسها، كالموارد الماليّة، والجهود المبذولة، والوقت ، وغيرها.
خصائص الكفاءة
للكفاءة العديد من المُميِّزات التي تساهم في التعرُّف عليها، ومن هذه المُميِّزات ما يأتي:
- ذات هدف مُحدَّد: حيث إنّ الكفاءة تهدف إلى تحقيق غاية مُعيَّنة، وإنجاز هدف مُحدَّد، وذلك عن طريق استثمار المعارف المختلفة؛ لتحقيق هذه الغاية بشكل كامل.
- مُكتسَبة: وتعني هذه الخاصّية أنّ الكفاءة لا تُولَد مع الإنسان ، بل يكتسبها عن طريق التدريب المُوجَّه.
- مُدرَكة: إذ إنّ الكفاءة التي لا يتمّ إدراكها لا يمكن أن تُحقِّق أيّ منفعة للمُؤسَّسة، كما أنّ إدراكها من قِبَل من يملكها يساعد على الحفاظ عليها، والاستفادة منها، وتطويرها.
- ذات تشغيل ديناميكيّ: ويعني ذلك أنّ تحصيلها يعتمد على التفاعُل ما بين مُكوِّناتها المختلفة، وعناصرها، ضمن أبعادها، كالمعارف السلوكيّة، والعمليّة، وغيرها خلال الزمن.
- مفهوم مُجرَّد: حيث لا يمكن رؤيتها، ولا حتى لَمسها، وإنّما تتمّ ملاحظتها من خلال نتائج الأنشطة، وتحليلها، والوسائل المُستخدَمة لتحقيق هذه النتائج.
- مُتقادمة: حيث إنّ عدم استخدام الكفاءة يُؤدّي إلى تقادُمها، وفي حال عدم السماح للأشخاص الذين يُشكّلون مصدراً لها بإظهارها، فإنّ هذا من شأنه أن يُؤدّي إلى تَلاشيها.
أنواع الكفاءات
هناك اختلاف بين الباحثين حول تصنيف أنواع الكفاءات، إلّا أنّ أبرز تصنيف هو تصنيف (Celile Dejoux)؛ حيث صنّفها ضمن 3 مستويات، هي:
- الكفاءة الفرديّة: وهي عبارة عن المهارات، والمُؤهّلات التي يمتلكها الشخص من خلال التجارب الشخصيّة، والمهنيّة، والتكوين بشكل متواصل، بحيث يستخدمها في تحقيق أهداف مُعيَّنة، وبشكل فعّال. ومن الجدير بالذكر أنّ التكوين المُتواصل أمرٌ ضروريّ؛ وذلك لأنّ المهارات، والمُؤهّلات المُرتبطة بزمن مُعيَّن، قد لا تكون مُفيدة في زمن آخر، وخاصّة مع التطوُّر الحاصل في المعلوماتيّة، ممّا يعني الانخفاض في مستوى الكفاءات، أو فقدانها.
- الكفاءة الجماعيّة: وهي كفاءة تنشأ من خلال تضافُر جهود الكفاءات الفرديّة، وتعاوُنها، من خلال التواصُل الفعّال بين الأعضاء جميعهم في العمل، وتوفير المعلومات المناسبة لهم، كما أنّها تُمثِّل حلقة وصل بين الاستعدادات، والمعارف، والقدرات الموجودة لديهم، بحيث يشكِّلون فريقاً مهنيّاً قادراً على تحقيق الأهداف المطلوبة بكفاءة. ومن الجدير بالذكر أنّه يمكن تعريفها حسب (Le boterf) على أنّها: "نتيجة، أو مُحصِّلة تنشأ انطلاقاً من التعاون، وأفضليّة التجميع الموجودة بين الكفاءات الفرديّة، وتتضمّن جملة من المعارف، كمعرفة تحضير عرض، أو تقديم مُشترك، ومعرفة الاتِّصال، ومعرفة التعاون، ومعرفة أخذ، أو تعليم الخبرة جماعيّاً".
- الكفاءة التنظيميّة (الاستراتيجيّة): وتتمّ من خلال إيجاد التكامُل بين الكفاءات الفرديّة، وذلك من خلال اتّباع آليّات مُعيَّنة للتنسيق بينها، علماً بأنّها تُعرَّف حسب (Prahalad et hamel) على أنّها: "توليفة من المهارات، والتكنولوجيّات التي تساهم بطريقة تفسيريّة في القيمة المُضافة للمُنتَج النهائيّ"، وهي تُشكِّل تعلُّماً جماعيّاً ضمن المُنظَّمة. ومن الجدير بالذكر أنّ الكفاءات الاستراتيجيّة تتضمّن عدّة كفاءات تِبعاً للمستوى التسلسُليّ في المُؤسَّسة، وتعدُّد وظائفها، مثل: التخطيط ، والإدارة، والتنفيذ، والرقابة؛ إذ تتمثّل في كفاءة العلاقات الإنسانيّة، والكفاءة التقنيّة، والكفاءة الإداريّة الفنّية من ناحية، وكفاءة التخطيط، والتنفيذ، والإدارة، أوالرقابة ، أو التقييم من ناحية أخرى، علماً بأنّ هذا كلّه بحسب المؤسَّسة نفسها، ونوع عملها، ومدى إدراكها لعلاقاتها مع البيئة المُحيطة بها.