مفهوم الصور البيانية في اللغة العربية
مفهوم الصور البيانية في اللغة العربية
تعدُّ الصور البيانية بابًا من أبواب علم البيان ، وهو العلم الذي يعنى بإبراز مظاهر الجمال ومواطنه في الخطاب، وعلم البيان يرتكز بشكل كبير على بابي التشبيه والاستعارة ، اللذان يتناولان الصور البيانية الفنية، وآليات استعمالها، وكيفية توظيفها، ومدى جِدّتها، فالصور البيانية تتشكل في هذين البابين.
التشبيه
يُعرّف التشبيه بأنّه تمثيل شيءٍ بشيء لعلاقة المشابهة بينهما، ويقوم على ركنين أساسيين هما: المشبه والمشبه به، ولا بد من الإشارة إلى أنّ التشبيه أمرٌ شائع في اللغة العربية؛ لما له من أثر ووقع جميل في النفوس، بالإضافة إلى مساهمته في تقريب المعنى، وتحسين شكل الخطاب، وملامسته ذوق المتلقي، وجذبه للكلام المطروح.
والتشبيه في اللغة العربية أنواع، وله صور عدّة، ولعل الغاية من تعدد صوره زيادة درجة أثر الصورة البيانية في النفس، وترك المجال للمتحدث أن يستعمل الأسلوب الأنجح في كلامه، وهذه الأنواع هي:
التشبيه المرسل المفصل
وهو التشبيه الذي ذُكرت فيه أداة التشبيه ووجه الشبه، وهو أبسط أنواع التشبيه، ومثاله: محمد كالأسد في الشجاعة، فقد صور محمد بالأسد في شجاعته، فهنا نجد أنّ الصورة البيانية واضحة في التركيب، وواضحٌ لنا العلاقة بين المشبه والمشبه به، وهي علاقة الشجاعة.
التشبيه المرسل المجمل
وهو الذي ذُكرت فيه الأداة، وحذف منه وجه الشبه، وهو أبلغ من النوع الأول من التشبيه؛ وذلك لأنّ وجه الشبه غير محدد، ويمكن تأويله تأويلاتٍ كثيرة، ومثال ذلك: الفتاة كالبدر، وهنا نجد أنّ الصورة البيانية أبلغ، فالبنت تشبه البدر ليس بأمر محدد، وإنما في كافة الأمور الجميلة.
التشبيه المؤكد المفصل
وهو التشبيه الذي حذفت منه الأداة وذكر وجه الشبه، ومثال ذلك: أنت نجم في رفعة وضياء، فقد شبه المخاطب بالنجم في رفعته وضيائه.
التشبيه المؤكد المجمل
ويعرف بالتشبيه البليغ ، وهو أعلى درجات التشبيه، وأبلغها إذ يكون تحديده ومعرفة وجه الشبه فيه صعبًا، ومثال ذلك: الرجل بحرٌ، فهنا نجد أنّ الصورية البيانية تتألف من مشبه ومشبه به فقط، دون أي ذكر لوجه الشبه أو الأداة.
التشبيه التمثيلي
يعد التشبيه التمثيلي هو التشبيه الذي تكون فيه الصورة البيانية منتزعة من صورتين، ومثال ذلك:
كأنّ مثار النقع فوق رؤوسهم
- وأسيافنا ليلٌ تهاوى كواكبه.
ففي هذا البيت نجد أنّ الشاعر يشبه صورة غبار المعركة بالليل الحالك، ويشبه صورة ومضة السيوف في وسط هذا الغبار، بالكواكب والشهب التي تتساقط في السماء، وتولد وميضًا يُرى في عتمة الليل.
التشبيه الضمني
هو التشبيه الذي لا يستطيع القارئ فيه استيراد الصورة البيانية من النص، إلا بعد جهد وتفكير، فهو غير ظاهر، ومن أمثلة التشبيه الضمني :
سيذكرني قومي إذا جدّ جدهم
- وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر.
ففي هذا البيت نجد أنّ الشاعر يبني صورةً بيانيةً مُضمنة، هو يشبه حالة قومه عند افتقاد الشاعر، بحالة أُناس يفتقدون البدر لتعذر الرؤية بدونه، فالشاعر يصف نفسه بالبدر في وقت غيابه.
تعدُّ الاستعارة ضربًا من ضربي الصور البيانية، وهي تعدّ أبلغ أنواع الصور، والاستعارة تشبيهٌ بليغ حُذف ركن من ركنيه، إمّا المشبه وإما المشبه به، فهي استحضار لفظ في غير ما وضع له؛ لوجود علاقة مشابهة مع قرينة تمنع إيراد المعنى الأصلي، فهي على هذا الأساس نوعان، وهما كالآتي:
الاستعارة التصريحية
وهي التي يُحذف منها المشبه، ويتم ذكر المشبه به، ومثال ذلك:
وأقبل يمشي في البساط فما درى
- إلى البحر يمضي أم إلى البدر يرتقي.
ففي هذا البيت نجد أنّ الشاعر يشبه سيف الدولة بالبحر تارةً وبالبدر تارةً أخرى، وهو مع ذلك لا يذكر المشبه وهو سيف الدولة، فهو محذوف، وإنما يذكر المشبه به، فهذا الضرب من الصور البيانية شائعٌ، وعلى درجة عليا من البلاغة.
الاستعارة المكنية
وهي تشبيه بليغ ذُكر فيها المشبه، وحُذف منها المشبه به، لكن لا بد من ذكر شيءٍ من لوازمه، ومثال ذلك:
وإذا المنية أنشبت أظفارها
- ألفيت كل تميمةٍ لا تنفع.
فهنا نجد أنّ الشاعر يشبه المنية بوحش مفترس، يظهر أظفاره لينقض على فريسته، ونلحظ في هذه الصورة البيانية أنّ الشاعر لا يصرح بالمشبه به، فقد ذكر المشبه، وحذف المشبه به، ومن ثمّ ذكر شيئًا من لوزامه ألحالنا إليه، وهو الأظفار، فالاستعارة المكنية تتمثل بخفاء المشبه به، وعلينا أن نستنتجه من النص وذلك لتظهر الصورة البيانية واضحة أمامنا.