مفهوم التربية وخصائصها
مفهوم التربية وخصائصها
تتجه التربية إلى الجانب النفسيّ، والعقلي لدى الإنسان أكثر من الجانب الجسدي، وذلك أنّ الجسد ينمو، وينضج وفق قانون طبيعيّ خاص به، يكفي فقط أن نُوفّر له الحاجات الأساسية لكي ينمو لوحده، وكأنّه آلة ذات حركة ذاتية، تقوم بوظيفتها دون الحاجة إلى توجيه، أما الجانب النفسي، والعقلي، فهو لا ينمو، ولا يتطوّر إلا بجانب تربويّ، يتضمّن التعليم ، والتهذيب، والرعاية، فإذا ترك الإنسان على طبيعته فسيكون محدود القدرات العقليّة، والنفسيّة، وهذا هو حال الأفراد الذين يعانون من إعاقاتٍ عقلية، أو اختلالاتٍ نفسية شديدة.
تعريف التربية
مصطلح التربية في اللغة مشتق من فعل ربا، ويعني رعى، أو أنشأ، أو هذّب، أو أصلح، ويُطلق لفظ التربية بشكلٍ عام على الكائنات الحية التي تنمو، وتمتلك نفساً، وروحاً، وهذا المصطلح أطلق على فعل التهذيب، والرعاية للحيوانات أيضاً، فنحن نطلق لفظ التربية على الحيوانات الداجنة، والتي تنمو، وتعيش في كنف الإنسان، كأن نقول: تربية الدواجن ، أو الطيور، أو المواشي وهكذا. التربية اصطلاحاً: هي مجموعةٌ من الأفعال، أو الجهود التي تسعى إلى تغيير طبيعة الإنسان ، وتهذيبها، وتطويرها، ضمن منهجيّة سلوكيّة، ونمائية مُنطلقة من مبادئ سليمة، تجعل الأفراد أكثر إيجابيةً، واندماجاً في المجتمع الذين يعيشون به. بشكل عام يُمكن أن نقول إنّ التربية هي مجموعة الأفعال التي تدخل في باب الرعاية، والعناية، والتهذيب، وغايتها استكمال نقص الكائن الحيّ، بغية أن ينمو ، ويتطوّر في جسده، ونفسه. تعرف التربية من وجهة نظر اجتماعيّة بأنّها: تمرير مجموعة من المعطيات الثقافية، سواء كانت أفكاراً، أو تصورات، أو معلومات، أو معارف، أو قيماً، وعادات، وتقاليد، أو رموز، وسلوكيات، وأفعال مرجعيّة وغيرها من المعطيات التي أوجدها المجتمع ، أو جماعة معينة في مسارها الحياتيّ عبر الأجيال، وتحوّلت بعد ذلك إلى قيم مرجعيّة مثالية، يفترض أن يتمّ نقله إلى الإجيال القادمة لضمان التماسك الاجتماعي، والثقافي، والروحي الذي يتمّ نقله من خلال التربية. إن التربية هي نقل للنسق الثقافة المجتمعية إلى البنية اللا شعورية للفرد، حتى تصبح أُطراً مرجعية مُترسّخة في نفوس الأفراد؛ بحيث يتصرّف الأفراد وفقها بطريقةٍ بديهيّة، وطبيعيّة دون أي ترتيب.
خصائص التربية
للتربية خصائص عدة أهمها:
- التربية وعلاقتها بماهية الإنسان: أي جوهره الذي يُميّزه عن باقي المخلوقات، والذي تستقرّ به حقيقة الإنسان باعتباره كائناً عاقلاً، ومميزاً، ويأتي دور التربية هنا في التأثير المباشر على هذا الجوهر، وتعديله، وصقله، وتهذيبه، بما يتوافق مع غايتها، ومبادئها، ومن هنا نجد أنّ التربية خاصيّة مميّزة للإنسان عن بقية المخلوقات؛ حيث هو من يفعل التربية على بقية الكائنات، ومن يقام عليه فعل التربية أيضاً.
- التربية في مدى تأثيرها على الإنسان، وغايتها منه: حيث يُعرف فعل التربية بأنّه فعل قصديّ، أو حركة مُوجهة غايتها إحداث تحوّل إيجابيّ، ومحمود في ذات المتربي، وهو لُبّ غايتها، وسعيها، لذا نجد أرسطو قد وضّح التربية بمفهوم غريب بعض الشيء حين عرفها على أنها نقلة نوعية تتوخّى نقل المتربّي من حال القصور، إلى حال القدرة، أو الكمال النسبي، أو نقله من حال الجهل، إلى حال المعرفة والعلم . لذلك فإنّ غاية التربية هي تربية الجانب الإنسانيّ في الانسان، بمعنى أن دون التربية ستنتصر الحيوانيّة على الجانب الإنسانيّ في الإنسان، وسيطلق لها العنان للفساد، والتمرّد، وفعل كل ما هو منافٍ لطبيعته البشرية.
- التربية في علاقتها بالسياق الاجتماعيّ بشكلٍ عام: يقصد في هذا البند أنّ الطبيعة الاجتماعيّة للإنسان هي ما تدفعه لأن يُربّي، ويتربّى، بمعنى أنّ التربية في غايتها تحمل بعداً اجتماعيّاً واضحاً، يُربّي أفراداً جدداً لكي يصبحوا كائنات اجتماعيّة، قادرين على التجدد، والتطور الذهني، والمعرفي، والسلوكي في المجتمع. إن التربية تسعى إلى إخراج الأفراد من دائرة الطبيعة الحيوانية، إلى دائرة الثقافة، والارتقاء السلوكي، والمجتمعي، من خلال التشبع بالثقافة الاجتماعية، لذا فالتربية هي فعل اجتماعيّ يسعى أن يصنع من الإنسان كائن اجتماعي فعّال، ومندمج في البيئة التي يعيش بها.