مفهوم الالتماس في البلاغة
تعريف الالتماس في البلاغة
الالتماس هو الطلب من المتساوي في الفضل والرتبة، ومن كانا من الأنداد (المتشابهان في المنزلة)، ويسمى الالتماس سواء كان التساوي حقيقياً كتساوي الصديقين أو كان التساوي مزعوماً من قبل المتكلم كالمدير والموظف، وهو من المعاني البلاغية التي تأتي في الأساليب الطلبية، وهو يأتي في أسلوبين من الأساليب الطلبية وهما الأمر والنهي.
والالتماس هو رتبةٌ بين الأمر أو النهي والدعاء حيث أنّ الأمر والنهي يكون من الأعلى للأدنى كقوله تعالى في الأمر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، فالأفعال (اتقوا، ابتغوا، جاهدوا) هي أفعال أمر لأنها صدرت من الأعلى (الله تعالى) للأدنى (المؤمنين).
ومثال النهي قوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}، فالأسلوب (لا تجعلوا) أسلوب نهي لأنه من الأعلى (الله تعالى) للأدنى (العباد)، أما الدعاء فيكون من الأدنى للأعلى كقوله تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا}، فالأساليب (لا تحملنا، اغفر لنا) أساليب دعاء لأنها من الأدنى (المؤمنين) للأعلى (الله تعالى).
الالتماس في الأمر
قد يخرج الأمر عن معناه الحقيقي للدلالة على معانٍ أخرى، ومن هذه المعاني الالتماس وهو طلب الفعل الصادر من الأنداد، ومن الأمثلة عليه:
- قول امرئ القيس
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِ
- بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
فالفعل (قفا) خرج من معنى الأمر لمعنى الالتماس؛ لأن الشاعر يخاطب صاحبيه والأصحاب متساوون في الرتبة.
- قول البارودي
يَا نَدِيمَيَّ فِي سَرَنْدِيبَ كُفَّا
- عَنْ مَلامِي فَلَيْسَ يُغْنِي الْمَلامُ
أَنَا فِي هَذِهِ الدِّيَارِ غَريبٌ
- وَغَرِيبُ الدِّيَارِ لَيْسَ يُلامُ
وَاذْكُرَا لِي فُسْطَاطَ مِصْرَ فَإِنِّي
- بِهَوَاهَا مُتَيَّمٌ مُسْتَهَامُ
فالأفعال (كفا، اذكرا) خرجت عن معنى الأمر لمعنى الالتماس لأنّ الشاعر يوجه الكلام لصاحبيه والأصحاب متساوون في الرتبة.
الالتماس في النهي
قد يخرج النهي عن معناه الحقيقي إلى معانٍ أخرى، ومن هذه المعاني الالتماس وهو نهي موجه من نظيرٍ لمن يساويه في المنزلة، ومن أمثلته:
- قوله تعالى على لسان هارون
{قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي}، فالأسلوب (لا تأخذ) خرج عن أسلوب النهي ليدخل في معنى الالتماس لأن الخطاب موجه من الأخ لأخيه والإخوة متساوييان في الرتبة والفضل.
- قول عمر بن أبي ربيعة:
فَلا تَقتُليني إِن رَأَيتِ صَبابَتي
- إِلَيكِ فَإِنّي لا يَحِلُّ لَكُم قَتلي
فالأسلوب (لا تقتليني) خرج عن أسلوب النهي ليدخل في معنى الالتماس؛ لأن الخطاب موجه من الشاعر لمحبوبته وهما متسويان في الرتبة.
الالتماس في اللغة
جذر الالتماس، هو اللمس ومعناه في اللغة الجسُّ واللمس باليد، والالتماس لغةً: الطلب، وأصل لمس في اللغة يدور حول طلب الشيء، ومنه لمس بيده إذا طلبه ليلمسه.
علاقة التعريف اللغوي بالتعريف الاصطلاحي
معنى الالتماس في اللغة هو الطلب مطلقاً، وفي الاصطلاح هو الطلب من النظير، وعلى هذا يكون المعنى اللغوي أعم من المعنى الاصطلاحي وبينهما العموم والخصوص المطلق.