مفهوم الأدب المعاصر
ما هو الأدب المعاصر؟
يُعد الأدب العربي المعاصر آخر حقبة وفقًا للتقسيم والتسلسل الزمني للعصور الأدبية، فقد بدأت العصور الأدبية العربية ب العصر الجاهلي ، وا نتهت بالأدب الحديث، أمّا عن واقع الأدب العربي المعاصر، فقد كان وما زال متأثرًا بالحضارة الغربية، وهذا التأثير هو نتيجة الاحتكاك بالغرب، و يُعرف الأدب المعاصر بأنّه الأدب الذي نعيش في عصره ونحيا في ظلاله.
خصائص الأدب المعاصر
هنالك العديد من الخصائص التي يتميز بها الأدب المعاصر، ومن أهمها الآتي:
الانفتاح على مختلف أنواع الأدب وتياراته بسبب البعثات العلمية
فم ثلًا كان طه حسين من روا د مدرسة الانفتاح على الثقافة الغربية بعد ابتعاثه للدراسة في جامعة السوربون في باريس، وهو الممثل الرئيسي لمدرسة التحرر.
مقاومة الاستعمار الغربي في القرن العشرين
أدخلت الحملات الاستعمارية العديد من الأنظمة الجديدة في البلاد العربية المستعمرة، حتى تتفق وتتناسب مع ميولها الاستعمارية، ومن أهم النتائج المترتبة على حكومة الاستعمار هي تأثر الهُوية العربية التي يُعبر عنها من خلال الأدب، فأخذ الكثير من الأدباء المعاصرين على عاتقهم التعبير عن الهُوية العربية الأصيلة، وشحذ الهمم العربية لمقاومة الاحتلال الأوروبي.
النزعة الإنسانية
تجلت النزعة الإنسانية في الأدب المعاصر بسبب النكبات المستمرة، وسقوط العديد من الشهداء ، مم ا جعل الأدب أداةً للتعبير عن القهر الذي يتعرض له الإنسان والمطالبة بمعاملته كإنسان، بغض النظر عن لونه، أو جنسه، أو دينه.
الدعوة إلى اليقظة العربية
والتي تدعو إلى النهضة العربية على كافة المستويات المعرفية، والعلمية، والثقافية، والاجتماعية، والسياسية.
ظهور النزعة التجديدية في الشعر العربي
دعا الشّعراء المعاصرون إلى استحداث لغة جديدة تختلف عن الّلغة التّقلي ديّة، إضافةً إلى دعوة البعض من الشعراء إلى مشاركة اللهجة العامية ب اللغة العربية الفصحى كشكل حديث للإبداع، ولم تقتصر النزعة التجديدية على ال جانب اللغوي، بل امتدت إلى شكل القصيدة، فظهرت أشكال جديدة للقصيدة العربية، أهمها القصيدة النثرية، والشعر الحر الذي تحرر من القالب التقليدي للقصيدة العربية.
الفرق بين الأدب الحديث والمعاصر
يتلخص الفرق بين الأدب الحديث والمعاصر فيما يأتي:
المفهوم
يُشار إلى الفترة التي تلي العصور الوسطى بالعصور الحديثة، وهي الفترة التي تلي القرن الخامس عشر ليس المقصود ب العصر الحديث بالضرورة ذلك العصر الذي تم تدشين الحداثة فيه، لكنه تميز إلى حد كبير بتنوع التيارات الأدبية والنقدية ، فمنها التيارات المحافظة، ومنها التيارات التي دعت إلى التحرر، أما ا لأدب المعاصر، فيقصد به الأدب بقسميه: الشعر والنثر الذ ي يُكتب في الوقت الحاضر، ويقصد بمفهوم المعاصرة الحالية أو الآنية.
الحدود الزمنية
التمييز الدقيق للأدب الحديث عن المعاصر يكون من خلال الأحداث السياسية، وتسلسلها الزمني بالدرجة الأولى ، ومن الصعب وضع الحدود الزمنية لكل من الأدب الحديث والأدب المعاصر دون معرفة الإطار التاريخي والسياسي لهما، فعند تأريخ الأدب الحديث.
يُمكن عد الحملة التي قام بها الفرنسيون على مصر نقطة بداية الأدب الحديث عام 1798م، في محاولة للتخلص من سياسة التتريك، التي قيدت الأدباء العرب، فقد كان لها أثر كبير على تدشين أساس العصر الحديث، وهذا ما قاله جورجي زيدان في كتابه تاريخ الآداب العربية، وعمر الدسوقي في كتابه في الأدب الحديث.
كما أجمع النقاد على أنّ دخول نابليون لمصر كانت بداية التأسيس للأدب الحديث ، أمّا الأدب المعاصر، فقد أجمع معظم الأدباء على أنّ الأدب المعاصر هو الذي بدأ منذ أربعينيات القرن العشرين ، وهذا الأمر يعود إلى عامل سياسي، وهو احتلال فلسطين، والتي كان لها أثر كبير في نفوس الشعراء والأدباء، وقد تبنى هذا الرأي الناقد والأديب عز الدين إسماعيل، لاعتقاده أنّ القضية الفلسطينية قضية محورية.
أعلام الأدب المعاصر
هنالك العديد من الأدباء والشعراء الذين يعدون من أعلام الأدب المعاصر، ومن أشهرهم الآتي:
طه حسين (1889-1973م)
وهو عميد الأدب العربي، وتلقى دراسته الأولى في مصر، وانتقل بعدها إلى فرنسا لنيل شهادة الدكتوراه، وله العديد من الأعمال الأدبية أهمها كتابه المشهور في الشعر الجاهلي، وكتاب الأيام، وهو أشهر سيرة ذاتية كُتبت في القرن العشرين، إذ كتب من خلالها مسيرته الأكاديمية، وأهم المحطات حول حياته الشخصية.
كما أنّ له إنجازات في الفلسفة، حيث درس كتاب فلسفة ابن خلدون الاجتماعية، ويُعد طه حسين من أهم من نادوا بفكرة التحرر، والمدنية، والتطور، والانفتاح الاجتماعي.
محمود درويش (1941-2008م)
وهو شاعر فلسطيني، ويُعد من الشعراء الذين كتبوا الشعر في القضية الفلسطينية بوصفها موضوعًا رئيسا في شعرهم، كمحاكاة للواقع الذي عاصره في القرن العشرين، كما أنّ أهم سمة ميزت القصيدة الفلسطينية التي يُعد محمود درويش من أبرز أعلامها؛ هي أنّها ظلت تُواكب التطورات المختلفة التي مرت بها طبيعة الحياة الفلسطينية.
كما أصبحت بمثابة تحدٍ للظروف الصعبة، والامتدادات على مر عقود طويلة، وكانت بمثابة تجلٍ للتجارب الإنسانية، وقد ركّز محمود درويش من خلال قصائده على الجانب الإنساني، وله العديد من الدواوين الشعرية أه مها؛ لماذا تركت الحصان وحيدًا ، وديو ان حالة حصار.
تيسير السبول (1939- 1973م)
هو أديب وشاعر ومفكر أردني، وله ديوان شعري واحد وهو "أحزان صحراوية"، وكان لهزيمة العرب في حرب عام 1967م أثر كبير على كتابات تيسير السبول، وسببت له القهر، وله بعض المقالات الفلسفية، خاصةً في فلسفة التاريخ، ورواية واحدة هي "أنت منذ اليوم".
أبرز الآراء النقدية حول الأدب المعاصر
وجهت العديد من الانتقادات للأدب العربي المعاصر، ومن أهمها ما يأتي:
شوقي الضيف
رأى الدكتور شوقي الضيف أنّ حركة الانفتاح الكبير على الثقافة الغربية، التي كانت بسبب حملة نابليون على مصر عام 1798م، أدت إلى إنتاج فكري كبير، واطلاع العرب على الأدب الغربي، وظهرت حركة ترجمة، وضعت جهدًا كبيرًا في ترجمة عيون الأدب الغربي.
هذا الأمر يستنتج من خلاله أنّ الأدب المعاصر، كان مزيجًا هجينًا من الثقافات الأخرى، لكن هذا الأمر بحسب وجهة نظر الأديب المصري شوقي الضيف عمل على إثراء الأدب العربي المعاصر، ولم يكن أمرًا سلبيًا.
عز الدين إسماعيل
يقول: "ومن جهة أخرى تحاول التجربة الجديدة أن تستجيب لتجارب الحياة التي تتسع آفاقها في عالمنا المعاصر يومًا بعد يوم، فتغير في شكلها وتطور أدواتها بين الحين والحين، لكي تكون قادرةً على الانهماك الحميم في معطيات العصر، وهي لذلك لا تتبنى شكلًا أو أشكالًا بعينها من الأداء الشعري تشد في داخلها كل المضامين مهما تباعدت وتباينت، بل تترك المجال مفتوحًا دائمًا للمغامرة، التي تهتدي في كل مرة إلى الشكل الملائم".
كتب عن الأدب المعاصر
هنالك العديد من المراجع التي يمكن للقارئ من خلالها التعرف إلى الأدب العربي المعاصر، وخصائصه، وأهم رواده، ومن أبرز هذه الكتب ما يأتي:
- الأدب العربي المعاصر في مصر
وهو من تأليف الدكتور والأديب شوقي الضيف، وصدر عن دار المعارف في مصر، ويقع في حدود 316 صفحةً، وقد تناول بدايات الأدب المعاصر من الحملة الفرنسية على مصر، وقدم من خلاله أهم رواد الأدب المعاصر.
- مشكل مصطلحي الحديث والمعاصر في الأدب العربي
من تأليف الدكتور محمد عبدالله سليمان، ويقع في حدود 80 صفحةً، ويُعد مدخلًا جيدًا لمعرفة سمات الأدب المعاصر، والفروقات التي استحدثها الأدباء المعاصرين على الشعر والنثر.
نماذج من الأدب المعاصر
هنالك العديد من نماذج الأدب المعاصر، التي أحدثت تطورات في الشعر والنثر العربي أهمها ما يأتي:
الشعر المعاصر
وهو الشعر الحر الذي تحرر من وحدة الوزن والقافية، حاول من خلاله الشعراء مواكبة الحياة، في القرن العشرين، فكان ينبغي التحديث على شكل القصيدة العربية، ومن أهم رواده: نازك الملائكة، وبدر شاكر السياب، ومحمود درويش، ومن الأمثلة على الشعر الحر قصيدة لا تصالح للشاعر أمل دنقل، إذ قال فيها:
:لا تصالحْ!
:ولو منحوك الذهب
:أترى حين أفقأ عينيك
:ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
:هل ترى..؟
:هي أشياء لا تشترى..:
:ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،
:حسُّكما فجأةً بالرجولةِ،
:هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،
:الصمتُ مبتسمين لتأنيب أمكما.. وكأنكما
:ما تزالان طفلين!
:تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
:أنَّ سيفانِ سيفَكَ
الأقصوصة والقصة القصيرة
يمكن ا عتبار فن الأقصوصة كنتيج ة، لفن القصة القصيرة التي تعد حديثة نسبيًا، لكن الأقصوصة هي القصة القصيرة جدًا، وظهرت كرد فعل على التطور الهائل في القرن العشرين، وكانت أزمة الشخصية في القصة التقليدية تطول حتى انفراجها أو موتها.
كما رأى مجموعة من القاصين الشباب أنّ التشابك، والتداخل، والتعقيد، الذي أصبح سمةً يتميز بها عصرنا، لا بد أن يكون التخفيف من وطأته في فن القصة، فاستُحدثت الأقصوصة التي تتميز بإطلاق خيال القاص، ومن أهم روادها صبحي أبو غنيمة، الذي كتب مجموعته القصصية محبة الله.
الرواية الشطارية
وهي شكل من أشكال الرواية تعود أصوله إلى إسبانيا، يعبر هذا الشكل عن الطبقة المعدمة، وأحوالها وظروفها الصعبة، كان لها امتداد في الوطن العربي في القرن العشرين، ومن أبرز روادها الروائي محمد شكري صاحب رواية الخبز الحافي .