مظاهر التجديد عند أحمد شوقي
مظاهر التجديد عند أحمد شوقي
اطّلع شوقي على روائع الشعر العربي ، وعرف ميزاته، وتأثر بفحوله، وقد كان لحركة إحياء التراث العربي الإسلامي دورٌ كبيرٌ في ذلك، وفي تهذيب موهبته وصقلها، فاتّسم شعره بقوة النسيج، وجزالة الألفاظ، وكان ابتكاره لألوانٍ جديدةٍ من الفن مدعاةً له ليبتدع أساليب جديدةً في فنّه في القول والوصف، مثل الشعر المسرحي، وأدب الأطفال، وشعر الوصف والطبيعة، وشعر المناسبات.
الشعر المسرحي
عُدّ شوقي رائد الشعر المسرحي، فهو من أوائل الشعراء الذين كتبوا في هذا المجال، وقد جاء شعره المسرحي متأثراً بالمسرح الغنائي لا التحليلي، كما أنّ شوقي كان قد استسقى موضوعات مسرحياته من التاريخ، ولم يكتب مسرحية اجتماعية واحدة، ومن أشهر مسرحياته التي نظمها في أواخر حياته: مصرع كيليو باترا، ومجنون ليلى، ويُلاحظ تأثّر شوقي في مسرحه بمجموعةٍ من المؤلفين الغربيّّين، وأن مسرحياته جاءت متأثرةً بالمذهب الرومانسي ، كما أنّه جسّد فيها حسّه الوطني، إذ سعى من خلالها إلى معالجة واقع مصر آنذاك.
أدب الأطفال
لوحظ اهتمام شوقي بشعرالأطفال، لا سيّما في الجزء الأول من ديوانه شوقيات ، حيث قال في مقدمته: "أتمنى لو يوفقني الله لأجعل للأطفال المصريين- مثلما جعل الشعراء في البلدان المتمدّنة- منظوماتٍ قريبة المتناول، يأخذون الحكمة والأدب من خلالها على قدر عقولهم"، وكان شوقي قد ابتكر نوعين جديدين من أدب الأطفال وهما:(القصة الشعرية، والأغنية)، فكتب أكثر من ثلاثين قصةٍ شعريةٍ للأطفال، ونظم لهم عشر مقطوعاتٍ بعضها أناشيد وبعضها أغاني، كما وكتب لهم مجموعةٍ من القصص والحكايات التي تجري على ألسنة الحيوانات والطيور بلغ قارب عددها الأربعة وخمسين حكايةً وقصةً، ومن الجدير بالذكر أنّ أدب الأطفال عند شوقي جاء متأثراً بالأدب الغربي بشكلٍ عام وبالأديب الفرنسي لافونتين بشكلٍ خاص.
شعر الوصف والطبيعة
تنوّع شعر الوصف عند أمير الشعراء فقد وصف العديد المشاهد الحيّة والجامدة، مع إمعانه في وصف الحضارة المصرية القديمة، حيث وصف أبي الهول، والأهرام، ومقبرة توت عنخ أمون، كما وصف بعض الآلات التي عاصر اختراعها، كالطائرة والغوّاصة، بالإضافةً إلى وصفه للعديد من البلدان والمدن، مثل الأستانة وباريس، ووصفه للطبيعة كوصفه للبحرالمتوسط ومضيق البسفور، ووصف شوقي أيضاً أحداث ونكبات كانت قد وصلت إليه أخبارها، مثل نكبة دمشق، وزلزال طوكيو، إضافةً إلى وصفه لسهرات قصر عابدين، هذا ويشبه أسلوب شوقي في الوصف أسلوب البحتري، فهو في وصفه لا يحيط بكل تفاصيل الموصوف، بل ينتقي بعض أجزائه مبتعداً بذلك عن الإحاطة والشمول، ويجدر الذكر هنا أنّ شوقي لم يكن من أوائل من نظموا هذا النوع من الشعر، بل كان قد سبقه شعراء التجديد الرومانسيين إلى هذين النوعين من الشعر أي شعر الوصف والطبيعة، ثم شعر الذاتي والوجداني.
شعر المناسبات
أكثر شوقي من شعر المناسبات، فنظم في الخديوي العديد من قصائد المدح في مختلف مناسباته، كما نظم شعر الرثاء في الأبطال المصريين والعرب، وفي العديد من الأدباء والشعراء، والصحفيين، والوجهاء، وأصحاب النفوذ، ورثى أيضاً شخصيات عالمية مثل: الموسيقار المشهور فردي، والكاتب الروسي تولستوي، ونابليون، والأديب الفرنسي فكتور هوجو ، ولم يترك شوقي مناسبةً هامّة في الشرق أو في الغرب إلا ونظم فيها شعراً، ويرى شوقي ضيف أنّ شوقي في شعره هذا، يختلف عن الشعراء القدامى في مدحهم، فهؤلاء لم يفكروا بغير الخلفاء أو الأمراء الذين كانوا يمدحونه، بينما شوقي يفكر ليس في ممدوحه وحسب، بل في جمهور الناس الذي سوف يقرأ قصائده هذه.
أحمد شوقي والعوامل التي أدّت إلى التجديد في شعره
أحمد شوقي علي أحمد شوقي بك هو شاعرٌ عربيّ مصريّ شهير ولد في القاهرة في عام 1932م، وهو من أهم أعلام النهضة الأدبية العربية في العصر الحديث، وقد لُقب بأمير الشعراء، و حظي بمزلتةٍ رفيعةٍ في الأدب العربي، إذ إنّه من أوائل المجدّدين العرب في الأدب بشكلٍ عامٍ وفي الشعر بشكلٍ خاص، وقد كانت محاولاته في التجديد مقيدةً في بادئ الأمر، ولم تلبّي له طموحه في التجديد رغم نجاح هذه المحاولات، وحين أتيحت له الفرصة وتهيأت له الظروف، وتحرّر من قيوده في أواخر عمره انفتح على عالم التجديد فأصاب منه ما كان يريد.
ارتباط أحمد شوقي في القصر
نشأ شوقي في قصر الخديوي إسماعيل، فقد كانت أسرته على صلةٍ جيدةٍ بالقصر، ممّا أتاح له أن يعيش الفترة الأولى من حياته في ذلك القصر مترفاً مرفهاً، وكان يمضي جزءاً من نهاره في القصر وسط عائلته الميسورة الحال، وجزءاً في الكتّاب والمدرسةِ، وقد شكل ذلك ازدواجيةً في طبيعة حياته، بسبب التناقض بين البيئتين، بيئة القصر المترفة، وبيئة الكُتّاب والمدرسة التي تقترب من الشعبية.
وقد كان شوقي في تلك المرحلة من حياته متحفظاً في أدبه بسبب الظروف السياسية التي كانت تمر بها البلاد بشكلٍ عامٍ، وبسبب ظروف القصر السياسة بشكلٍ خاصٍ، فلم يكن يستطيع التعبير عن خلجات نفسه بصراحةٍ أو أن يكون على طبيعته، فكان أدبه محاصراً بتلك الظروف غير قادرٍ على الانطلاق نحو التجديد الذي كان يرنو إليه، فصلته بالأمير وارتباطه به وقفا حائلاً دون ذلك التجديد، لذلك كانت تلك المرحلة من حياته مضطربةً اضطراباً شديداً.
الثقافة الغربية
استسقى شوقي ثقافته الغربية من أوروبا، إذ أرسله الخديوي في بعثةٍ دراسيةٍ لفرنسا لدراسة الحقوق، فحصل على شهادة الحقوق فيها، واطّلع على مختلف العلوم الغربية أثناء دراسته، فيما كان من الطبيعي أن يتأثر بثقافة تلك البلاد وآدابها، ومن أكثر الأدباء الذين تأثر بهم الكاتب الفرنسي فيكتور هوغو الذي اتخذه قدوة له في الشعر.
وبعدما وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها نُفي شوقي إلى إسبانيا، فغادر مصر وابتعد عن الخديوي، ما جعله يبتعد عن القيود التي حدت من حرية فنه، فحلّق في سماء ذلك الفن حراً، وأطلق لنفسه العنان بأن يقول ما يشاء، وحين عاد من منفاه إلى مصر كان مختلفاً اختلافاً كبيراً، فقد تحول تحوّلاً لم يسبق له مثيلٌ عند أيّ من شعراء العرب السابقين، فأصبح شاعر الشعب الذي يتحدث بلسانه ويعبِّر عن أحاسيسه ومشاعره، فجاء شعره حراً قوياً صادقاً، بعد أن كان مقيداً وتقليدياً حين كان شاعر الأمير، وانطلق شوقي أيضاً بعد عودته من المنفى نحو التجديد الذي حُرِم منه سابقاً، ورغم تأخره في ذلك إلّا أنّه أدخل إلى الأدب العربي لوناً جديداً من الفن لم يسبقه إليه أحد، وهو فن التمثيل الشعري الغنائي.