مدارس الأدب المقارن
المدرسة الأمريكية
هي مدرسة قائمة على دراسة الظواهر الأدبية من وجهات نظر أدبية متعددة، سواء ضمن النطاق الجغرافي الواحد أم لا، فالمقارنة مبنيّة على أساس الاهتمام بدراسة الأدب في صلاته مع تعدّي الحدود القومية، بالاعتماد على علم أو أكثر من العلوم الأدبية، وهي التي تُعّرف المقارنة بأنها "حرية التقاط نقاط الاتصال عبر مجالات النشاط الفكري".
بالتالي المدرسة الأمريكية بتوجهها تتصدى لمقارنة أدب بأدب أو أدب بآداب، فهي تقوم على ملاحقة التشابه بين الآداب المختلفة، وتضمّ المدرسة الأمريكية مزاوجة التخصصات الثقافية، ولا تُميّز بين الأدب والموسيقى وبين الغناء والشعر، فهي تتخلص من الحواجز قدر الإمكان، لأنها تقوم بشكل أساسي على بلوغ البنية الجمالية والتشكيلية للنص المقارن، وهذه المدرسة ظهرت بشكلها الحقيقي في عام 1958م خلال مؤتمر الجمعية العالمية للأدب المقارن، يُعدّ هنري ريمك "henry remak" من أهم رواد المدرسة الأمريكية للأدب المقارن.
جاءت هذه المدرسة ردّة فعل على وجود المدرسة الفرنسية، وكان الهدف منها التخلص من الطابع السياسي الموجود في الأدب المقارن، من خلال تجاوز الحدود السياسية للنصوص الأدبية، ولها مجالين للدراسة، هما:
- المشابهة والتطابق: وفي هذا المجال، لا تعطي أي أهمية للعلاقات السببية في الآداب، يتم التعامل مع النصوص الأدبية ذات السياقات المتشابهة أو الحقائق المتماثلة بغض النظر عن روابط التواصل بينها.
- التناص: وهو مصطلح نقدي يعبر عن التشابه بين نص وآخر أو عدة نصوص، وفيه تتم دراسة النصوص المشيرة لغيرها أو النصوص المركبة على نصوص قديمة، ومن خلال هذا المجال تنظر المدرسة الأمريكية إلى الأدب على أنّه عملية مستمرة من خلال إعادة صياغة النص القديم، بحيث تكون النصوص القديمة مواد خام في إنشاء المواد الجديدة.
خصائص المدرسة الأمريكيّة
من أهم ما يميز هذه المدرسة، ما يأتي:
- اعتماد المنهج الوصفي.
- اعتماد الخيال واتساع نطاق الدراسة، بحيث تتسع المدرسة لأي شيء، فأي شيء قابل للدراسة والمقارنة بشيء آخر، حتى لو لم يكن متصلًا بالأدب.
- اعتبار الأدب المقارن وسيلة تواصل مع الموضوعات المختلفة.
- التركيز على مفهوم العملية في أثناء المقارنة وليس الناتج.
- الابتعاد عن التسييس.
- التركيز على أهمية علم النفس، والأنثروبوجيا، واللغويات، والعلوم الاجتماعية، والدين، والفن، في دراسة الأدب.
- تبنّي النموذج غير القومي.
المدرسة الفرنسية
هي أوّل اتجاه ظهر في الأدب المقارن في أوائل القرن التاسع عشر، ويُطلق عليها "المدرسة التقليدية" أو "المدرسة التاريخية"، وكان أبيل فيلمان "Abel Villemain" أوّل من استخدم مصطلح الأدب المقارن، وهو من أهم رواد المدرسة الفرنسية، التي تقوم على النهج التاريخي، واستقصاء ظواهر عملية التأثر والتأثير بين الآداب القومية بشكل خاص، لها قوانين صارمة لا بد من اتباعها في حال تتبع نهجها في عملية المقارنة.
للمدرسة الفرنسية مجالات بحث عديدة أهمها: "الأبحاث اللغوية، والأجناس الأدبية، والموضوعات والأساطير، وتأثير أديب في أدب آخر، التيارات الفكرية والمذاهب الأدبية، وعلم الصورة".
هناك عدد من المآخذ على هذه المدرسة أهمها ما يأتي:
- عدم تناول العمل الأدبي من خلال التحليل والنقد، وإنّما التركيز على المشكلات الخارجية ذات التأثيرات على الشهرة والذيوع والانتشار.
- دراسة الإنتاج الأدبي المتواضع وهو مبتعد عن الكتب والكتاب الكبار العظماء.
- ظهور النزعة الاستعمارية في عملية النقد من خلال إثبات تأثير الأدب الأوروبي على الآداب غير الأوروبية.
لقيام الأدب المقارن من وجهة نظر المدرسة الفرنسية لا بد من تحقيق شرطين هما:
- ارتباط الكاتب بكاتب آخر أو الأدب بأدب آخر.
- اختلاف اللغات.
خصائص المدرسة الفرنسية
تميّزت هذه المدرسة بما يأتي:
- اعتبارها فرعًا من التاريخ الأدبي ومكمّلة له.
- اتخاذ التاريخ والنقد الأدبي ونظرية الأدب محاور أساسية في ما تتبعه من نهج.
- الخضوع لتاريخ القرن التاسع عشر وفلسفته الوضعية بشكل أساسي.
- الابتعاد عن الموازنة بين الآداب.
- المقارنة أساس للباحث لكشف التشابهات والفوارق بين الأعمال الأدبية.
- التشديد على اختلاف اللغة كشرط أساسي لقيام الدراسة.
- التركيز على الأدب واللغة القومية.
- اتّخاذ الأدب القومي محور الدراسات المقارنة.
- التركيز على رصد الصلات الواقعية والعلاقات التاريخية بين الآداب.
- الكشف عن الأصالة مقابل عدم الأصالة.
المدرسة الروسية أو السلافية
هي المدرسة التي نشأت بعد انتشار النظرية الماركسية، أُطلق عليها اسم "المدرسة النمطية"، ومن أبرز روادها: فيكتور مكسموفيتش جيرمونسكي "V. M. Germounski"، تعمد إلى إذابة القوميات كافّة بين أنواع الأدب والفنون بغض النظر عن اللغة أو الجنس، والاعتراف بالتنوع الذي يصنع التاريخ عبر الظروف الاجتماعية، وتقوم هذه المدرسة بشكل أساسي على بنيتين؛ البنية التحتية (قوى الإنتاج المادي) والبنية الفوقية (النظم الثقافية والفكرية)، فأيّ تغير على أحدها يؤثر على الآخر.
في هذه المدرسة ينظر للإبداع الفني على أنه واقع تحت تأثير الواقع الموضوعي، ممّا ينعكس على العمل الفني، وإنتاجه، ومعالجته، ولا تفصل المدرسة السلافية قوانين العمل الفني عن قوانين تطور الأدب، والتي هي مرتبطة بقوانين التطور الاجتماعي، فالمدرسة السلافية تدرس الأدب بناء على ثلاثة محاور: الاقتصاد، والفكر، والمجتمع، فالمجتمع والصراع الطبقي لهما دور في إنتاج الأدب.
تقوم المدرسة السلافية على دراسة مشاكل الأدب لا سوسيولجيتها عن طريق ثلاثة ميادين، وهي:
- دراسة العلاقات المباشرة ذات الصفة الوطنية ما بين الأدب بعناصرها المحددة ومصادر التأثيرات ومشاكلها.
- الدراسة على أساس الموازنة، خارج العلاقات.
- دراسة مختلف الآداب موضوع المقارنة من خلال دراسة الطوابع الخاصة التي تتصف بها.
من أهمّ رواد هذه المدرسة ما يأتي:
- زديسلاو ليبيرا "Zdzislaw Libera".
- ديونيز دوريسين "Dionyz Durisin".
- لاسزلو إيلاس "Laszio Illes".
- ز.ماثوسير "Mathauser. z".
خصائص المدرسة السلافية
من أهمّ ما يميز هذه المدرسة ما يأتي:
- الاهتمام بالأدب الروسي الحديث والمعاصر، مع تركيز الاهتمام على الرومانسية الواقعية.
- الاهتمام بنثر الفترة الممتدة من العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي (1920م-1939م).
- الاهتمام بعلم الكتابات بين القرن الثامن عشر والعشرين.
- الاهتمام باللغويات النصية والنقدية.
- الاهتمام بالأدب ما بعد السوفيتية (دراسات الصدمات والذاكرة).
وُجِدت مدارس الأدب المقارن لدراسة العلاقات بين الآداب بناء على القومية من حيث تأثيرها وتأثرها، وهي المدارس التي وُجِدت لتخطّي الحدود الجغرافية والبحث فيما لدى الآخر من إنتاج أدبي، فظهرت المدرسة الفرنسية التي تعدّ الأولى وتتميّز بتقليديتها لما فيها من تشدد، والأمريكية تميّزت بالاتساع والتشعب وقابلية مقارنة كل شيء قابل للمقارنة، والسلافية التي تتميز بدراسة الأدب الوطني القومي والأدب المعاصر.