مفهوم الجمال في الإسلام
مفهوم الجمال لغةً
وردت في اللغة العربية كلمات عدة دلت على مفهوم الجمال بمعناه العام، كما جاء هذا المفهوم ليدل على معانٍ خاصة، ففي كتاب فقه اللغة للثعالبي قسم مفهوم الحسن عدة أقسام تحمل كل منها دلالة على معانٍ معينة، فالوضاءة تكون في البشرة، والجمال في الأنف، والصباحة في الوجه، والرشاقة في القد، والملاحة في الفم، والحلاوة في العينين، واللباقة في الشمائل، والظرف في اللسان، ونجد في القرآن الكريم ألفاظاً عدة دلت على مفهوم الجمال منها البهجة والحسن والجمال والزينة والنظرة، وفي لسان العرب الجمال من فعل جمل، ومصدره جميل، وعند ابن سيده يشير معنى الجمال لغة إلى الحسن في الخلق والفعل، وعند ابن الأثير الجمال يقع على المعاني والصور، ويقال حسنت الشيء زينته، والحسن ضد القبح ونقيضه، والإحسان ضد الإساءة، وفي الصحاح الحسن معناه الجمال.
مفهوم الجمال في الإسلام
يشير مفهوم الجمال في الإسلام إلى معانٍ عدة منها:
جمال الخَلق
من الجمال المعتبر في الإسلام جمال صورة الإنسان، ومن ذلك جمال الأنبياء، فقد جاء في السنة النبوية أنّه كان: (تَلَأْلَأُ وجهُه تَلَأْلُؤَ القمرِ ليلةَ البدرِ)، إشارة إلى جمال النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وإنّ الجمال النبوي هو مظنة جلب محبة الناس، وتأليف قلوبهم، وتحبيهم في صاحب الرسالة والدعوة، وبالتالي تحقيق المقصد التعبدي فيما أتاه الله للإنسان من فضيلة حيث يستثمر ذلك الحسن في الدعوة إلى دين الله تعالى، ولايوفق الإنسان في ذلك إلا بإصلاح باطنة وتجميله، ومن الجمال المعتبر في الإسلام جمال النساء، وفي الحديث الشريف قول النبي عليه الصلاة والسلام لعمر: (ألا أخبركُ بخيرِ ما يكنزُ المرءُ؟ المرأةُ الصالحةُ، إذا نظرَ إليها سرَّتْه، وإذا أمرَها أطاعَتْه، وإذا غابَ عنها حفظَتْه)، ولا شك بأنّ المرأة الصالحة هي التي تتمتع بالحسن والجمال في الظاهر والباطن، فتبعث السرور في نفس زوجها إذا نظر إليها، كما تبعث السرور في نفسه بطاعتها له، وحفظها لماله وولده وبيته.
حثّ النبي عليه الصلاة والسلام من أراد خطبة امرأة أن ينظر إليها، فالنظر مظنة الاستدلال على جمال المرأة، ذلك أنّ الرجل يحقق متعته النفسية في نظره لزوجته ومقصد الشريعة الإسلامية في بناء الأسرة على معاني الرحمة والسكينة والمودة، وكذلك من الجمال المعتبر في الإسلام جمال الحيوانات التي خلقها الله في خلقة سوية تبعث السرور في نفس من يسخرها في مرعاه وركوبه وسائر شؤون حياته، قال تعالى: (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ*وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ*وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ).
جمال الخُلق
إنّ الدين الإسلامي غني بالأخلاق السامية الرفيعة، كالشجرة الباسقة التي تأتي ثمارها الطيبة في صورة عدة من السلوك والوجدان، فلا يصدر عن المسلم تعبير أو سلوك قبيح، ومن الخلق الجميل في القرآن الكريم الصبر الجميل، قال تعالى: (وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ)، وإنّ الجمال في الصبر يكون في مجاهدة العبد الصابر لنفسها وحملها على تحمل الهموم والأحزان بحيث لا يرى الله والناس منه إلا الصبر ، مع الالتجاء لله تعالى وحده والدعاء، قال تعالى: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)، وكذلك من الخلق الجميل في الإسلام الصفح الجميل، قال تعالى: (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ*إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ)، حيث إنّ الداعية إلى الله يقابل الإساءات بالعفو والصفح، ولا يقابلها بالمشاعر الانفعالية، بل بالمشاعر الإيجابية الجمالية التي تجذب الناس إلى دين الله كما تقوّي شوكة الإسلام والدعوة .
الجمال في القرآن الكريم
تحدث القرآن الكريم عن آثار الجمال التي قد تكون أثراً في العين أو على النفس، قال تعالى: (إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ)، فالسرور في الآية الكريم هو شعور يتولد في النفس عند رؤية كل شيء جميل، كما أنّ من آثار الجمال في القرآن الكريم ما يحدثه نعيم الجنة من لذة للأعين التي تراه، قال تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ)، كما جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ)، فالإعجاب هو كذلك أثر من آثار الجمال على النفس الإنسانية.
أقسام الجمال
ينقسم الجمال إلى نوعين عند ابن القيم هما كالآتي:
- الجمال الباطن: هذا الجمال هو ما كان محبوباً لذاته، ومثال عليه جمال العلم، والعقل، والعفة، والشجاعة.
- الجمال الظاهر: هو الصوت الحسن والصورة الحسنة، وهذا الجمال هو مما خص الله به بعض الصور عن بعض، كما أنّه زيادة في الخلق وكمال، قال تعالى: (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء).
التجمُّل في الإسلام
جعل الإسلام طهارة البدن الكاملة أساساً لا بدّ منه لكل صلاة، كما دعا الإسلام إلى أن يعتني المسلم بمظهره، ويأخذ زينته عند الذهاب إلى المساجد، إذ قال الله تعالى: (يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)، كما بيّن النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الشريف أنّ المسلم يبعث يوم القيامة على الهيئة التي كان عليها في الدنيا من الحرص على نظافة البدن، ووضاءة الوجه، ففي الحديث الشريف: (فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ).