مفهوم التفسير بالمأثور
مفهوم التفسير بالمأثور
أنزل الله -تعالى- القرآن الكريم وأمر بتدبره، والتفكر فيه والعمل بما أمر قال -تعالى-: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)، وما يساعد المسلم على تدبر القرآن الكريم هو معرفة معاني مفرداته وآياته.
وظهر علم التفسير مع نزول القرآن الكريم، وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- أعلم الناس بكتاب الله؛ يبين للناس معانيه، ويوضح لهم آياته، ويجيب الصحابة -رضي الله عنهم- إذا أشكل عليهم فهم الآيات، وفيما يأتي بيان لمعنى التفسير بالمأثور:
- المأثور في اللغة: من الأثر، والجمع آثار.
- اصطلاحاً: هو تفسير القرآن الكريم، وبيان معانيه بما ورد في القرآن الكريم نفسه، أو بما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في السنة النبوية، أو بأقوال الصحابة -رضي الله عنهم-.
مصادر التفسير بالمأثور
من مفهوم التفسير بالمأثور يظهر جلياً مصادره، وهي:
المصدر الأول القرآن الكريم
وهو أصح طرق التفسير بالمأثور فالقرآن الكريم اشتمل على تفسير المجمل، أو تفسير الآية بأية أخرى؛ والله -تعالى- تكفل بحفظ القرآن الكريم وبيانه، قال -تعالى-: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ).
وعن طريقه يتم مقابلة الآيات بعضها ببعض؛ والسبب في ذلك حتى يتبين ما جاء موضحاً وما جاء مجملاً، ويحمل المطلق على المقيد، ويخصص العام وبهذا يكون قد فسر القرآن الكريم بالقرآن، ثم يفهم مراد الله -تعالى- من الآيات، وهي أول مراحل ومصادر التفسير وأهمها.
وحتى يُفهم المعنى أكثر نذكر بعض الأمثلة من القرآن الكريم، قال -تعالى-: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، بينت هذه الكلمات آية أخرى، في قوله -تعالى-: (قالا رَبَّنا ظَلَمنا أَنفُسَنا وَإِن لَم تَغفِر لَنا وَتَرحَمنا لَنَكونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ).
وعندما أشكل على الصحابة فهم معنى (الظلم) في قوله -تعالى-: (الَّذينَ آمَنوا وَلَم يَلبِسوا إيمانَهُم بِظُلمٍ أُولـئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُهتَدونَ)، بين لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- معنى الظلم؛ بأنه الشرك لقوله -تعالى-: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
المصدر الثاني السنة النبوية
يفسر النبي -صل الله عليه وسلم- ما أشكل فهمه على الصحابة من خلال السنة النبوية ؛ فهي شارحة للقرآن الكريم، وموضحة له قال -تعالى-: (وَأَنزَلنا إِلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيهِم وَلَعَلَّهُم يَتَفَكَّرونَ)، وفي كثير من الأحيان تبين السنة النبوية معاني القرآن الكريم، وتوضح المجمل فيه.
قال -تعالى-: (فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)، فالصلاة مفروضة على المسلمين وهي ركن من أركان الدين؛ أما كيفية أدائها فالسنة النبوية بينت ذلك؛ وفصلت في كيفية أدائها، وكان -صلى الله عليه وسلم- يشرح لهم ما صعب عليهم فهمه، وما عجزوا عن إدراكه، ولا يكون ذلك إلا بعد فهم معاني آيات القرآن الكريم، وتدبر معانيه.
المصدر الثالث صحابة رسول الله رضي الله عنهم
والصحابة هم جنود الدعوة إلى الإسلام بالكلمة وبالنفس، وكانوا أحرص الناس على تعلم القرآن الكريم ، يعرفون بعض معانيه بسليقة فطرتهم التي جبلوا عليها، يسيرون على نهج معين في فهم آي القرآن الكريم؛ فعندما يشكل عليهم فهم بعض آيات القرآن الكريم، يبحثون عنها في كتاب الله -تعالى-، فإن لم يجدوا لها تفسيراً في كتاب الله، بحثوا في أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وإن لم يجدوا، اجتهدوا في تفسيرها؛ ومن الأمثلة على ذلك تفسير عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- لقوله -تعالى-: (وَما جَعَلنَا الرُّؤيَا الَّتي أَرَيناكَ إِلّا فِتنَةً لِلنّاسِ وَالشَّجَرَةَ المَلعونَةَ فِي القُرآنِ وَنُخَوِّفُهُم فَما يَزيدُهُم إِلّا طُغيانًا كَبيرًا)، فقد قال: "الرؤيا التي هي رؤيا عين، أريها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ ليلة أسري به، والشجرة الملعونة شجرة الزقوم".
وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- لا يتكلفون في التفسير، ولا يتعمقون فالاكتفاء عندهم بالمعنى العام للآيات؛ من غير تفصيل فيما لا فائدة منه، كما يكتفون بفهم المعنى الإجمالي الذي يوصلهم إلى فهم دلالة الآية، كيف لا وهم أهل اللغة، وقد عاصروا تنزيل القرآن الكريم، وكان جل اهتمامهم فهم القرآن الكريم، ومراد الله -تعالى- منه.
المصدر الرابع التابعين
سار التابعون على نهج الصحابة -رضي الله عنهم-؛ في تفسير آيات القرآن الكريم، ومن ذلك ما ذكره مجاهد في تفسير قوله -تعالى-: (وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ)، فقال: "الإبكار أول الفجر، والعشي ميل الشمس إلى الغروب".
من كتب التفسير بالمأثور
ومن كتب التفسير بالمأثور نذكر ما يأتي:
- الدر المنثور في التفسير بالمأثور، للإمام السيوطي.
- تفسير القرآن العظيم، لابن كثير.
- جامع البيان ، لابن جرير الطبري.