مفهوم الاغتراب في الفلسفة
مفهوم الاغتراب
الاغتراب لغةً تعني النزوح عن الوطن، والزواج في غير الأقارب، ولهذه الكلمة معانٍ أخرى منها: النفسيّ، والدينيّ، والاجتماعيّ، والحقوقيّ، والقانونيّ، ووفق هذه المعاني وتبعاً لمعايير أخرى اتخذ مفهوم الاغتراب عدّة أنماط اختلف الكتّاب في تصنيفها، وعلى وجه الخصوص كتّاب القرنين التاسع عشر والعشرين.
الاغتراب في الفلسفة
يعتبر الاغتراب الذاتيّ من أهمّ مفاهيم الاغتراب وأصعبها، وقد اختلفت آراء الفلاسفة في تعريف الاغتراب، حيث يرى:
- (سيجموند فرويد): بأنّ الاغتراب هو شعورُ الانفصام والصراع بين قوى اللاوعي الدفينة في الذات وبين الذات الواعية.
- (غوين نيتلر): بأنّ الاغتراب عبارةٌ عن حالةٍ نفسيّة من حالات الفرد السويّ، حيث إنّ الإنسان الاغترابيّ هو الذي يشعر بانّه غريبٌ في مجتمعه، أو هو من تمّ تحويله إلى إنسانٍ ذي علاقة غير وديّة مع مجتمعه بمفهوم ثقافة ذلك المجتمع.
- (موري ليفن): بأنّ الصفة التي تميّز الإنسان الاغترابي هو شعوره بأنّه غير قادرٍ على تحقيق رسالته الصحيحة في مجتمعه.
- (إيريك) و(ماري جوسفسون)يعتقدان بأنّ الاغتراب هو عبارةٌ عن شعورٍ فرديّ، أو هو حالةُ انفصالٍ عن الذات وبالتالي انفصالٌ عن الآخرين والعالم بأسره.
- (جين كالفز) بأنّه عبارةٌ عن تعبيرٍ عن موقف استنكارٍ، أو نمط الذات المطلقة للعالم الواقعيّ الماديّ.
- الفيلسوف الوجوديّ (جان بول سارتر) بأنّ الاغتراب هو حالةٌ طبيعيّةٌ في عالمٍ فاقدٍ للهدف وللغاية، حيث أنّ اللامعقول عند الفلاسفة الوجوديين بشكلٍ عام وعند سارتر بوجهٍ خاص مقولةٌ أساسيّة.
- أمّا الفلاسفة الاجتماعيّون، مثل: (إميل دوركهايم)، و(فريديناند تونز)، و(ماكس فيبر)، و(جورج سيمل)، وهم أصحاب نظريّة (مجتمع الجمهور): بأنّ محلّ الاغتراب هو في المجتمع، حيث يشرح (دوركهايم) فكرة تحلّل الفرد من كلّ رباطٍ قانونيّ، حيث يرى الاغتراب في انحلال كافة العُرى الاجتماعيّة الناتجة عن التصنيع، وزوال المجتمع التقليديّ وتغيّر ملامحه، أمّا (فيبر) فقد أشار أثناء شرحه لمفهوم وظاهرة الاغتراب، إلى عمليّة التحوّل الأساسيّ نحو الصوريّة والعقلنة التي أصابت التنظيمات الاجتماعيّة، والتي أدّت إلى نقص العلاقات الاجتماعيّة، وازدياد العلاقات البيروقراطيّةِ فيه، أمّا (سيمل) فقد تحدّث عن التوتّر الذي أصاب الحياة الاجتماعيّة بين الشخصيّ والذاتيّ من جانبٍ، واللاشخصيّ والموضوعيّ من جانبٍ آخر.
- فلاسفة العقد الاجتماعيّ وهم (هوبز)، و(لوك)، و(روسّو) فقد وصفوا ما أصاب الفرد من خسارةٍ لبعضٍ من حقوقه في المجتمعات الحديثة غير التقليديّة، حيث يرى (روسو) بأنّ المجتمع المنظم – تقليديّ أو حديث – هو مكانٌ للقضاء على شخصيّة الفرد وحقوقه الطبيعيّة.
أنماط الاغتراب
تعدّدت أنماط الاغتراب من باحثٍ لآخر، ومنهم (فريدريك ويلز) الذي ميّز ثلاثة أنماطٍ لهذا المفهوم، أمّا (إرنست سكاشل) فقد ميّز أربعة أنماط له، و(ملفين سيمان) فكان له خمسة أنماط، أمّا الأنماط الستة التي ذكرها (لويس فيور) فقد انحصرت فيما يلي:
- العجز، أي الشعور الذي يولد في أعماق الإنسان بأنّ مصيره ليس في يده.
- اللامعنى، شعور الإنسان بأنّه ليس للحياة أيّ معنى أو هدف.
- العزلة الثقافيّة، انفصال الفرد عن قيم مجتمعه.
- اللامعيار، عدم التزام الفرد بالمعايير السائدة في مجتمعه.
- الغربة الذاتيّة، وتعني انفصال الذات عن عمق الذات وطموحاتها وأهدافها.
نبذة تاريخيّة
وجد التعبير الأوّل لمفهوم الاغتراب في الفكر الغربيّ وذلك من خلال تصوّر العهد القديم للوثنيّة، حيث إنّه يمكّن الاطلاع على جذور فكرة هذا المفهوم من خلال كتابات (أفلوطين)، إضافةً إلى المذهب المسيحيّ الذي تدّحّث عن فكرة الخطيئة وفكرة الخلاص، كما أنّها تتواجد عند القدّيس أوغسطين، ومارتن لوثر كنج. وكان الاغتراب في تلك الفترة يعني الجهاد في سبيل فصل الذات الإنسانيّة عن كافة نواقصها، وجعلها في حالةِ هويّة مع كائنٍ متعالٍ هو الإله.