مفهوم السعادة في القرآن الكريم
مفهوم السعادة في القرآن الكريم
اختلف مفهوم السعادة عند كثير الناس؛ فمنهم ربط تحقيق السعادة بكثرة المال، وبعضهم ظنَّ أنَّ السعادة تتعلق بالمظهر وجماله، ومنهم من يرى أنَّه كلما ارتفع منصبه وزاد جاهه وسلطانه فهو سعيد، فهؤلاء لم يفرقوا بين الطرق والوسائل و الأسباب المؤدية إلى السعادة وبين جوهر وحقيقة السعادة؛ التي يجدر بالعبد المؤمن أن يحرص عليها ويسعى في طلبها.
وإذا بحثنا في الواقع نجد أنَّ كثيراً من الناس يتمتعون بالسعادة والطمأنينة؛ بالرغم من عدم وجود سبل الراحة والعيش الرغيد من مال وسلطة وجاه وغير ذلك، فتجدهم يفرحون ويُسرّون كما لو أنَّ الدنيا حيزت لهم بحذافيرها.
محمد صلى الله عليه وسلم أكمل الناس سعادة
تحققت للنبي -صلى الله عليه وسلم- السعادة المرجوة بجوانها الثلاث التي بينها الله -جلّ وعلا- حيث فقال: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ* وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ)، فشرح له صدره وملأه طمأنينة وسكينة؛ فكان -صلى الله عليه وسلم- من أكثر الخلق انشراحاً في الصدر وأوسعهم فؤاداً وأكملهم حياة إيمانية -صلى الله عليه وسلم-.
ولما شرح الله صدر نبيه -صلى الله عليه وسلم- غفر له الآثام والسيئات، بل غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فالسعادة معينة على فعل الطاعات والعبادات فكلما قام العبد بطاعة زادت سعادته وارتاحت نفسه وهدأ قلبه، على عكس من يفعل المعاصي والموبقات، فإنَّه أقل الناس سعادة وإن كان يتظاهر بذلك غير أنَّه من الداخل يعاني من نوبات التعاسة المصاحبة لفعل المعصية.
وتأتي ثمار السعادة في الدنيا قبل الآخرة على هيئة أن يذكرك الناس بخير ويثنون عليك وتلك هي عاجل بشرى المؤمن، لأجل ذلك خصّ الله -تعالى- نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- بأن رفع له ذكره.
الطريق سعادة الحقيقية هو الإيمان والعمل الصالح
هدا الله -تعالى- أمته إلى الأسباب التي من خلالها تصل إلى سعادة الدارين الحقيقة قال -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ)، فسعادة الدنيا تتعلق تعلقاً شديداً بسعادة الآخرة لا سيما والدنيا مزرعة الآخرة.
ويبين الله -عز وجل- الجزاء الحسن للذين سعدوا في الدنيا ضمن حدود شرع الله -تعالى- فقال -تعالى-: (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ).
سعادة المجتمع في تطبيق شرع الله وتنفيذ أحكامه
المجتمع الذي ينفذ أوامر الله -تعالى- وينهى عن نواهيه، ويحكّم شريعة الله -تعالى- ويطبقها كما أمر وكما بين نبيه -صلى الله عليه وسلم- فإنَّه حتماً مجتمع سعيد تقلِّ فيه الجرائم والمصائب وينتشر فيه العدل، وهو المجتمع السعيد القوي المتعاضد والمتعاون فهو كالبنيان يشد بعضه بعضاً، مجتمع تسود فيه قيم التسامح والتراحم والتكافل.
وحاولت الشعوب والمجتمعات غير المسلمة عبر التاريخ الوصول إلى السعادة الحقيقية بمبادئ وطرق تخالف شرع الله -تعالى- ولكن سرعان ما تبوء محاولاتهم بالفشل الذريع، فلم تجد محاولاتهم نفعاً ولم يحققوا أدنى درجات السعادة.
فلسفة السعادة
تربية النفس ب الابتعاد عن المعاصي واجتنابها والحصول على الأخلاق الطيبة والتجمل بها، وحقيقة هذه الفلسفة أن يترك العبد الدنيا بما فيها، ويتمسك بكل ما من شأنه أن يوصله إلى الله -تعالى-، ولا ويمكن تطبيق هذه الفلسفة إلا بالتزود بمعرفة الخالق -جلّ وعلا- ومعرفة صفاته العلى وأسمائه الحسنى.
والوسيلة الوحيدة لذلك هو أن يتعرف العبد على نفسه، فيصلحها ويعزز فيها القيم التي يحبها الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومن عرف نفسه توصل إلى معرفة خالقه حتماً.
ضوابط السعادة
هناك ضوابط للوصول إلى السعادة منها ما يأتي:
- ضبط النفس عند الغضب ، فعلى العبد أن يكون أكثر ضبطاً للنفس خشية الوقوع فيما لا يحمد عقباه.
- ضبط النفس عند الشهوة فينبغي على العبد أن يكون معتدل الشهوة وإلا فإنَّه سيأخذ بالرخص والمباحات فتهلكه.
- حث النفس على طلب العلم والعمل به.