معنى البر
الأخلاق في الإسلام
نالت الأخلاق في الإسلام مرتبةً عالية، وأهميةً بالغة، بل عدّها أهل العلم من الأصول والمرتكزات التي يقوم عليها الإسلام ، وهي: الإيمان والأخلاق، والعبادات، والمعاملات، وكثراً ما دعتْ النصوص الشرعية إلى ترسيخ الأخلاق في النّفوس وتنميتها، وقد بلغت الأخلاق الفاضلة بأصحابها مبلغاً عظيماً؛ ففي الحديث أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من شيءٍ في المِيزانِ أثْقلُ من حُسنِ الخُلُقِ)، والعقلاء يُجمعون على أنّ أصل الأخلاق جبلّة فطر الله النّاس عليها؛ فالصدق والوفاء، والشجاعة وغيرها أخلاق يُمتدح المرء لأجلها، في حين إنّ الكذب ، والغش، والجبن أخلاقٌ يستحقّ فاعلها المذمّة، وقد شكّل النبي -صلى الله عليه وسلم- بأفعاله وسلوكياته منهجاً أخلاقياً يُحتذى به؛ ففي الحديث الصحيح الذي رواه عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: (لم يكنِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا مُتَفَحِّشًا، وكان يقولُ: إن مِن خِيارِكم أحسنَكم أخلاقًا)، وخلاصة القول في حُسن الخلق كما جاء عن ابن حجر -رحمه الله- أنْ يختار المرء من الأقوال والأفعال أفضلَها ويجتنّب رذائلها، وميدان حسن الخلق ميدانٌ واسع، وفضاؤه رحبٌ، فهو لا يقف عند مسلك واحد، ولا ينحصر في تصرّف محدّد، ومن محاسن الأخلاق التي دعا إليها الإسلام وحضّ عليها خلق البرّ؛ فما هو البر، وما نصيبه في منظومة الأخلاق؟
معنى البر
لعلّ الوقوف على معنى البر ودلالات المصطلح في اللغة العربية يكشف للباحثين علاقة المعنى اللغوي بالدلالة الاصطلاحية له، على اعتبار أنّ استخدامات العرب للمفردات أصلٌ في فهم معاني ودلالات الاصطلاحات.
معنى البر لغة
البرّ في لغة العرب اسم، وهو مصدر بَرَّ، ومنه: بِرُّ بِالوالِدَيْنِ دلالة على الإِحْسان إليهما وطاعتهما، وهو اسم يُطلَق على كلّ خيرٍ وإحسان وفضْل؛ فالصدق والصلة والعطاء والصلاح والتقوى كلّها أفعال برّ، فالبرّ كلمة جامعةٌ لكلِّ صفات الخير، ونقول: فعل مبرور، أي: لا شبهة كذب ولا خيانة فيه، ومنه الحجّ المبرور ، أي: الذي لم يخالطه مأثم، وبرّ المرء يمينه، أي: صدق وعده ووفى به، وبرّ فلان، أي: ظهر صلاحه، ضدّ فجَر، وتقول العرب: فلان لا يعرف هِرًّا من بِرٍّ، أي: لا يميز من يكرهه ممن يحبه.
البر في المفهوم الشرعي
الصلة بين البرّ والإيمان صلة متلازمة، حيث إنّ مقتضياتهما مشتركة، وقد عدّ القران الكريم الإيمان برّاً؛ فقال الله تبارك وتعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)، وقد عرّف النبي -صلى الله عليه وسلم- البرّ بأنّه حسن الخلق، ففي الحديث الصحيح الذي رواه النّواس بن سمعان -رضي الله عنه- قال: (سألتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن البِرِّ والإثمِ؟ فقال: البِرُّ حُسنُ الخُلُقِ، والإثمُ ما حاك في صدرِك، وكرهتَ أن يطَّلِعَ عليه الناسُ)، وبهذا يُفهم أنّ البرّ اسم يجتمع في ظلاله أنواع الخير جميعها، وهو صفة لازمة لكلّ خلق حسن، ومن هنا فإنّ الإيمان برّ، كما أنّ العبادات بأبعادها الأخلاقية برٌّ، والمعاملات التي تقوم على أساس من النّهج الرّباني برّ.
خصائص الأخلاق في الإسلام
الأخلاق في الإسلام هي اعتياد النفس الاستجابة للفضائل التي دعا إليها الشرع الحكيم الإسلامية في التعامل مع خلق الله -تبارك وتعالى-، بحيث يبتغي المسلم في ممارستها مرضاة الله -سبحانه-، وتمتاز الأخلاق الإسلامية عن غيرها بجملة من المزايا، لعلّ أهمّها ما يأتي:
- تتّصف بالثبوت؛ فهي لا تتغير بتغيّر الزمان أو المكان؛ فبرّ الوالدين على سبيل المثال واجبٌ شرعي ثابت، والصدق مسلك شرعي يُطالب به المسلم في كلّ ظروفه وأحواله؛ فلا تغيره المفاهيم المجتمعية المتغيّرة، ولا العادات السائدة في المجتمعات.
- تتحدّد بضوابط شرعية، ولا تُترك لأمزجة النّاس وأهوائهم؛ فالمسلم يرى أنّ الحسن ما استحسنه الشرع، والقبيح ما قبّحه الشرع، وتأكيداً على هذا المعنى يقول النبي -صلى الله علية وسلم-: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به).
- تخرج بصاحبها من حدود الأنا إلى فضاءات الغيريّة الواسع، ولا تقوم على أساس المبادلة، ولا بدافع انتظار المكافئة، بل يندفع المسلم إلى إظهارها إيماناً منه واحتساباً لمرضاة الله؛ ففي الحديث الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ).
- يُقبل المسلم على ممارستها والتّحلي بها عن طيب خاطر، يدفعه إليها محبّته لله -سبحانه-، قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ).
- تعود على صاحبها بكلّ خير، وتبلغ به الدّرجات العلى عند لقاء الله -سبحانه-، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما ترويه أم المؤمنين، عائشة -رضي الله عنها-: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ).
- يُشترط لاحتساب السلوكيات الأخلاقية في حياة المسلم ضمن أعماله الصالحة التي يستحقّ بها الأجر والمثوبة من الله تعالى حُسن النية وإخلاصها لله -عز وجل-، إذ إنّه -سبحانه- لا يقبل من الأعمال إلّا ما كان خالصاً لوجهه الكريم، مصداقاً لقول النبي -صلى الله علية وسلم-: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى).