مراحل خلق الإنسان في القرآن الكريم
مراحل خَلْق الإنسان في القرآن الكريم
مراحل خَلْق آدم عليه السلام
ابتدأ الله -سُبحانه وتعالى- خَلْق آدم -عليه السلام- من تراب الأرض؛ قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ)، ثمّ أُضيف إلى ذلك التراب الماء إلى أن أصبح طِيناً، فالطين في أصله ترابٌ أُضِيف إليه الماء؛ قال -تعالى-: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ)، ثمّ أصبح الطِّينُ لازِباً؛ أي مُلتصِقاً ببعضه البعض، ومُتماسِكاً؛ قال -تعالى-: (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ)، ثمّ صار الطِّين ذا لون أسود، وهو ما يُعرَف بالحَمَأ المَسنُون، ثمّ تعرَّض للرِّيح حتى أصبح صَلباً كالفَخّار، قال -تعالى-: (وَلَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ مِن صَلصالٍ مِن حَمَإٍ مَسنونٍ)، ثمّ نفخ الله -تعالى- في آدم من رُوحه، فدبَّت الحياة فيه، ثمّ خَلَقَ الله من ضِلْع آدم زوجته حوّاء ؛ قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً).
مراحل خَلْق الإنسان بعد آدم عليه السلام
خَلَقَ الله -تعالى- آدم -عليه السلام- على الصورة التي ذكرها في كتابه العزيز، ثمّ خَلَقَ ذُرّيته من بعده من نُطفةٍ؛ أي من ماء الرَّجُل الذي وصفه الله -تعالى- بالماء المَهِين، والذي يلتقي بالبويضة؛ ليتكوّن الجَنين بعد ذلك؛ قال -تعالى-: (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ)، وقال في آيةٍ أخرى: (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ).
مرحلة النُّطفة
ذكرَ الله تعالى في كتابه العزيز أُولى مراحل خَلْق الجَنين في بطن أمّه، وهي: مرحلة النُّطفة؛ وتبدأ بالتقاء ماء الرَّجل ببويضة المرأة؛ لتنشأ النُّطفة باختلاطهما؛ قال -تعالى-: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا)، وتجدر الإشارة إلى أنّ الله -سُبحانه- وصفَ النُّطفة بالأمشاج؛ لأنّها تكوَّنَت من اختلاط ماء الرَّجل ببويضة المرأة؛ فالأمشاج جَمع (مَشِج)، وتعني: كلّ شيئَين مُختلِطَين.
مرحلة العَلَقَة
ورد ذِكْر مرحلة العَلَقَة في القرآن الكريم كمرحلة من مراحل خَلْق الجَنين في بطن أمّه، وهي مرحلةٌ تَعقُبُ مرحلةَ النُّطفة، وذلك في خمسة مَواضع من كتاب الله، وتُعرَّف العَلَقَة بأنّها: الدَّم الجامد، وهي تتعلّق بجِدار الرَّحم، وتستمرّ تلك المرحلة إلى حين الدخول في طَوْر المُضغَة؛ قال -تعالى-: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّـهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).
مرحلة المُضْغَة
يُشير معنى المُضْغَة في اللغة إلى القَدْر من الطعام، أو غيره، والذي يكون قابلاً للمَضْغ أو اللَّوك باللسان، وهي تعني أيضاً: القَدْر البسيط من الشيء، أو المادّة؛ ولذلك يُقال للأمور الصغيرة، والحوادث اليسيرة: مُضَغ الأمور؛ أي يسيرها، وصغيرها، وتأتي مرحلة المُضغة بعد مرحلة العَلَقَة، وتشتمل على مرحلَتَين؛ أولاهما: المرحلة التي تكون فيها المُضَغْة غير مُخلَّقةٍ؛ أي أنّ مَعالم الجَنين لا تكون واضحة، ثمّ يتحوّل الجَنين إلى المُضغة المُخلَّقة في المرحلة الثانية؛ إذ يظهر التغيير الحقيقيّ على خَلْقه؛ فيظهر شكل الأعضاء، وتنضج الخلايا، ويصبح الإنسان في أحسن تقويمٍ؛ قال الله -سُبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ).
مرحلة نُموّ الجَنين
تكون آخر مرحلةٍ من مراحل خَلْق الجَنين في بطن أمّه بخَلْق العِظام، وتصلُّب البَدَن، وتمييز الأعضاء عن بعضها البعض؛ فيُعرَف الرأس من البَدَن، ثمّ تُكسى العِظام باللحم؛ ليكتمل خَلْق الجَنين، ويغدو في أحسن صورةٍ وهيئةٍ؛ قال -تعالى-: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّـهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)، وقد قال الإمام الشوكانيّ في ذلك: "أي أنبت الله -سُبحانه- على كلّ عظم لحماً على المقدار الذي يليق به ويُناسبه".
خَلْق الإنسان
حَبا الله -سُبحانه وتعالى- الإنسانَ بنعمة العقل حينما خَلَقَه، الأمر الذي يمكّنه من إدراك الأمور، والتفكير في ما حوله من الآيات الكونيّة، والمُعجزات الربّانية؛ ولذلك كان الإنسان من أكرم الخَلْق؛ حيث مدحَ الله في كتابه من يُعمِل عقلَه في التفكّر في خَلْق الله؛ فيزداد إدراكه لقُدرة رَبّه على الخَلْق والتدبير، وتزداد بالتالي خشيته من رَبّه، ويَعظُم إيمانه؛ قال الله -تعالى- واصفاً عباده المُؤمنين: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، وقد بَيَّن الله في كتابه العزيز حالَ العلماء من عباده بأنّهم أعظم خَشيةً؛ نظراً لزيادة عِلمهم بالله، وكثرة تفكُّرهم، وبَحثهم في مظاهر خَلْقه وتدبيره؛ قال -تعالى-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)، ومن الآيات الربّانية في الخَلْق والتي تدعو إلى التأمُّل والتفكُّر مراحلُ خَلْق الجَنين في بطن أمّه؛ فكلّ مرحلةٍ من تلك المراحل تُعَدّ آيةً في حَدّ ذاتها يجدر التفكُّر في مَدلولاتها العظيمة، وإشاراتها الدقيقة التي أثبتَت إعجاز القرآن الكريم في الحديث عن مسألةٍ علميّةٍ.