مضامين سورة الحج ومقاصدها
مضامين سورة الحج
عند تناول كلمة مضامين، فإن المقصود منها هو بيان لما اشتمل عليه الشيء. أو هو فحوى وخلاصة الشيء. ومضامين سورة الحج يراد بها، الوقوف على المواضيع وأهم الأفكار التي اشتملتها وتحدثت عنها السورة. فأهم ما تناولته السورة وتضمنه سيتم عرضه وبيانه بالتالي:
الحديث عن الكفّار وصدّهم عن سبيل الله
تتضمّن سورة الحجّ جزاءً واضحاً للكافرين؛ الذين يصدّون الناس عن الدّخول في الإسلام، وعن المسجد الحرام ، فلهم العذاب الأليم، ذلك أنَّ الله -تعالى- جعل هذا المسجد للناس جميعاً المقيم، وغير المقيم من غير أهل مكة، للصّلاة وأداء المناسك، وأنَّ العذاب الأليم جزاء من يتعمّد الوقوع في المعاصي في ذلك البيت المحرَّم.
تُبيّن الآيات الأساس الذي أقيم عليه بيت الله الحرام، إذ وكَّل الله -تعالى- إبراهيم -عليه السّلام- ببنائه، وبأن ينادي في الناس ليحجُّوا إليه، وأنَّ هذا البيت قائمٌ على التّوحيد، وعدم الشّرك بالله، وألّا يُمنع عن البيت أحدٌ من النّاس.
بعد نداء إبراهيم -عليه السّلام-، واستجابةً لدعائه، يأتي النّاس من كلِّ مكان، فهم يقصدون ما ينفعهم من مغفرة الذّنوب، وفعل الطّاعات، ويذبحوا ما أحضروا من قُربات لله -تعالى-؛ فيُطعِموا منها المسكين والمحتاج، ثمَّ يُؤدُّوا ما بقي عليهم من مناسك وشعائر.
وفي الآيات بيان لجزاء من يعظِّم ما أوجبه الله -تعالى- من شعائر؛ ذلك أنَّ تعظيم ما أوجب الله، واجتناب ما أمر الله -تعالى- باجتنابه، فيه تعظيمٌ لحدود الله -تعالى-، وجزاءُ ذلك الخيرُ في الدنيا والآخرة، قال الله -تعالى-: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّـهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ)، ثمَّ قال -سبحانه-: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ).
عاقبة المكذبين بآيات الله
يُطمْئِن الله -تعالى- رسوله -صلّى الله عليه وسلّم- ويُسلّيه، بِذكر حال إخوانه الأنبياء، لمَّا كذبهم أقوامهم، ففي ذلك تأكيدٌ له؛ بأنّ الله -تعالى- سينصره على المكذّبين به، وبذلك دعوةٌ له أن يصبر على قومه، حتى يأتي حكم الله، كما صبر إخوانه المرسلون.
وفي الآيات بيانٌ من الله -تعالى- للذين كفروا، الذين يستعجلون العذاب؛ إمعاناً في التّكذيب، بأنّ الله أهلك مَن قبلَهم، بعد أن أملى لهم، وليس ببعيد أن يُهلكهم، مؤكداً لهم أنّ الّذين يُسابقون بوصف القرآن بالسّحر والشّعر وغيره، إنّما هم أصحاب النّار الموقدة في الآخرة.
ليختم الله -تعالى- بيانَ عاقبة المكذّبين بآيات الله، بأنّهم سيظلّون في شكٍّ في هذا القرآن، حتّى تأتيهم ساعةُ موتهم، أو يوم القيامة ، فيَلقَوْن فيه عذابَ يومٍ عقيمٍ، لا ليلة بعده، وقيل يومٌ عقيمٌ هو يوم بدرٍ، إذ الحديث عن أبي جهل والدائنين بدينه.
وعد الله بنصرة المظلومين بقدرته
يَعدُ الله -تعالى- المظلومين بالنّصر، على من اعتدى عليهم، ويُثبت لهم ذلك؛ بذكر قدرته -تعالى- في الكون، حيث يُدخل الليل في النهار، وأنّه سخّر ما في الأرض للناس، وأنّ مُلكيّة ما في السّماوات والأرض كلّها لله -تعالى- وحده؛ فالقادر على ذلك، قادر على نُصرة المظلومين، وردّ الاعتداء عنهم.
ثم يوجّه الله -تعالى- الخطاب للنّبي محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه جعل لكلِّ أمّة منهاجاً، في المناسك والشّعائر، فلا يشغل نفسه في جدال الكفّار في اعتراضهم على منهجه، آمراً إيّاه بالانشغال بالدّعوة إلى الله -تعالى- مؤكّدا حال نبيّه -صلّى الله عليه وسلّم- بقوله: (إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ).
وتذكِّر الآيات سفاهة الكفّار؛ حين أعرضوا عن الحقِّ، فعبدوا الأصنام، دون دليل لديهم، ضارباً -سبحانه- مثالاً يُثبت تفاهة ما يعبدون، من دون الله، حيث أنّ هذه الأصنام، تعجز عن استرداد أي شيءٍ يسيرٍ ممّا يُذبح لها، حين يَسلبه الذباب ويمتصُّه، فضلاً عن أنّها عاجزةٌ -وإن اجتمعت كلّها- عن خلق شيء كالذباب، في صِغره، وقلّة حيلته.
ومضمون ما اختُتِمت به سورة الحجّ، هو ذاته محور السّورة، وهو قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ)، لتُخْتَتَمَ السّورة بتفصيلِ أنواعِ العبادة والتّقوى، فبعد إبطال عبادة غير الله -تعالى-، فإنّ السّياق يُطالب المؤمنين بأنواعٍ من العبادة، كلّها ضروريّة لتحقيق التّقوى، كالصّلاة والصّيام والزّكاة والحجّ، والتزامهم بها، هو ما يؤهّلهم للاجتباء على سائر الأمم.
مقاصد سورة الحج
بيان أهوال يوم القيامة
ابتدأت الآيات بالدّعوة إلى التّقوى التي فيها النجاة من أهوال يوم القيامة ، إذ فيها بيان ما تُوجبه شِدّة هذه الأهوال من الاستعداد لها؛ بتقوى الله -تعالى-، ومن شِدَّة هذه الأهوال: أن تُشغَل بها المرضعة عن رضيعها، وأن تُنزِل الحوامل أجنّتها قبل اكتمالها، من هول ما ترى، فبقدر ما وُصِفت هذه الأهوال من شِدّة، بقدر ما يجب على المؤمن التأهّب لها.
أهمّية تعظيم الحرمات والشّعائر
اقتضى أمر الله -تعالى- لنبيّه إبراهيم -عليه السلام- أن يدعو النّاس لحجّ البيت، فيقصدوه؛ معظّمين شعائر الله -تعالى-، اقتضى ذلك اجتنابَهم لِمَا أمر الله -تعالى- باجتنابه، معظّمين بذلك حُرمات الله -تعالى-، وأنّ هذا التّعظيم لشّعائر الله ، فيه دلالةٌ على تقوى المؤمن لربّه، بقوله -تعالى-: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ).
الإذن للمؤمنين بقتال الكفار
هنا أخبر الله -تعالى- المؤمنين، الذين أُخرِجوا من ديارهم، وحوربوا في أموالهم، أنّهم ظُلموا، مؤكداً أنّه قادرُ على نَصرهم، فهو القادر على خلق كلّ ما في السّماوات والأرض من مخلوقات، وقد خلقها، وكلَّها ملكه، وجعل -سبحانه- النّصر على الأعداء نتيجةً حتميةً، مترتبةً على نصر المؤمن لله-تعالى-المتمثّل في الولاء والبراء ؛ حيث يكون الولاء له -سبحانه- والبراء ممّا سواه.
التعريف بسورة الحج
يمكن التّعريف بسورة الحجّ في النّقاط الآتية:
- ترتيبها في المصحف؛ هي السّورة الثانية والعشرون في ترتيب المصحف.
- مكية أم مدنية؛ سورة مُختلِطة النزول؛ فيها المكّيّ وفيها المدنيّ، وأغلب القول أنّها سورة مدنيّة .
- عدد آياتها؛ ثمانٌ وسبعون آيةً.
- ترتيب نزولها؛ نزلت بعد سورة "النّور"، وقبل سورة "المنافقون".
اشتملت سورة الحجِّ على موضوعات متعدِّدة، يمكن تلخيصها فيما يأتي:
- ذكر أهوال يوم القيامة.
- إثبات أنَّ البعث حقّ، وتبشير المؤمنين بما يشرح صدورهم.
- بيان أن ملكيّة وعبوديّة كلّ ما في الكون لله -تعالى-.
- ذكر مناسك الحجّ ، وعقوبة صدّ الكفارِ الناسَ عن البيت الحرام، وأجرُ تعظيم حرمات وشعائر الله.
- مشروعيّة الجهاد في سبيل الله -تعالى-، وربط نصر الله للمؤمنين، بولاء المؤمنين له، وبرائهم من سواه.
- ذكر حال الأنبياء مع أممهم؛ تسليةً للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وتثبيتا له.
- ذكر ألوان نِعم الله تعالى- على خلقه.
- بيان وصاية أمّة سيدنا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- على سائر العالمين، شرطَ لزوم الطّاعة والعبادة.
تميّزت سورة الحجّ بأنَّ فيها سجدتين، دون سائر السور، ومن ميّزاتها، أنّه ليس لها اسم غير الحجّ، وسبب تسميتها بذلك: أنّ الله -تعالى- ذكر فيها: أنّه أمر إبراهيم -عليه السلام- بدعوة النّاس إلى الحجّ، وفصّل فيها نُسَك الحجّ، وقرَّع فيها من يصدّوا المؤمنين عن المسجد الحرام.
أمّا سبب نزولها، فقد نزلت في أعرابٍ، كانوا إذا دخلوا الإسلام وأصابهم غير ما يحبّون في أنفسهم أو أموالهم وأهليهم، ارتدّوا عنه، فأنزل الله -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّـهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ).