مفهوم الزمن في الفيزياء
الزّمن
يعبّر الزّمن فيزيائياً عن الفترة المقاسة أو القابلة للقياس، وتتميّز هذه الفترة بافتقارها للأبعاد المكانيّة، كما يعتبر الزّمن من اهتمامات علم الفلسفة بالإضافة إلى أنّه أحد الموضوعات التي تُجرى بها التحقيقات الرياضيّة والعلميّة.
التفسير الفيزيائيّ للزّمن
اعتُبر الزّمن بعصر العالم نيوتن بأنّه أحد الكميّات المطلقة والمتدفّقة بشكلٍ متساوٍ حتّى مجيء عصر العالم آينشتاين الذي قدّم تفسيراً عميقاً لمعنى الزّمن في علم الفيزياء حيث ربط مفهوم الزّمن بالفضاء، أمّا علم الميكانيكا الكلاسيكيّة فقد اعتمد على تفسير نيوتن للوقت.
أمّا آينشتاين فقد افترض الثبات واللانهائيّة لسرعة الصوت في نظرية النسبيّة الخاصّة به، حيث أظهر عن طريق هذه النظريّة التفسير المنطقيّ لمعنى أن يكون هناك حدثان متزامنان، حيث يتطلّب هذا الأمر لوجود مسافة مضغوطة بالإضافة لظهور فترات زمنيّة بشكلٍ طولي للأحداث المرتبطة بحركة الأجسام نسبةً لمراقبةٍ ذاتيّةٍ.
أظهر العالم آينشتاين أنّه يمكن قياس الوقت والفراغ باستخدام ظاهرة الكهرومغناطيسيّة كالضوء الذي يسير بين مرآتين، ومن خلال ثبات قيمة سرعة الصوت فإنّ الزّمن والفضاء يصبحان مرتبطين معاً رياضياً بطريقةٍ تسمّى فضاء مينكوفسكي والتي تعتبر نتيجة تغيّر لورنتز، والارتباط بين اشتقاقات الكميّات الفيزيائيّة المهمّة كالطاقة، والزّخم، والكتلة، والقوّة وغيرها، بالاتجاهات الأربعة.
الزّمن في الميكانيكا الكلاسيكيّة
استُخدمت فرضيّة نيوتن للوقت بأنّه "نسبي، وظاهر، ووقتٍ مشترك" في الميكانيكا الكلاسيكيّة وفي الصيغة الخاصّة بفرضيّة تزامن السّاعة. ويمكن مشاهدة الأحداث من خلال استخدام مشاهدتين حركيتين مختلفتين نسبيتين لبعضهما البعض وإنتاج تفسير رياضي للوقت والسّاعة الذي يمكن استخدامه لوصف الظاهرة التي يراها النّاس يومياً بشكلٍ جيّد.
الزّمن في الفيزياء الحديثة
واجه العلماء في أواخر القرن التّاسع مشاكلاً مع المفهوم الكلاسيكيّ للزّمن وارتباطه بالسلوك الكهربائيّ والمغناطيسيّ، وقام العالم آينشتاين بحل هذه المشاكل عن طريق ذكر طريقة لتزامن الساعة باستخدام رقماً ثابتاً لا نهائيّاً وهو سرعة الضوء واعتباره أكبر قيمة للسرعة، حيث قاد هذا التفسير إلى استنتاج أنّ حركة جسمين بالنسبة لبعضهما البعض سيقيسان زمنين مختلفين لنفس الحدث.
الزمن والفضاء
ارتبط مفهوم الزّمن بالفضاء منذ التاريخ القديم، حيث إنّ كليهما يحتويان على مكان وزمن في النظريّة النسبيّة للعالم آينشتاين، والنظريّة العامّة للنسبيّة، حيث إنّ مفهوم الوقت في كلتا النظريتين يعتمد على مرجع مكانيّ للمشاهد، ومعرفة الإنسان، بالإضافة للزمن المقاس باستخدام الأدوات الخاصّة كالسّاعة والذي يختلف في الحركة النسبيّة، حيث إنّ الوقت الماضي هو مجموعة الأحداث التي ترسل موجات ضوئيّة للمشاهد، والمستقبل هو مجموعة الأحداث التي يُمكن للمشاهد أن يرسل الموجات الضوئيّة لها.
بداية الزمن
ناقش الإغريق القدماء أصل الوقت بجديّةٍ، حيث اعتقد أرسطو أنّه لا يوجد بداية للوقت، وقد أربك اعتقاده المبدأ الذي ينص على أنّه لا شيء يوجد من اللاشيء، حيث إنّه لا يمكن أن يكون الكون قد تكوّن من العدم، وبالتالي فإنّه لا بدّ أنّه كان موجوداً دائماً، ونتيجةً لذلك يجب أن يكون الزمن ممتداً للانهائيّة في الماضي والمستقبل. أمّا اللاهوتيون المسيحيون فقد مالوا لاتخاذ وجهة النظر المعاكسة، حيث قال أوغسطين أنّ الله موجود خارج المكان والزمان، وقادر على جلب المركّبات إلى الوجود وبناء الجوانب الأخرى من العالم، كما ذكر أنّ الوقت هو جزء من خلق الله وبالتالي فإنّه لا يوجد وقت قبل الخلق.
قادت نظرية النسبيّة لآينشتاين العلماء إلى نفس النتيجة، حيث احتوت النظرية على أنّ الوقت والفضاء كيانان ليّنان ومرنان، فعلى أضخم مقياس يكون الفضاء متحرّكاً بشكلٍ طبيعي يتوسّع ويتقلّص مع الوقت، حاملاً معه المواد المختلفة، وقد أثبت علماء الفضاء في العشرينات من القرن التاسع عشر أنّ الكون في حالة تمدد، وتزداد المسافة بين المجرّات، أمّا في الستينات من القرن التاسع عشر فقد أثبت العالمان الفيزيائيان ستيفين هوكينغ، وروجر بينروز أنّه لا يمكن للوقت التمدد عكسياً نهائياً، فعند إرجاع الكون للزمن السابق فإنّ المجرّات تتجمّع معاً في نقطة صغيرة جداً، يُطلق عليها النقطة الفريدة، كأنّها تنتقل إلى ثقبٍ أسودٍ، ويصبح حجمها صفراً، وبالتالي فإنّ الكميات الفيزيائيّة كالكثافة، ودرجة الحرارة، والزمان المكاني تصبح غير نهائيّة، فالنقطة الفريدة هي أقصى طوفان يمكن أن يصل إليه أصل الكون .
أدّى المبدأ السابق لحدوث مشاكل خطيرة لعلماء الكون ، وتحديداً لأنّه لا يتوافق مع الدرجة العالية من التماثل وتوحّد الخواص التي يتميّز بها الكون على نطاقٍ واسع، حيث يجب أن يكون هناك نوع من الاتصال بين المناطق البعيدة من الفضاء لكي ينظر الكون بشكلٍ واسع إلى نفس المكان من كل مكان، ولكن إنّ فكرة التواصل تتناقض مع النموذج القديم للكون، وللتحديد، عند النظر إلى ما حدث قبل 13.7 مليار سنة منذ إطلاق إشعاع الموجات الكونية الصغيرة، فإنّ المسافة بين المجرّات قد اتسعت بمعامل يساوي 1000 نتيجةً للتمدد، أمّا قطر الكون الملحوظ فقد نما بمعامل أكبر بكثير حيث يساوي 100000 تقريباً، وذلك لأنّ الضوء يفوق التوسّع، حيث إنه يمكننا رؤية أجزاء من الكون لم تكن مرئية قبل 13.7 مليار سنة، حيث إنّها تكون المرّة الأولى بالتاريخ الكوني التي يصل بها الضوء القادم من المجرّات البعيدة إلى درب التبانة.